الأديبة غيلدا عيد
١- النص من الكتاب:
مذهبي يا مولاي هو عدل السماء على الأرض، فأنا عدوّ السفسطائيّة البغيضة التي تخرّب المجتمعات، وعدوّ مدينة الظلم، ونقيض المستبدّين والجاحدين، ومعارض للمساواة المجحفة التي تجعل حبّة الرمل في مقام الشمس المشرقة… أنا الكاهن السائر في الأمكنة كلّها، ومَن يشأ أن يكون مثلي فليتبعني… وهؤلاء التلاميذ يسيرون معي. تركوا أهلهم وقراهم وحقولهم ليكونوا في صحبتي… هم قلّة والناس كثرة. ولو كنت وحدي كنت أخاف على نفسي، ولا أخاف على أحد غيري.
-إذن أنت عدوّي؟
-لا أعرفك أيّها الملك الجليل، فكيف أكون عدوّاً لك؟
-أما قلت إنّك تعارض السفسطائيّة؟ فإنّها سلوكي، ولولاها لما رأيتني ملكاً، بل كنت مواطناً عاديّاً… هل نظرت إلى هؤلاء الناس؟ إنّهم يطيعون أمري كيفما اتّجهت، فإن ذهبت إلى اليسار وافقوني، وإن ذهبت إلى اليمين مدحوني. في الحرب يحملونني على أكتافهم وينشدون ويطبّلون ويزمّرون، ويقولون: ما أعظم مليكنا… إنّه بطل في المعارك! وفي السلام يفعلون ذلك أيضاً ويعتبرونني رجل سلام. وحتّى في الهزيمة يجدون لي أعذاراً لكي أبقى بطلاً في عيونهم… إنّني لا أختلف عن بائع البيض الذي يشكره زبائنه، سواء أكان البيض جيّداً، أم فيه عفن ولا يطاق… ما عدا هؤلاء الثائرين الذين ينتظرون الموت. والله إنّهم أكثر الناس شجاعة وإقداماً، ولولا خشيتي من أن تثور الرعيّة ضدّي، لجعلت لهم تماثيل، ولم أجرؤ على التخلّص منهم…
٢- مطالعة الأديبة كيلدا عيد:
تعبّر هذه الفقرة عن وجهة نظر الكاتب بحيث يصف نفسه وموقفه في المجتمع. هو يميل إلى عدل السماء على الأرض ويعارض السفسطائية التي تعتبر «المغالطة» اي النقاش الذي يسعى فيه أحد الطرفين للمرواغة والكسب باستخدام حجج وقرائن لا علاقة لها بصلب الموضوع ، وتستخدم حجة كاذبة بقصد التضليل. نجد كاتبنا يقاوم الظلم والاستبداد.. ينادي بالمساواة الحقيقية ويستنكر المساواة التي تعادل الرمل بالشمس.
يقدم الراوي نفسه ككاهن او كقديس او مبشر يجوب الأماكن ويدعو الآخرين لمتابعته، وهؤلاء التلاميذ يتركون حياتهم السابقة ليكونوا في صحبته. يشير إلى أنهم أقلية والناس الآخرون كثرة، ولو كان وحده لكان يخشى على نفسه وليس على أحد آخر.
نستنج أن الكاتب يعتبر نفسه شخصًا متسامحًا وطيبًا وصبورًا وودودا، وعنده سمات الإنسانية، متأهب لمساعدة ودعم الآخرين بكل رحابة صدر وحنان. وكما انه مستعد لفهم الآخرين وتقديم المشورة والدعم في مختلف الأوقات والمواقف. علاوة على ذلك، يبدو أن الكاتب يؤمن بأهمية التعامل بعدل ومساواة، وكما أن لديه رؤية واضحة حول إحلال العدل في المجتمع والقضاء على أي تمييز أو انتهاك لحقوق الناس. وقد يكون ملتزمًا بمكافحة الظلم والتمييز وإجراء العدالة السماوية على الارض، ويبذل قصارى جهده لتحقيق هذا الهدف.
ثم يأتي الحوار مع ملك، يسأله إن كان عدواً له. يرد بأنه لا يعرفه، وكيف يكون عدواً له وهو لا يعرفه؟
ثم يتبع الحوار بشرح الملك لسلوكه وكيف أنه يطيعه الناس بغض النظر عن اتجاهه، وفي الحرب يحملونه ويشجعونه ويعتبرونه بطلاً، وحتى في الهزيمة يجدون أعذارًا لإبقائه بطلاً في عيونهم. يقارن نفسه ببائع البيض الذي يحصل على شكر الزبائن بغض النظر عن جودة المنتج، باستثناء الثائرين الذين ينتظرون الموت، والذين يعتبرهم الأكثر شجاعة وإقدامًا.
يعترف بأنه لم يجرؤ على التخلص من هؤلاء الثائرين خوفًا من ثورة الرعية ضده، ويردد أنه لولا ذلك لصنع لهم تماثيل.
هذا النص يعبر عن رؤية الملك لنفسه ومركزه في الحكم. يرى نفسه كملك محبوب من قبل الشعب وأن الناس يطيعونه ويدعمونه بغض النظر عمّا يقوم به فعليًا. يعتبر هذا الدعم والتأييد من الناس هو ما يمنحه السلطة والقوة. بالرغم من أنه يعلم أن هذا الدعم ليس حقيقيًا ولا يختلف عن البائع الذي يشكره زبائنه بغض النظر عن جودة المنتج. يدعمه الناس لأن دوره في المجتمع هو أن يكون الملك.
بالإضافة إلى ذلك، يشير الملك إلى وجود ثائرين ينتظرون الموت، ما يعني أن هناك فئة من الناس تعارض حكمَه وتثور ضده. فهو يود أن يقدرهم ويقدر شجاعتهم ولكنه يريد الحفاظ على دعم جماهيره وتجنب السقوط.
رؤى حكيمة من متقدّم في النور، ينتقد، يصحّح، يبشّر. ويريد من البشر ان يصعدوا معه الى قمّة الجبل.
***
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية” للأدب الراقي
النهضة الاغترابيّة الثانية – تعدّد الانواع.