صدر عن مشروع الدكتور جميل الدويهي أفكار اغترابية البيان التالي:
مرّة بعد مرّة يثبت “أفكار اغترابيّة” أنه صنع الفرق، وأطلق نهضة اغترابية ثانية بكل ما في الكلمة من معنى… ومعه مئات المحبّين، ليس فقط في أستراليا، بل في كل القارات. وقد أوصل الأدب المهجريّ الرفيع إلى الجامعات، واهتمّ به أساتذة كبار، وأكاديميّون قدوة، وأدباء ومفكرون في الجهات كلّها. وما الرصيد الكبير من 117 منجزاً طباعيّاً، 55 منها للأديب الدويهي وحده، إلاّ دليل ساطع كالشمس، وموضوع مقارنة ذات معنى لمن يهمّهم الأمر، في الميزان الصحيح للتقويم والحكم…
كانت التوأمة مع منتدى لقاء في لبنان مفترقاً ثقافيّاً مهمّاً، وتوقيعاً بالعهد والوعد على التعاون المثمر والبنّاء لإغناء الحضارة. وكان العيد في لبنان في الثامن عشر من آب، في دار الإفتاء الجعفري – جبيل، ولاقيناه بعيد آخر في سيدني، واحتفالية كان المفترض أن تكون بدعوات خاصّة (حوالي 50 دعوة)، لكن الحضور وصل إلى 120 ضيفاً، جاؤوا بدافع المحبة الحقيقية، والالتزام الصادق، والاعتراف بتضحياتنا وسهرنا وتعبنا من أجل قضيّة مقدسة.
هؤلاء الحضور الطيّبون، الأصدقاء الأوفياء، والزملاء المحترمون، هم تاج رأسنا، ومعهم نستمر في العطاء، إلى ما بعد “المتقدّم في النور”. فالطريق أطول مما يعتقده البعض. أطول بكثير.
صوت الفنان الأسترالي العربي بشخص المطرب محمد الشريف قدم لنا مشكوراً، الصالة في المركز الاجتماعي – غيلدفورد. كما قدم لنا باقة من المطربين ضيوف الشرف الذين ملأوا المكان طرباً، مع المايسترو ابراهيم ساروفيم، وعازف العود كوستي، وضابط الإيقاع طوني لطوف، كما أدهشنا آل فطايرجي: العازف الرائع حسن، والمطربة لينا، وعازفة الأورغ فادية.
البداية كانت مع الأديبة المريميّة، صاحبة 12 كتاباً إبداعياً ونقدياً، وأمينة أفكار اغترابية، مريم رعيدي الدويهي التي رحبت بالحضور، وقالت: “الليله عيد التوأمه مع منتدى لقاء في لبنان، وعيد رسالة الماجستير التي قدمتها الطالبة نداء عثمان في لبنان، وهي أول ماجستير في بابها تتناول أديباً اغترابيّاً بعد الرابطة القلمية. وعيد اللقاء معكم، أحباب أفكار اغترابيّة وأهله، أهل الأدب الصحيح، والرفيع، والصادق. مئة أهلا بكم، رؤساء أحزاب وجمعيات ومؤسسات وشعراء وإعلاميين وفنانين… الشكر الجزيل لكم، ولصوت الفنان العربي الأسترالي بشخص المطرب محمد الشريف الذي قدم الصالة لهذه المناسبة، وكل الذين ساعدوا… وتحية من القلب إلى منتدى لقاء في لبنان، بشخص الدكتور عماد يونس فغالي، عماد اللقاء، وإلى روح الأديب سليمان يوسف ابراهيم الذي اقترح العيد. وإلى الدكتور جوزاف ياغي الجميل من الثالوث الإبداعي، والراعي النقدي الأول في لبنان لنهضتنا الاغترابية، والدكتور جان توما الأستاذ المشرف على الماجستير، والدكتور رياض عثمان الصديق والأخ العزيز، والطالبة المبدعة نداء عثمان. وألف مبروك درجة ممتاز. وإلى اللقاء مع دكتوراه ان شاء الله عن جميل الدويهي وأفكار اغترابية”.
ثم ألقت الأديبة المريمية، نيابة، الكلمة الأولى في هذا العيد، “لسيّد العيد، وعماد اللقاء، الصديق الكبير عماد يونس فغالي”، بعنوان “قدسُ الكلمة!”، هذا نصها:
“الكلمة، دخلتُ قُدسَكِ الأدب، وفي محرابِكِ حللت. ضوعُ مِدادٍ عَبْقَ الأمكنة، بخورٌ دويهيّ في أرجاء المعبد، هوذا الكاهنُ المتقدّمُ في العطاء، يؤمُّ الخدمةَ أدبًا… محار من وراء البحار!
على أعتابكِ الكلمةِ القدسيّة، جلستُ، في جانبي الأيمن، حَبرٌ في لباسه الأدبيّ الفاخر، يبسَمُ لي: “تعالَ إلى جميل الألق، هلمَّ يا جميلُ، أُمَّ عبادتَنا الفكر”. يمسكُ يدي بجائزة، ويرفعُني بدرعٍ ولا يكتفي. صلاةُ ختامه إطلاقٌ تخطّى الزمن: “توأمتُنا وُلدت لتخلُد”.
يا جميلُ، هذي صلاتي، احتفاليّةُ عيدٍ مُلهِمٍ من ساكنٍ في الله Lehi شافعٍ لديه. سليمان يوسف ابراهيم، أقامَ العهدَ توأمةً، وكرّسَ العيد، في ضوئيّةٍ نبويّة بثّها دومًا في “أفكار اغترابيّة” و”لقاء”، ليبقِيا على اسمِه… وجهين لعلوٍّ واحد!
ها أنا بكلمتي هذه أرقى بينَكمُ محتفِلاً بما يجمعُنا. حسبي تُحبّونني فأُدركُ كم أنا في عيد!”
ثم تلت الأديبة الدويهي كلمة الباحثة نداء عثمان، التي قالت:
“أسعدتم مساء. يشرّفُني أن أكونَ بينكم. واسمحوا لي أن أدخلَ إلى صلب الموضوع، وأتحدثَ عن الأديب د. جميل الدويهي. لقد استطاع الدويهي أن يجدّدَ في الأدب المهجريّ، بشتّى الأساليب الأدبيّة، بالشعر الفصيح والعامّيّ والزجل والشعر المدوّر والشعر الحديث والقصّة والأقصوصة والرواية، وما هذه التنوّعاتُ إلّا تصديرٌ للمكانة المرموقة التي وصل إليها اديبُنا.
إن الأديب الدويهي أخذ لبِنةَ حجر الأساس، من الأدب المهجريّ القديم ليبني قلعةَ الأدب المهجريّ في البلاد الجديدة، فبالإضافة إلى ما كان عليه الأدبُ القديم، كانت له بصمةٌ خاصةٌ فيه يتفرّد بها عن غيره.
يبدو الدويهي مجموعةَ أدباء في شخصٍ واحدٍ، إبداعُه في تعدّد أنواع الشعر والنثر الذي يكتبُه، والتكريماتُ والجوائزُ الدوريّةُ نجومٌ معلقةٌ على صدور المبدعين، تُضيف وهجًا على أدبهم، ونشْرُ إبداع المهجريّين وتسهيلُ معضلةِ النشر عليهم، ما كان يحصلُ في الأدب القديم حيث أنّ العددَ الكبيرَ من أدبهم جُمع ونُشر بعد وفاتهم. بذلك يكونُ جدّدَ في الأدب المهجريّ.
من الواضح، شبَكَةُ العلاقات الفكريّة التي أسسها الدويهي في قارة أستراليا، واستطاع أن يُحيي أقلامَ العديد من الكتّاب، فأوجد رابطةَ حبرٍ، تضمّ عشراتِ الذين ساهموا معه في الكتابة والتأليف والنشر، كأنّ مِحبَرَتهم وُلدت في مَخاضِ الاغترابِ العسير في رحلتها إلى أستراليا.
لقد هزّ الدويهي جذعَ سنديانةِ الحنين والشّوقِ للوطن، تساقطت عليه حروفٌ من حلاوةِ روح، وروحٍ من كُتب، وترجمَ فكرةً من خَياله. من هنا يأتي مشروعُه أفكار اغترابية عند تأسيسه عام 2014 خيرَ شاهدٍ على شغفِه وأحلامِه، وعلى الصعوبات والانجازات، وعلى تواضعِه في التعامل مع الناس، وسماحةِ روحه ورجاحةِ عقله الذي يسمحُ للآخرين بالبروز، فكم من إبداعٍ لولا مشروعُ أفكار اغترابية بقيَ في غياهب النسيان والظلمة!
هذه الحركةُ الدويهيّةُ الفكريّةُ الاغترابيّة، تركت أثرًا في الناس، وفي الاتجاهات الشعريّة العامة في مسيرة الأدب الاغترابي. هو عدّةُ شعراء في شاعر واحد. بنى قصراً في ديوانه “أعمدة الشعر السبعة”، وهي أنواعُ الشعر كافة. فكان بذلك أيقونةَ الإبداع المهجري المعاصر، مدرسةً قائمةً بنفسها بالعطاء والإبداع، والتجديد عن المهجري القديم، بالإضافة إلى أنواع القصائد التي نُظمت في الشعر المهجري؛ دخل إلى صرح التميّز من باب الشعر المدوّر والشعر المنثور. ملامحُ التجديد برزت في أنواع الشعر السبعة التي لم يسبقْه إليها أحد.
ولقد حاولتُ في الفصل الخامس من دراستي أن أُجري مقارنة سريعة بين جبران خليل جبران وجميل الدويهي، وهما ينتميان إلى منطقة متجاورة، زغرتا- إهدن، بشري، ذاتِ الطبيعة النقيّة والصافية، والألوان الخلابة في الفصول الأربعة، كحال طبيعة لبنان كلّها.
صحيحٌ أنّ جبران هاجر صغيرًا، حاملًا معه صورةَ الطبيعة، خميرةً أَطعَمَ بها العالمَ نثرًا وشعرًا. لكنّ الدويهيّ هاجر بعد أن عَبّ ناظريه من فردوس الجنة، واختزن في ذاكرته أزكى العطور بتركيبتها الفريدة…
من هنا محاولاتُ جبران والدويهيّ الذهابَ إلى الرمز في شعرهما ، لإيمانهما بأنّ الرمز كالإيماءة بالحاجب بِلا كلام، ومثلُه الهمس، إلاّ أنّ الرمز الشّعريّ عند الدويهيّ، مرتبطٌ بالتجربة الشعوريّة، وبمخزونِ المشاعر والخبُرات لدى كلّ إنسان، لذا نرى اختلافَ دلالاتِ الرمزِ نفسِه بين شاعر وآخر، فالرومنسيُّ الحالمُ يرى في الخريفِ شِفاءَ روحه، وانعكاسًا لمشاعره المتغيّرة، مع تَغيّرِ المشهد أمامه، بينما إنسانٌ آخرُ يرى في الخريف فصلَ الموت والكآبة.
وأرجو أن أكونَ وُفّقت في ما ذهبتُ إليه. راجيةً لكم الخير والسعادة”.
بعد كلمة الأستاذة نداء عثمان، قدّمت المطربة سُهى غريب باقة من الأغاني الرفيعة، فأطربت وأجادت، وتبعها آل فطايرجي الذين قدموا وصلة غنائية راقية. قبل أن يصعد عميد أدباء المهجر، د. جميل الدويهي، إلى المسرح ليرحب بجميع الأحزاب والمؤسسات والأدباء والإعلاميين. ثم ألقى إضاءة على مؤتمر النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان الذي شارك فيه حوالي 35 أستاذاً وأديباً وإعلاميّاً ومؤسسة من مختلف أنحاء العالم.
وفي البرنامج الغنائي أيضاً، كانت للفنان توفيق يعقوب وصلة طربية جميلة، وبعدها كانت وقفة شعرية لجميل الدويهي مع قصائد من أربعة أنواع: الزجل، التفعيلة، والتفعيلة العاميّة، والمدوّر العامّيّ.
وفاجأ الحضور الشاعر فواز محفوض، ابن السقيلبية – حماة، بأنه حمل معه من سوريا الحبيبة منحوتة رائعة تمثل وجه الأديب الدويهي، نفذتها النحاتة المبدعة ليلى رزوق، وهدية أيقونة للعذراء من الإعلامية المهندسة إلهام سلطان.
وكان مسك الختام في البرنامج الغنائي مع المطرب محمد الشريف الذي غنى من قلبه فأطرب حتى الثمالة. تبعه الأديب الدويهي بقصيدتين ختاميتين، ثم دعي الحضور إلى ضيافة، والتقطت الصور التذكارية.