كلمة المهندسة الشاعرة ميراي شحاده (رئيسة منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي) في المؤتمر العربي السادس للمرأة الرياديّة في 6 أيلول 2023 .
رئيس مركَز لبنان للعمل التطوّعي د.محمد الجنّون ورئيسة لجنة المرأة في هذا المركز العريق الصديقة المفعمة بالمحبة والنشاط الأديبة ريما حلواني
القيّمون في اتحاد الغرف العربيّة
معالي الوزراء وسعادة النوّاب
سعادة مدير عام وزارة العدل القاضي محمد المصري
القامات الثقافية و الأصدقاء الوافدون من كلّ صُقع في لبنان…القادمون من الهنا والهناك
الزميلات الأساتذة المحاضرات في المؤتمر العربي السادس للمرأة الرياديّة، حيث ليَ الفخر أن أشارككنّ هذه الأصبوحة مع بعض رؤياي المتواضعة في الإنماء الثقافي على مِساحة الوطن من خلال الفعاليّات الثقافيّة في منتدى شاعر الكورة الخضراء. وكوني أنتمي إلى مملكة الشعر والأدب، تارة أكنُسُ وأمسحُ فيها الغبارَ المتراكم على عتبات العمر وطورًا أرسم بأبجديّتي من ألفها إلى يائها نوافذَ للحريّة أو أبواباً للمعرفة وأحمل بين راحتيّ مفاتيحَ هذه الأبواب، مفاتيحَ مصبوبةً من معادن الحكمة ومزركشةً بالمحبة و الصفاء.
الحضور الكريم
مرأة تعشق الإبحار والغرق
وتشعل الفتيل في الورق
تارة توقظ موتاها، وتدندن
لهم من صرير المِزق
تلد الأساطير وتفقأ عيونَها
إن مسّها منها صبابةٌ في نزق
وتلاعبُ الزمن في عري دواتها
تحبسُه، فيحيل شعلتها إلى غسق
أيا امرأة
من راحتيها تنضح خميرة الهوى
وتخصب الأمجاد في مجد وألق….
وتتثنّى في فكرها الأنيق وتهزّ في امتشاق خُلقها الطريق…وإن كوَت أضلعَها النارُ وجفّ ريقَها الدمار…دمارُ الذكوريّة وصقيعُ المجتمع الأصفر
طوبى لمن كانت أخته، أمّه ، صديقته، ابنته ترومُ التماس السنا في زرقة الحبر ورحيق الكتب والصحف والمعلّقات وشهد القوافي وأجيج الفلسفة وسبر الأعماق …تمضغها في واحات فكرها وتحيلها غيماً في السماء…ماؤه مدرارٌ يولّد غلّاتٍ من الثمر في مجتمع تصحّرت أفكاره و جفّت منابعُه…
تأتي هذه الكاتبة، شاعرةً كانت أو أديبة أو صحفيّة أو ناقدة أو باحثة أو فنّانة (تكتب الفن في لغتها الخاصّة) ، تأتي في كيميائيّة كلماتها وتعكسُ في مرآتها الشفّافة النضِرة هموم الإنسان وهموم الوطن، هموم الوجود وما ورائيّات هذا الكون المجمّر بالأنى أو الناقص والمنقوص من إكسير الحب والعطاء…تدخل مسلّحةً بيراعتِها الماسيّة لا تخشى الزمان ولا تهاب المكان، وتذوّب في مِداد دواتها ما تعجزُ عنه سياساتٌ ورجالاتٌ كثر…
ولا تهجر قفراً، بل ترويه وترويه وتبني فوقه الصرحَ الأعلى، رغم حطم الانكسارات ورغم تفوّق الانهزامات وتخوض آلاف المعارك، من عرين وحدتها ومن جحيم تخلّف ما ومَن حولِها، لأنّها تؤمن أن الكتابةَ صلاة و العلومَ الإنسانيّة هي فلسفة ارتقاء…فالأدب جسوره تهديك لِ واحات الجمال والشعر مراكبُه تحملك لقمم الإبداع.
المرأة الكاتبة لها عطرٌ خاص، فهي امرأة فكر وليست امرأةَ لهو وكفر ونشوة وفتنة وازدراء.
مي زيادة، نازك الملائكة، نوال السعداوي، آسيا جبّار، رضوى عاشور، غادة السمان وأحلام مستغانمي…قرأن لهّن واستمتعنا بأفكارهّن
فقد حفرن عميقا وتركن بصمات إبداعيّة في شتّى الحقول في القصّة والرواية والنقد والمسرح وبيننا اليوم كثيرات من هؤلاء الرائدات اللبنانيّات اللواتي صلّين تراتيلهن على بتلات الورود ومسحن دموعهن كالندى المتناثر في مروج الياسمين.
أحبّتي؟
لماذا المرأة والمرأة الكاتبة بالتحديد…
لأنّها ما بين خيال فيه من جنون الحكمة ما يغيّرالدهماء إلى بياض ناصع، وقلبٍ يخفق بالحبّ ويرسم خارطة الإنسان، الإنسان بثلاثيّة أبعاده الفكريّة والروحيّة والجسديّة، وحدها المرأة قادرةٌ على زركشة هذه الفسيفساء من المجتمع الكونيّ…
تعلم جيّدا متى تحدّق في عيون الآخرين، ومتى تجتاز عبرهم مدن العالم، وتتجاوز حدود الفضاء الضيّق…
تعلم جيّدا بحدسها وحساسيّتها وإحساسها وإدراكها ووعيها توضيب الأفراح والأحزان والرقص على ناصية الهمسات والأحلام…
فراشةُ الحب هي، في حدود جسد امراة ولها رحمٌ يلد قصائدَ الطبيعة وثدي يدرّ كوثر الحياة ، رجالٌ هم ونساء…
المرأة الكاتبة، هي ديوجينيّة الهوى، أفلطونيّة المثال وللأسف…في بعض الأحيان تحمل صخرة سيزيف، إذ وصلت بها للقمة، تُفَلَّتُ الصخرة من يديها وتسقط نحو الوهاد , ويُحتم عليه حملها ودحرجتها من جديد، كأنّها عقوبة المرأة الهشّة للمرأة المقاومة وعقوبة الرجل النرجسي لها …
حتى لا يبقى هذا الصراع العبثي للإنسان مستشرساً في مجتمعاتنا، أكتبي يا سيّدتي…
أكتبي حتى ننجو معك فدون قلمِ الأنثى، كلّ الساحات مقفرة والروح والفكر طللٌ وسراب.
من هذا الصرح الثقافيّ العالي، أشكر لكم إصغاءكم. أنا دائماً أحاول الكتابة مكلّلة بالشوق والشوك، رغم الخدوش على التاج ورغم الندوب في الرئتين …أحملها رسالة أدبيّة وأخلاقية من منتدى ثقافي أردتُه وابتكرتُه ذكرى طيب وعبير لوالدي شاعر الكورة الخضراء كي يكتب فيه الجميع وتنشرَ النساء نزيف أفكارهن والرجالُ دواوينهم وينثروا القمح في الحقول.
وكي يفترش القارئ معهم أحلام قصائدهم ويلتحف بفكرهم قمم الفكر والوعي والثراء.