محمد ع.درويش
بمناسبة الذكرى الخامسة والاربعين على تغييب سماحة الإمام موسى الصدر “رائد الوحدة الوطنية والعيش المشترك “، بداية نستشهد بكلام للامام المغيب قال فيه: “إن المشكلة التي نعانيها وتهدد شعبنا بالتمزق هي مشكلة الخبز والأمن والماء والغلاء. المشكلة ليست الطائفية، فالمسلمون والمسيحيون إخوان (…) هنالك فقط طائفة الطغاة والمحتكرين، وهؤلاء موجودون عند السنة والشيعة والموارنة والأرثوذكس والدروز وغيرهم. هؤلاء يشكلون طائفة واحدة ضد كل الناس”.
بهذه الكلمات القليلة اختصر الإمام المغيب، سماحة السيد موسى الصدر واقع المجتمع اللبناني الرازحة طبقاته الفقيرة، وبخاصة في الأطراف البعيدة، تحت أثقال حرمان مزمن.
يعتبر الامام السيد موسى الصدر من كبار الائمة المجددين الذين انخرطوا في العمل من اجل الانسان وخيره ومن اجل اعمار الارض. فلم يكتف بالتنظيرات والكلام المجرَّد بل نزل الى ارض الواقع، وخاض في مشاكل الناس، وسعى الى ترجمة الرسالة الدينية الى الحياة. لذلك جاهد الامام من اجل الفقراء والمحرومين والمستضعفين، ومن اجل احقاق واعادة الكرامة الى الانسان اشرف مخلوقات الله.
الإمام موسى الصدر والدكتور حسن صعب كانا من اوائل الذين ساهموا في اطلاق الحوار الاسلامي المسيحي في لبنان. فكانا مع رفاقهم المطران جورج خضر والاب يواكيم مبارك والشيخ صبحي الصالح والاب فرنسوا دوبره لاتور ويوسف ابو حلقة ونصري سلهب اول من وقعوا بيانا في الثامن من تموز ،1965 في اطار المحاضرات التي نظمتها “الندوة اللبنانية” عن “المسيحية والاسلام في لبنان”. هذا البيان يشكل نقطة البداية الفعلية للحوار الاسلامي المسيحي في لبنان لما تضمنه من تأكيد على الثوابت المشتركة في المسيحية والاسلام.
يؤكد الموقعون على البيان “تلاقي الديانتين في ايمانهما بالله الواحد وبقيامهما معا على تعزيز قيم روحية ومبادىء خلقية مشتركة تصون كرامة الانسان وتعلن حقه في الحياة الفضلى، وتنهض بالارض وما عليها في محبة وسلام ووئام”.
واعلنوا “انهم لعلى يقين بأن لبنان هو الموطن المختار لمثل هذا الحوار المسيحي الاسلامي.
وفي كنيسة الكبوشيين، قبيل اندلاع الحرب الاهلية في لبنان، اعلن الامام الصدر ان “الاديان كانت واحدة، لان المبدأ الذي هو الله واحد. والهدف الذي هو الانسان واحد. وعندما نسينا الهدف وابتعدنا عن خدمة الانسان، نبذنا الله وابتعد عنا فاصبحنا فرقا وطرائق قددا، والقى بأسنا بيننا فاختلفنا ووزعنا الكون الواحد، وخدمنا المصالح الخاصة، وعبدنا آلهة من دون الله، وسحقنا الانسان فتمزق”.
وفي المحاضرة عينها، يدعو سماحة الصدر الى العودة الى الطريق السوية، متوجها الى المسلمين والمسيحيين: “اجتمعنا من اجل الانسان الذي كانت من اجله الاديان، وكانت واحدة آنذاك (…) نلتقي لخدمة الانسان المستضعف المسحوق والممزق لكي نلتقي في كل شيء، ولكي نلتقي في الله فتكون الاديان واحدة”.
ويتابع الامام الصدر في محاضرته نفسها تأسيس قاسم مشترك بين الاسلام والمسيحية هو الانسان “هذا المخلوق الذي خلق على صورة خالقه في الصفات، خليفة الله في الارض، الانسان هذا، هدف الوجود، وبداية المجتمع، والغاية منه، والمحرك للتاريخ”. يستعمل الامام، هنا، تعبيرين لاهوتيين، الاول مسيحي والثاني اسلامي: الانسان المخلوق على صورة الله ومثاله، قمة الخلق في الرواية الكتابية (سفر التكوين ،1 26)، والانسان خليفة الله في الارض (سورة البقرة ،2 30) الذي سخر له الله الارض والسموات وجميع المخلوقات.
فالامام يدعو الى احترام التعددية الدينية والثقافية، والحفاظ على الخصوصيات الدينية. اما في موضوع الانسان فيبدو ثائرا على الفكر الديني الجامد في المسيحية وفي الاسلام، داعيا الى اعادة الدور الاساسي الذي خلق الانسان من اجله، اي اعمار الارض والعمل من اجل خير الانسان، الى اي دين او قوم انتمى. وتبقى نظرة الامام الى الآديان كافة قابلة للتحقيق، من حيث ان الاديان وجدت لخدمة الانسان وكرامته. لهذا ينبغي العمل معا من اجل اعادة الاديان الى الهدف الذي من اجله وجدت، اي من اجل الانسان.