احتفاليّة أدبيّة في جبيل في ذكرى توأمة “لقاء” مع مشروع “أفكار اغترابيّة للأدب الراقي – سيدني”

 

 أقام لقاء” احتفاليّة أدبيّة بعنوان ثمرةٌ بكر في مسيرة التوأمة” لمناسبة ذكرى توأمته مع مشروع أفكار اغترابيّة للأدب الراقي” في سيدني أوستراليا، وإنجاز أوّل رسالة ماستر حول شعر الدكتور جميل الدويهي للطالبة نداء عثمان، وهي احتفاليّة مهداة إلى روح سليمان يوسف ابراهيم، عرّاب التوأمة ومطلق العيد.

تمت الاحتفاليّة في مركز الإفتاء الجعفريّ في جبيل بمباركة معاون مفتي جبيل وكسروان، الشيخ محمّد حيدر أحمد وحضوره، وحضور أساتذة جامعيّين ومفكّرين  وإعلاميّين، بمشاركة عائلة الأديب الراحل ابراهيم.

قدّمت الاحتفاليّة الدكتورة فاتن الحاجّ حسن، وتحدث فيها الدكتور جميل الدويهي الموجود في أوستراليا، ألقى كلمته الشاعر وليد نجم، أعرب فيها الدويهي عن سعادته لمشاركتَه العيد مع لقاء” وامتنانَه لأجل الوفاء بالعهد والعيد.

ثمّ كانت كلمة رئيس لقاء” الدكتور عماد يونس فغالي الذي وضع العيد في فكرته وإطاره وهنّأ صاحبة رسالة الماستر بنيلها الشهادة الجامعيّة في أدب الدويهيّ. بعدَه الدكتور جان توما المشرف على الرسالة، تمحورت كلمته حول العلاقة الفكريّة بين الدويهي ونداء عثمان، بكثير من الشجن والعواطف الأدبيّة. تلاه الدكتور رياض عثمان متحدّثًا عمّا تعني له الرسالة موضوعًا وطالبةً (وهو خالُ الطالبة نداء). أمّا الدكتور جوزف ياغي الجميّل، فكانت مداخلتُه موجّهةً إلى توأمة الأرواح والأفكار بين أفكار اغترابيّة ولقاء، مهداة إلى روح الصديق الأديب سليمان يوسف ابراهيم“.

ثم كانت قراءة مقتطفات شعريّة من كتاب أعمدة الشعر السبعة” للدكتور الدويهي الذي اعتمدته نداء عثمان في رسالتها، قبل أن تعتلي الأخيرة المنبر في مداخلة تضمّنت شكرها للإضاءة على رسالتها واعتمادها موضوع الاحتفاليّة من جهة، وعرضًا لعملها البحثيّ في شعر الدويهيّ أنموذجًا للأدب المهجريّ المعاصر.

في نهاية الاحتفاليّة قدّم فغالي إلى الطالبة عثمان شهادة تهنئة ومحبّة باسم المنتدى وأُخذتْ الصور التذكاريّة مع ضيافة من دار الإفتاء.

في ما يلي نص الكلمات:

الدكتورة فاتن الحاج

من جديد، لقاؤنا مع الإبداع والتميّز والألق، فبدعوةٍ من “لقاء” الذي نتشرّف به عنواناً فكريّاً ونشاطاتٍ متلاحقةً وحِراكاً ثقافيّاً، نلتقي معاً لقاءَ القلبِ والعقلِ والاهتمامِ المشترك.

ودارُ الإفتاءِ الجعفريِّ في جبيل – كما عوّدَنا وكما عهدناه – هو الحاضنُ للتنوّعِ والتعدّديّةِ والتفاعلِ والإبداعِ الإنسانيِّ واللبنانيِّ على وجهِ الخصوص، وما غيرُ الثقافةِ التي تجمع بين هذه الخصال حتّى يحتضنَها مثلُ هذا الدارِ الكريم؟

اليوم، نجتمعُ حولَ “ثمرة بكرٍ في مسيرة التوأمة”؛ هذه الثّمرةُ المهداةُ إلى سليمان يوسف ابراهيم، وهو عرّابُ هذه التوأمةِ ومطلِقُ عيدِها!

ولأنّ المناسبةَ عظيمة، فالمتحدّثون فيها على قدرٍ من العظمةِ والسؤددِ أيضاً، لا يتقدّم واحدُهم على الآخرِ ولا تضاهي كلمةٌ كلمةً أخرى.

فالكلُّ في العلمِ والرّيادةِ والتميّزِ سَواء.

لكن لكلِّ شخصيّةٍ أسلوبُها ولكلّ متكلّمٍ تجربتُه ولكلّ فكرٍ نكهتُه الخاصّة.

فأهلاً بالجميعِ في روضةِ الأدب والفلسفةِ والشّعر، هذا المزيج الذي يُسكر العقلَ ولا يُذهِبه، ويدمج الفكرَ الاغترابيَّ بالفكرِ المحلّيِّ في باقةٍ أعطرَ من الزهورِ وأجملَ من ألوانِ الطّيف.

-هو أديب مهجريّ متبحِّر في الأدبِ وباحث في شؤونِه وقاطف من جِنانه في كلِّ حضارة، وهو المدركُ لأهميّةِ الوصلِ بين المغترَبِ من جهةٍ ولبنانَ المقيمِ من جهةٍ أخرى في ميدانِ الفكرِ والثقافة. بيّنَ مكانةَ الشّعرِ الزجليِّ في أسلوبٍ راقٍ ينمّ عن رهافةِ العقلِ والحسِّ معاً. ترأّس تحريرَ عددٍ من الوسائل الإعلاميّةِ والبرامجِ الإذاعيّة، وهو يشغل منصبَ تحريرِ جريدةِ المستقبل الأوستراليّة.

إلى ذلك كلّه، فكتابةُ الدكتور جميل الدويهي تشتملُ على ثمانيةِ أعمدةٍ بين الشعرِ والروايةِ والدراسةِ الأكاديميّةِ والمقالةِ النقديّةِ والسياسيّة باللغتَينِ العربيّةِ والإنكليزيّة. وقد تجاوزَ عددُ كتيهِ الأربعةَ والخمسين، كما صدرت عشراتُ الكتبِ عن مؤلّفاتِه.

-لرئيسِ “لقاء” الدكتور عماد فغالي حضورٌ فاعلٌ ودورٌ رائدٌ في ندواتِنا ولقاءاتِنا، قناعةً منه بمحوريّةِ الثقافةِ والمثقّفين في بلورةِ صورةِ لبنانَ بمختلفِ الحقَباتِ وإن اشتدّت المِحن وصعُبت الظروف على الوطنِ وأبنائِه مثلما يحدثُ في هذه الأيّام.

فعزيمتُه لا تكلُّ في الشدائد وهمّتُه لا تفَلُّها الأزمات، ويبقى نبراساً للعلم والبحوث المتقدّمة.

قال فيه الأديبُ الكبيرُ سليمان يوسف ابراهيم:

“إنسانٌ من معدنِ رجلٍ صبَّ في قالبِ الحياةِ موقفاً لا يهادنُ ورأياً لا يداهِن.

خَدينُ محبّةٍ ووفاءٍ صادقَينِ متأصّلَينِ فيكَ تربيةً، من بينِ خِلّاتٍ اجتمعَت في شخصِكَ، فغدوتَ عماداً واعتماداً، لصداقةٍ بصدقٍ مكين..”.

-في رياضِ الأدبِ والشّعرِ يتجوّلُ ويقطفُ ما حلا وطاب، وفي الروايةِ له نزهاتٌ وترحالٌ في الدّراسة. فباتَ له ما يزيدُ على سبعةَ عشرَ كتاباً من أمّاتِ الكتب. إنّه الدكتور جان توما، الأشهرُ من نارٍ على عاَم، والأستاذُ المحاضرُ في جامعةِ القدّيسِ يوسف وفي الجامعةِ اللبنانيّةِ وجامعةِ سيّدةِ اللويزة، كما يشغلُ منصبَ رئيسِ قسم اللغةِ العربيّةِ في جامعةِ الجِنان.

إنّه ممسكٌ بناصيةِ التعليمِ والتأليفِ معاً، ولم يكن يوماً إلّا مبدعاً في الإثنين.

نستضيفُ الآنَ الدكتور جان توما، وكلُّنا إصغاء.

-ما أحوجَنا اليومَ كبلادٍ عربيّةٍ وكلسانٍ عربيٍّ للعودةِ إلى المَعينِ الصافي لهذه اللغةِ المجيدة، والتي حادت عنها أجيالٌ وأهملَتها بلا طائل. ومَن غيرُ الأساتذةِ العلماءَ البحّاثةَ في هذه اللغة لينعشَ ما قد ذبُلَ ويحيي ما قد اندثر؟ إنه الروائي الأستاذ الدكتور رياض عثمان، المحاضر في الجامعة اللبنانية،صاحبُ مسيرةٍ طويلةٍ من البحثِ الجادِّ في مجالِ اللغةِ والنّحوِ واللسانيّات. وهو في بحثِه وفي إشرافِه على بحوث الطلّاب، يتوجّهُ الوجهةَ العلميّةَ الصّرفةَ وينحو منحى القواعدِ والأصولِ الصحيحةِ التي لا يجوزُ الإنزياحُ عنها أو التفلّتُ من عِقالِها.

-الشِّعر والنقد الأدبيّ ميزتان لا تجتمعان سوى في قلّةٍ ممّن أترعَتهم الموهبةُ والمهارةُ والخبرةُ معاً. الدكتور جوزف الجميّل من بين هؤلاءِ لا بل هو في طليعتِهم: شاعرٌ متفانٍ في تعبيرِه وشعورِه، يسكبُ قوالبَه الجماليّةَ في جداولِ الحبِّ الدفّاقةِ رغمَ عذاباتِ الرّوحِ التي لا تنقضي؛ كما أنّه ناقدٌ للشّعرِ والأدبِ لا يُشقُّ له غبار، دقيقٌ ومرهَفٌ في الوقتِ عينه. وإلى مؤلّفاتِه القيّمة، قدّم الدكتور الجميّل للقارئِ والباحثِ على حدٍّ سواء مادّةً دسمةً لا تنفكُّ تزخرُ بالمعاني والمرامي، وقد بثّها في العديدِ من الدوريّاتِ والنّشراتِ والمجلّاتِ المعتبَرةِ وفي المواقعِ الإلكترونيّةِ المتخصّصةِ بقضايا الثقافةِ ومشاغلِها.

-ولأنّ الأستاذ والطالب هما عِمادا العلمِ والتربيةِ والبحثِ والإنجاز، فمسكُ ختامِ لقائنا سيكونُ مع مداخلةٍ للطالبةِ نداء عثمان، وهي صاحبةُ أوّلِ رسالةِ ماستر في أدبِ جميل الدويهي بعنوان “التحوّلاتُ الشعريّةُ في الأدبِ المهجَريِّ المعاصر – د. جميل الدويهي أُنموذجاً”.

الشكر الكبير للدكتور عماد فغالي على إختياره لتقديمي إحتفالية عيد التوأمة ، إلى جانب الدكاترة الكرام… لكم مني كامل الإحترام والتقدير

د. جان توما

قد تجمعُ الدروبُ العتيقة والقادوميات قضاءَ زغرتا- إهدن وأقضية لبنان، في الوطن والمهجر، تجاورًا وسهلًا وتلالًا، ولكن ماذا يجمعُ بين الكتّاب الشباب وبينَ المحبريِّ العتيقِ، المهجريِّ جميل الدويهيّ؟

لا شكَّ في أنّ الرابطَ الأساسَ هو اللغةُ العربيّةُ، تلك الأبجدية ُالمشاطئةُ لقاموسٍ وبحرٍ من المفرداتِ والجمالياتِ البلاغيّةِ والإبلاغيّةِ. يتناهى إلى سَمَعِ من يكتبُ عن جميل نداءَ الغربة، وأناشيدَ السفرِ، وقيثاراتِ ملحِ الحنين، فيرى الكاتبُ الجديدُ أنْ يعكِسَ اسطورةَ قدموس وأوروب، فيخطف بمحبرتِهِ الدويهيَ المرميَ ما بينَ ضبابِ إهدنَ والقارةَ البحريّةِ في المدى البعيدِ.

ملاحظتي الأولى لكلّ كاتب عن الدويهي، قبلَ أنْ يبدأِ الكتابةَ: أنِ اخرج من الزمانِ والمكانِ، فالمهجريّون ” ركبوا عربيات الوقت وهربوا بالنسيان، وتركوا ضحكات ولادن منسية ع الحيطان”، فالمهاجرُ توقّفَ زمنُ الوطنِ عندَهُ، وما زالتْ في بالِهِ الصورُ المرفوعةُ على حجارةِ حيطانِ بيتهِ العتيق، لم تتبدّلْ ملامحُ النازلينَ فيها ورقًا باهتًا، بعد أن كان اشخاصُها يضجّونَ بالحياة، على الرغم من أنَّ الصورَ مزّقَهَا العمرُ، والحيطانُ تهافتَتْ كما غبارُ الريح، ولم يبقَ في قلبِهِ إلاّ الكرومُ والسهولُ وحبّاتُ التوت على حالِها، وثرياتُ الذهبِ تتغنّجُ في عروقِ الشمسِ، فيما تغيّرتِ الأحوالْ، وتبدَّلَ الوضع ومالْ.

د. جميل الدويهي

هكذا صارت الدنيا، منذُ ما عادَ منديلُ الأمِّ يمسحُ زجاجَ الصور، وكرّ خيطُ التطريز عند حدود الدمع،ِ بعدما طالَ غيابُ المهاجرين، واشتاقَتْ الوجوةُ إلى الوجوهِ، مُنْذُ أنْ غنّت الذكرياتُ “” ضجرت مني الحيطان، ومستحية تقول”، راحَتْ شابيكُ اِلقرى، والعشب غطّى الدراج، وراجح ضاع بالأحراج. أقول للشباب الكتّاب أنِ اخرجوا في كتاباتكم عن الدويهي، إلى حيث الروح اليقظةِ، تلهو نسائمُها في نفوسِ المهاجرين، كما في روحِهِ، وهو الذي أنشدَ في تعبِهِ أنّه” صار لي شي ميّة سنة عم ألّف عناوين، مش معروفة لمين، ووديلن أخبار، وبكرا لا بد السماء ما تشتيّلي عالباب، شمسيات وأحباب، ياخذوني بشي نهار، واللي ذكر كل الناس بالآخر ذكرني”، ذكرناك جميل الدويهي ذكرناك، وقد تعبْتَ وجاهدتَ الجهادَ الحسنَ، فَنِلْتَ إكليلَ شاعِر المهجرِ والغربة.

كنتَ مثالًا لأولئك الذين يفتحونَ أغطيةَ محابرِهِم على الزمنِ الجميل، فينسجونِ من كلماتِهِم بساطَ ريح ِالحكاياتِ، يغزلونَ كبكوبَ صوفِ جَدَّاتِهِم، وتغمرُهُم نشوة ُأغاني الفلاحين، وترانيمُ مجاذيفِ البحريين، في غمرةِ تغريدِ العصافيرِ التي تُحَلِّقُ بأجنحةٍ متكسّرةٍ في أزمنةِ التعبِ والغربةِ والوجع.

جميل الدويهي كذاك البطلِ في تلكِ الروايةِ التي لقلّةِ الرزقِ يأخذُ الحطّابُ ابْنَهُ إلى الغابة ليتركَهُ هناك، فكان الولدُ يرمي حصىً صغيرةً ليعودَ إلى البيتِ مساءٍ، ولكن في المحاولةِ الأخيرةِ رمى الطفلُ فُتَاتَ خُبْزٍ ليستدلَّ إلى طريقِ العودةِ لاحقًا،، لكنَّ العصافيرً خانَتْهُ، فأكَلَتِ الفُتَاتَ فمحا المدى، ومُحِيَ الطريقُ، وضاعَ شادي. جميل راح َإلى تلكِ الأفياءِ الساحرةِ في تلك ِالغابةِ، وتركَنَا قصدًا نحنُ العصافيرُ نلتقطُ فُتَاتَ كتاباتِهِ المهجريّةِ ليُنْعِشَ البريّةِ هناك، ويرفعها إلى قدسيّةِ العربيّةِ التي هي رغيفُ الخبزِ الحيِّ في المحابرْ والمنابرْ… والمشاعرْ.

جميل الدويهي ابنٌ الصخرِ عنا، وابنُ المحيطِ هناك، يحملُهُ الضبابُ إلى مائيةِ الجزيرةِ الكبرى في العالمِ، ليستكملَ مسيرةَ أدباءِ المهجرِ ما بين القارتينِ وتوابعهما، وليربطَ ما بين القلميّةِ والأندلسيّةِ والاغترابيّةِ بالنصِّ المهجريِّ الذي يتوالدُ من النصوصِ الأخرى، كأنّ ما يذهب إليه الشباب الكتّاب في أدب الدويهي  يُختصرُ بأنَّ النصَّ المهجريَّ ” يمتدُّ كبقعةِ زيتٍ من بيروتَ إلى الصين “، وأنَّ الجرحَ المهجريَّ مفتوحٌ منذ الرحيلِ الأوّلِ والشتات، وأنَّ جميل الدويهيّ حاملُ ” الكشّةِ” الشعريّةِ، يُنْشِدُ العَروضَ، يكتبُ الروايةَ، يؤلِّفُ، يبدعُ، يطبعُ، ينشُرُ، هو ذو الوزارتينِ، الثقافةِ والخارجيّةِ، وهو شاعرُ الحنين،” فالحنينُ، كما يقول محمود درويش، ” وجعٌ لا يحنُّ إلى وجعٍ، هو الوجعُ الذي يسبّبه الهواءُ النقيُّ القادمُ من أعالي جبالِ البعيدِ، وجعُ البحثِ عن فرحٍ سابق”. أيُّها السابقُ جميل الدويهي المهجريّ، واقفونَ عندَك، بانتظار…..الآتي.

د. جوزاف ياغي الجميّل

مهداة إلی روح الصديق الأديب سليمان يوسف ابراهيم

لقاء… عنوان كلمتي اليوم، في توأمة بين ثالوثين، علی ضفّتي الإبداع، في الوطن والمهجر.

الثالوث الأوّل في بلاد الاغتراب،جميل ميلاد الدويهي، مريم رعيدي الدويهي، وكلود ناصيف حرب.

الثالوث الثاني، علی ضفّة الوطن سليمان يوسف ابراهيم، عماد يونس فغالي وجوزاف ياغي الجميل.

وبين الثالوثين كانت توأمة أرواح، قبل توأمة الأفكار. وكان الحكيم السليمانيّ صلة الوصل بيننا، وبين ثالوث الأفكار الاغترابيّة.

قال لي، صديقي وأخي سليمان، ذات عمر:  هل تودّ أن تكتب مقالة في كتاب الأرزة الإهدنيّة: هكذا حدّثتني الروح. كان النص الذي كتبت عنه بعنوان:  العودة إلی الله . وكان نص السليمانيّ بعنوان الشمعة. وكأنّه كان يعي، في صميم الذات، أنه شمعة تحترق لإضاءة السبيل، أمامنا، كي نتعرّف إلی فكر الجميل الدويهي، وأدبه الراقي.

وقصرت المسافة بيننا وبين الأفكار الاغترابيّة. حملنا الصديقُ الصدوق، إلی ضفة الإبداع الدويهيّ، في كتابَي سراج العشايا وأرجوحة النور. عرّفنا إلی النهضة الٱتية، من خلف بحار الشوق والتفاعل الحضاريَّين. وكان لنا الحرف القدموسيّ المشعل والهداية. كتبت فيه كتابين، هما باكورة كتاباتي المنشورة، في أرض المهجر الاستراليّ: من الجميّل إلی الجميل. وتتالت الكتب، في حوارات، لمّا تنتهِ. وتساءلت عن هذه التوأمة: أهي السحر؟

وقال السليماني:

إنّها أرجوحة النور، تضيء بحار اللقاء، بين أرواح ملؤها الوفاء.

وقال الدويهي: بل إنه حديث الروح، في معبد النور. إنّه سحر الإيمان الذي جمع بين المتقدّم في النور، وجار القديس، الأديب اليوحناويّ، وابن جبل التاج، الكاتب باسم الحب، صفحات أخوّة وشكر وعرفان لا تنتهي.

وتتالت اللقاءات الفكريّة والأدبيّة. ونال الصديق سليمان الغالي، والعماد الفغالي، جائزة الجميل الدويهي، التي كانت من نصيبي أيضاً، بفضل ترشيح مشكور من صديقي سليمان.

وانطفأت الشمعة؟ وغاب البدر، في الليلة الظلماء؟

لا يا أصدقاء.

إن شمعة أضاءها الله، في معبد النور العنّاويّ لا تنطفئ. لقد أصبحت سراجاً مضاء بماء الحياة، في صومعة الجار القديس.

والبدر الذي أضاء دروبنا، عبر البحار إلی ضفّة الإبداع الثالوثيّ الاغترابيّ لن يغيب. إنه في لقاء دائم، وفي سری لا ينتهي، نحو الكمال. سكناه اليوم، في مخابئ العطر، خلف حدود الألم. يبارك حواراتنا ، لقاءاتنا، وتوأمة الأرواح، وهذا اللقاء في لقاء.

إن فكرة التوأمة بين أفكار اغترابيّة ولقاء كانت من بنات أفكار الحكيم السليماني، وفي هذا الوقت بالذات، التاسع عشر من ٱب.

فاهنأ، يا صديقي وأخي سليمان، حيث أنت، في علياء السماء.فابنتك الجديدة تنمو بالقامة والحكمة والوفاء، بين الضفّتين. وكتابك، هتاف الروح،  الذي أعددتَه للطباعة، وطلبت مني أن أكتب مقدّمته، سيبصر النور، قريباً، بإذن الله. أشرعتك التي بلا مراسٍ وجدت شاطئها الأمين، وألقت المرساة، في أرضها الجديدة.

سليمان يوسف ابراهيم، أنت خالد في قلوبنا وأفكارنا والضمائر. وها هي توأمة الروح بين أفكار اغترابيّة ولقاء تعلن أن ثالوثنا باقٍ ليشهدَ باسم الحب للحق والحقيقة ولادة لبناننا الفينيق، من بين الرماد. وإني، باسمي، وباسم هذه الكوكبة المشاركة في هذا الاحتفال، نعاهدك علی إكمال الرسالة.

وها هي الرسالة التي عملت جاهداً من أجلها، تثمر بعد غيابك الحضور، رسالة ماستر في اللغة العربيّة وٱدابها، للطالبة نداء عثمان. إنها باكورة الأبحاث الأكاديميّة التي نادينا بها معاً، وتمنيناها، منذ تعرّفنا إلی رائد النهضة المهجريّة الثانية. شكراً للطالبة الباحثة، وللمشرف علی الرسالة الأديب الصديق البروفسور جان توما، ولكلّ مَن أسهم وشارك، في نشر الإبداع المهجري، والدويهيّ خصوصاً. إنهم شركاء حقيقيّون للتوأمة التي نحن نجدّد عهودها اليوم، في هذا اللقاء، بمباركة الصديقَين الغاليين الأديبين الدويهيّ والفغالي، وهذا الحشد الكريم.

واسمحي لي، أيتها الصديقة نداء، أن أهدي باسمك هذه الرسالة، إلی روح صديقنا الغالي سليمان يوسف،  إبراهيم. فلتكن ذكراه خالدة في قلوبنا، جسر عبور، وصلة وصل، بين جناحَي الوطن المقيم والمنتشر، علی أمل اللقاء الدائم في لقاء.

عشتم، عاشت التوأمة بين أفكار اغترابيّة ولقاء، عاش لبنان.

د. جميل الدويهي

تحيةُ الشوق إلى اللقاء وأهلِه في عيد التوأمةِ بين قطبَين من أقطاب الفكر والثقافه في لبنان. وكم يُغبطُني أن أكون بين كوكبةٍ من الأساتذة الكبار، الدكتور عماد يونس فغالي، العماد الذي يقود سفينة الكلمة، بهمّة ماردٍ، وعزيمةِ بحّار. والغائبُ الحاضر سليمان يوسف ابراهيم، الأقنومُ في ثالوثٍ إبداعي لا يتبدّد، بل يظلّ طوداً شامخاً في الحاضر والغد البعيد. والدكتور جان توما، الزميل الكبير، الذي له في قلبي مكانةٌ، ومقامٌ رفيع. الدكتور رياض عثمان أخي الذي  به أعتزّ، وأغتني من علمه وحكمته وأكاديميّته الفذّة. الدكتور جوزاف ياغي الجميّل، راعي النهضة الاغترابيّة،  وحامل رايتِها في كلّ المواقع والمنتديات.  والأستاذه نداء عثمان، الباحثةُ القدوةُ في أدب الاغتراب، رفعته إلى ذُرى المجد والاعتبار.

وتحيّة لأهل اللقاء جميعاً من أقاصي الشرق، إلى لبنان الرسالة. وأعرف كم تلك رسالةٌ صعبةٌ وغالية. ومن مفارقات القدر أنّنا ننحت الجبل بإبرة. ولو أخذوها منّا، نحفُر الجبال بضوء العيون. فقد تمرّسْنا وتمرّدنا على الصعاب، وأصبحت جُزءاً من وجودِنا.  وعندنا أنّ الانتصارَ ليس خِياراً نختارُه، بل هو قدر مكتوبٌ لنا،  بحبر السهر ودموع السفر.

أيّها المحبّون جميعاً،

توأمة اللقاء والأفكار خالدة. وفي عيدها نضعُ في أيديكم أمانةً، أن تحافظواعلى هذا الضوء المشعّ، يكسرُ جَناحَي العتمة. وحلمُنا الكبير لا ينتهي بالتحوّلات الشعريّة في الأدب المهجريّ المعاصر، بل يبدأ بها…  ولا ينطوي عندما تَطوى الباحثةُ نداء عثمان أوراقها، لترتاح من عناء البحث والكتابة. فأمامنا طريق طويل، وحقول تنتظر القِطاف. ومَن  أكثرُ جدارةً منكم،  وأقدرُ على أن يساعدَنا لتحقيق المزيد من الدراسات، عن مشروع يستحقّ الاهتمام والرعاية، وقد أحطناه بالتضحيةِ وعذاب الغربة؟

نُجدّدُ العهدَ لكم، عهدَ المحبّة والوفاء. وإن كنت اختصرت لضيق الوقت، فأنتم تعرفون جيّداً أنّكم عندي كَأهْلي، وأعظمُ الأصدقاء… أنتم فرحي في وطني، ولقائي معكم وُلد ليبقى علامة فارقة في جبين الزمان…

عاش  لقاء الأفكار . عِشتم، وعاشت بلادُ الحرف والأنوار.

د  عماد يونس فغالي

حجٌّ إلى الأدب، الإنسان!

وصل الدكتور جميل الدويهي والوفد المرافقه إلى لبنان العام ٢٠١٩، يوم الجمعة الثالث من شهر آب، فتعذّرت علينا إقامة أمسيتنا التكريميّة له في تاريخنا الثابت. ورحنا إلى الإثنين ١٩ آب.

العام ٢٠٢٢، كان الجمعة الثالث من آب يوم ١٩ منه، احتفاليّةَ “لقاء” بجائزة “أفكار اغترابيّة” ودرعها الأكاديميّة. اتّصل بي حَبيبُنا الساكن الله سليمان يوسف ابراهيم هاتفًا: ليكنْ ١٩ آب عيدَنا، عيد “لقاء” و”أفكار اغترابيّة” التوأم الفكر والأدب نهضةَ إنسانٍ وكلمة!

أطلق العيد سليمان وكرّسه، السنةَ الماضية غائبًا في مرضه، والسنةَ ولقادم السنين، حاضرًا منذ عليائه… سيكون العيدُ دائمًا أنتَ شفيعُه، كأنّما نقول: عيد التوأمة، سليمان يوسف ابراهيم!

أمّا بعد،

العنايةُ العلويّة تدبّر، لكلّ عيدٍ منجَزٌ، يَهدي إلى ارتفاع. “جميل الدويهي أنموذجًا”، في دراسةٍ جامعيّة، رسالةِ ماستر. في “أفكار اغترابيّة”، الحدثُ وصولٌ قمّة. في “لقاء” هو العيد… نداء عثمان، صنعتِ العيدَ يا غالية، وكنتِه. اليكتبِ البحثَ، يكنْهُ. البحثُ فكرُ صاحبه. تتكوّنين باحثةً نداء، بشهادةٍ جامعيّة، من صلبِنا… هلاّ نظرتم معي كم التوأمة البيننا فكرٌ وبحثٌ وعلم. هلاّ وجدتم معي، كم العيدُ كلمة صارتْ رسالةً وتحوّلتْ شهادة؟!

لا أُفشي سرًّا إن قلتُ التوأمةُ فعلٌ دويهيٌّ في امتياز. نحن فقط نحتفلُ بها. الدكتور جميل مدّ يدَه إلينا بجائزته أوًّلاً، وبعمله الأدبيّ الرفضَ نشاطًا فيه دون تعاوننا… لا أخفيكم أنّ إضاءةَ الطريق الدويهيّة إلينا، كانت ديوجينيّة القنديل الابراهيميّ…

القنديل هذا في يد سليمان، أضاء لكلينا، مشروع الدويهي و”لقاء”، الطريقَ الواحد النسلكُ فيه: أدبُ القيم، القائم على قيم الأدب! ثابتان نحنُ في المنظومة القيميّة، لذلك قال الجميل “نحن معًا دائمًا. توأمتُنا وُلدتْ لتبقى”. هذا كلامُ ثقةٍ منه، لكنّه قناعتُنا أيضًا.

رسالةُ الماستر الأعدّتها نداء، إلى تهنئتنا بها أيضًا وأيضًا، نشكرُها لأجلها، ومعها نشكرُ الحبيبَ الدكتور جان توما، لأنّ هذه الرسالة لم تنلْ شهادةً، بل هي شهادة، أنّ العملَ الدويهيّ، نهضةً اغترابيّة ثانية. هو عملٌ جدّيّ، من فئةِ البحثيّ، لا يتأثّر بالتقلّبات المزاجيّة لتصنيفاتِ “المين ما كان”. هو عملٌ جديرٌ بأن يُدرس، ويُبحث فيه، ويتكوّن مرجعًا لأدبٍ مهجريٍّ معاصر. واسمحوا لي بتصويبٍ لأمرٍ ورد في الرسالة وفي المؤتمر قبلها وكتابٍ صدر في نثر الدويهيّ. نحنُ أمام نهضةٍ اغترابيّة ثانية، لكنّها قائمة في حدّ ذاتها… لا حاجةَ لإثباتها أن تقارَن بالرابطة القلميّة والعصبة الأندلسيّة في مطلع القرن العشرين! هي أدبٌ مهجريّ له هويّتُه الخاصّة، في كاتبيه وجغرافيّته وظروفه. خصائصُه جليّة في تكاملٍ مبين. هذا في رأيي ما أضفى عليه تسمية نهضة ثانية. هي لا تكمّل النهضة الأولى، إنّما تتابع في الزمن ما يمكن تسميتُه وجود الأدب المهجريّ كنوعٍ أدبيّ محبّب!

د. جميل الدويهي، نحتفلُ بكَ الليلةَ كما العهدُ عيدًا، مع طالبتنا الحبيبة نداء والدكاترة اليقفون معها إلى جانبنا. وتحتفلُ أنتَ مع أقانيم الثالوث المهجريّ في الرابع والعشرين من هذا الشهر، بالتوأمة عيدًا وبنداء عنوان العيد… تأكيدًا على ما بيننا من علواتٍ في قامة القكر الراقي…

عسانا حينما نعتلي متنَ حالتكَ الأدبيّة، على سفينة تدويناتكَ في أنواعها، وعلى مراكبِ الأبحاث والمؤلّفات في أدبكَ، ندركُ أكيدًا أنّنا في نهضةٍ أدبيّة معاصرة منذ الاغتراب، وأنّ الفكرَ الأدبيّ راقي أدب الفكر، الذي تصبو إليه إنسانيّتُنا في حجّها نحو العلى، كلّه!!!

اترك رد