في حديث خاص لـ “الرائد نيوز” قالت الرواية لونا قصير: “إنها المرة الأولى التي أكتب فيها رواية لبنانية بحتة، بتعابير أدبية تروي وجع اللبنانيين على ورق، وقد يكون تاريخًا يقرؤه أولادنا وأحفادنا، ويستغربون أننا في عام 2023 قد عشنا هكذا مأساة، لا دواء ولا كهرباء والناس تموت أمام أبواب المستشفيات.
رواية “أخطاء وخطايا” هي مزيج من كل شيء، فهي تبدأ بالحديث عن تفجير مرفأ بيروت، ثم عن الوضع العام في لبنان وكمية معاناة شعبه ولا يخلو الأمر أيضًا من تضمينها قصة حب في زمن الانفجار لتعطي طابعًا رومانسيًا يجعل القارئ لا يمل الرواية”.
وأضافت قصير أن عنوان الرواية جاء من فحوى القصة الاجتماعية التي تصف علاقة أم مع أولادها والتي تشوبها عدة أخطاء، وهو تشبيه بكمية الأخطاء في المجتمع اللبناني التي تحولت لخطايا من كثرة تكرارها.
استضافت رابطة الجامعيين في الشمال ممثلة برئيسها غسان الحسامي ندوة لمناقشة رواية “أخطاء وخطايا” للروائية لونا قصير، وكانت البداية بالنشيد الوطني اللبناني ثم كلمة لرئيس الرابطة رحب فيها بالحضور قائلًا: “ندوة اليوم حول كتاب “أخطاء وخطايا” للزميلة عضو رابطة الجامعيّين في الشمال الروائيّة لونا قصير، وهو مؤلفها السادس، متمنين لها دوام الخير والتوفيق وإلى مزيد من هذا العطاء الفكريّ المميّز، ويسعدني ذلك خاصة أنه التوقيع الأول في عهدي بخدمة هذه الرابطة من موقع الرئاسةً.
وأضاف الحسامي أنه اقتباسًا من عنوان الرواية “أخطاء وخطايا” اسمحوا لي أن أطلق الصرخة الإنسانيّة التاليّة:
“عندما يعنّف الأطفال في الحضانة نكون لسنا بخير
عندما يلقى الأطفال حديثيّ الولادة بالنفايات فلسنا بخير، عندما يغتصب الأطفال حتى الموت والعدالة غائبة لسنا بخير، عندما تضبط جمعيّة في لبنان يفترض أن تكون مأوىً آمناً للأطفال من عمر حديثيّ الولادة إلى 17 سنة من قاصرين وقاصرات بجرم الإتجار بالبشر والتحرش الجنسيّ وتعاطي المخدرات وتشغيل الفتيات في الملاهي الليلية حتماً لن نكون بخير…”
وفي كلمة للدكتور محمود درنيقة مقدمًا للمحاورين مع الروائية قال:” بعد عشرة أيام تحل ذكرى انفجار مرفأ بيروت، ولا ندري ماذا ستُأرشف لنا الصحف والمجلات، والمواقع الإعلامية الإخبارية، لكن ما يهم أن الروائية لونا قصير أرخت لنا إبداعيًا ووثائقيًا واجتماعيًا”.
“مبدعة هي لما اختارت لروايتها واقعًا مُغدقًا في الحقيقة، فاضحًا للآلام التي عشناها جميعًا، معبرًا عن المآسي التي قاسيناها واحدة تلو الأخرى، مبدعة هي حين ابتكرت شخصيات تتداول في ما بينها أحاديث تشبه التي نتداولها بين بعضنا تستشعر أحاسيس وجدانية كنا نعيشها، مبدعة هي لما جعلت من بطلة الرواية “جوانا” عدسة كاميرا نرى فيها اقترابًا لتلج إلى أعماق التحليل النفسي وابتعادًا كرائد فضاء يصور الكرة الأرضية من مكانه في الفضاء”.
بدأ النقاش حول الرواية مع الدكتور خليل مسعود والدكتور محسن يمّين، حيث أوضح مسعود أنه” بين لونا قصير الرواية المعاصرة علاقة قُربى، وصلة رحم ومودة خالصة، وعشق تطلّب سهرًا وتضحيات، في أدب لونا نراها صاحبة فكر نيّر خلاق اختصرت به واقعًا مريرًا نعيشه على أوراقها البيضاء حيث أن لكل كاتب مطلع كلمات وقاموس ألفاظ يُعرف به ولوما اقتطعت حجارة روايته من واقعنا الحقيقي”.
أما يمين فقد تحدث عن أن” ديفيد هربرت لورانس تفاخر بمهنته كروائي أنه في درجة ومقام أسمى من العالِم، والقديس، والفيلسوف، فالرواية كتابُ الحياة المُشعّ الوحيد”.
أضاف: ” رواية قصير تقدم لنا منذ بدايتها وحتى ختامها عالمًا يشبه عالمنا المألوف بأحداثه وشخصياته وعقده، أبطال الرواية عاديون مثلنا في حياتهم مافي حياتنا من تعقيدات ونوازع ومشاعر.. فلونا بعملها روائي هذا تقتفي اثر الروائيين الذين مهدوا الطريق لسلوك الواقعيه على غرار بلزاك، وستاندال”.
تابع: ” في الشخصي تتعامل لونا مع الفرد كملحمة كفاح ضد المجتمع، وفي العام كملحمه كفاح المجتمع مع المحيط وما هو اوسع من المحيط دون ان تتخلى عن الحب والصداقة والأسرة كخشبة خلاص، وفي حيرتها حيال الأسئلة التي تراودها فيتعذر عليها تفسير الاشياء تفسيرًا منطقيًا، فالايمان ينتهي حيث يبدا المنطق كما قال كيركغارد”.
وفي جلسة الحوار الثانية ابتدأها الدكتور عماد غنوم قائلًا: ” لونا قصير تكتب للوطن والإنسان، إن علاقة الأدب بالمجتمع علاقة جدلية تفرضها مقومات النشأة والتطور داخل هذا الوسط، وقد فرضت الظروف والمتغيرات والتحولات المجتمعية ظهور نوع جديد من الالتزام المحدَد بالأوضاع الاجتماعية والسياسية، والمقصود هنا بالالتزام انصهار الأديب فى مجتمعه وانشغاله بقضاياه التى تُعد جزءًا من يومياته الطبيعية”.
أضاف: لكن ليس معنى هذا أن يكون الأدب، سواء أكان شعرا أم نثرا، صورة فوتوغرافية ومرآة مسطَحة عاكِسة لهذا الواقع، وإنما وجب أن يتسلَح بفنون الجماليات والرؤى الفنية التى تحيل الواقع الحقيقي إلى واقع لغوى فنى جميل يحمل رسالة إنسانية عامة”.
تابع: “تمتلك لونا عينًا باصرة هي عين الأديب الحقيقي الذي يرى ويصور ما يجري في مجتمعه ويسكبه على الورق رسالة توعية ومحبة في آن، فنحن ندرك من خلال أدبها الواقع ونتعاطف مع معاناة أبطال الرواية، أليست هذه هي وظيفة الأدب الأولى والوحيدة، أن يُعرِّف الناس بمشكلات مجتمعهم، وأن يثير فيهم روح التعاطف والتآخي والتآزر؟
من ثم جاءت كلمة الدكتور جان توما فقال: “الرسالة تُقرأ من عنوانها، لكن رواية لونا قصير الجديدة ” أخطاء وخطايا”، نقرأها ليس من عنوانها الرئيس فحسب، بل من عناوينها الفرعيّة التي تنساب كالجداول لتصبّ في بحر توبة من أخطاء وخطايا. أتأمل العناوين الثانويّة، فأرى أنّها لم توضع صدفة، بل سعت الروائيّة إلى أن تختصر في كلّ عنوان مسرى حياة رواية”.
أضاف توما أن “الأهمية التي يحظى بها العنوان تأتي من اعتباره مفتاحًا في التعامل مع النص في بُعْدَيه الدلاليّ والرمزيّ، بحيث لا يمكن أيّ قارىء أن يلج عوالم النص أو الكتاب وتفكيك بنياته التركيبيّة والدلاليّة، واستكشاف مدلولاته ومقاصده التداوليّة من دون امتلاك المفتاح أي العنوان، ثمّ إنّ القارىء أوّل ما يواجه، فإنّه يواجه العنوان، ومن ثمّ فإنّه إذا توجّه إلى داخل النصّ لا بدّ أن تعلق في ذهنه إيماءات العنوان والعناوين الفرعيّة ورموزها، ويقوم بربط هذا، بما يلاقيه أثناء عملية قراءة النص”.
“تمارس لونا قصير لعبة الشعارات الإعلانية، بوجهيها، البلاغيّ والإبلاغي، فـ” بيروت حزينة حتى الموت”، “لقد أصبح الموت سيّد الحياة”، لذا “العالم يفتقد إلى المحبة”. من هنا “أن تكون حيًّا ميتا أشدّ ألما من الموت”، لأنّ “مع كلّ رحيل، يموت جزء منا ويتلاشى، فـ “الحياة تعشق المغامرات الجديدة، والملل يقتلها، ونحن البشر أولادها”، ولكن صحيح أن ” بيروت تهدّمت… لكن مهما ارتفعت ألسنة النار، لن تستطيع أن تطال عرش عدالة السماء”.
وختم توما “هكذا تصبح رسالة لونا قصير رسالة أمل وحلم سيتحقق بعودة لبنان وعودة ناسه إليه، فلا أجمل من لبنان وطنًا، ولا أفضل منه شعبًا وناسًا.