وقائع الجلسة الحواريّة حول كتاب الأديب د. جميل الدويهي “المتقدّم في النور” (2)

 

 

أنطوان الحربيّة – ملبورن

 

١- النص من الكتاب:

 

سمعتك قبل قليل تذكر كلمة “لوغوس”، فهل تشرحها لي، فعلّني أتعرّف بالإله وأفهمه؟

-ليست كلمة “لوغوس” جديدة، فقد وردت في الفكر الهلّيني القديم. واستخدم أتباع الفيلسوف هيراقليطوس رمز “لوغوس” للإشارة إلى التناقضات الكونيّة. وفي التوراة تدلّ اللفظة على عالم النبوءات، وكذلك وجود الله في النصوص المكتوبة. أمّا فيلو الاسكندريّ فطوّر معناها إلى “فكر الله”. وهو نفسه الفكر الذي أعتبرُه أنا من عناصر الكون، أي الواسطة بين جوهر الله والعالم الواقعيّ. وبكلمة أوضح، فإنّ الله ليس عاملاً بيديه لكي يلمس الأشياء ويصنعها، كما يفعل أيّ صاحب مهنة، بل إنّ الله كوّن الكون بقدراته العليا التي لا تحدّ، ومن أفكاره التي كشفت عن الأشكال التي نراها في العالم.

-أستنتج من هذا أنّ الله في قمّة الهرم الوجوديّ…

-نعم. فالله في القمّة، يأتي بعده فكره. وبعد الفكر كانت إرادة الخلق، ثمّ الوجود الذي نحن جزء منه. والإنسان المخلوق لا يمكنه أن يكون أعظم من خالقه، مهما بلغ من العظمة والنقاء.

-ولكنّ الإنسان عظيم…

-فعلاً هو عظيم، لأنّه يخترع ويبني ويطوّر العالَم. وعظمته ليست منه، بل من معلّمه الأكبر الذي أعطاه العقل والروح، وطلبَ منه أن يستخدمهما ولا يهملهما. ولو أهمل المرء عطاء الله المتجسّد فيه، لأصبح جثّة هامدة تسير على قدمين. ولكي أوضح لك الفرق في العظمة بين الخالق والمخلوق، فإنّ المخلوق يموت والخالق لا يموت.

-كيف تأكّدت أنّ الخالق لا يموت؟

-لم أكتشف الله بالعِلم والمعرفة… فطريقهما مسدودة بالتأكيد. وقد آمنت بالله ولم أره، بل رأيت صناعته. وكما يقف العريس أمام قطعة من الذهب يريد أن يشتريها لعروسه، فتدهشه بأناقتها وفرادة صنعها، أقف أمام المعجزات التي تمتدّ إلى البعيد. ولو مات الله، لما بقي جمال، ولا بحر يموج، ولا رياح تهبّ، ولانطفأت الشمس وتساقطت الكواكب.

^^^

٢- مشاركة الأستاذ أنطوان الحربيّة:

 

تعقيب على مقولة: “سمعتك قبل قليل تذكر كلمة لوغوس فهل تشرحها لي فعلّني أتعرف بالإله وافهمه” للأديب جميل الدويهي.

تختلف معاني “معرفة الله” باختلاف الأشخاص، بدءًا من اختبار العلاقة الشخصية مع الله، والشهادة بأعماله الجبّارة، إلى فهم الأشياء التي نكتشفها عن الله. ويعرف معظمنا أن وجود علاقة شخصية مع الله ورؤية عمله في العالم أمر لا يقدر بثمن.

لا يدرك الكثير من الناس أنه من المهم معرفة أكبر عدد ممكن من الحقائق عن الله، وكلما أدركنا ما يفعله في العالم فإن التعلم قدر المستطاع عن الله سوف ينهض بنا على كل مستوى من مستويات إيماننا. وكل ما له بداية، له سبب. والكون له بداية.

يقول الأديب الدكتور جميل الدويهي في الكتاب:

“كيف تأكّدت أنّ الخالق لا يموت؟

لم أكتشف الله بالعِلم والمعرفة… فطريقهما مسدودة بالتأكيد. وقد آمنت بالله ولم أره، بل رأيت صناعته. وكما يقف العريس أمام قطعة من الذهب يريد أن يشتريها لعروسه، فتدهشه بأناقتها وفرادة صنعها، أقف أمام المعجزات التي تمتدّ إلى البعيد. ولو مات الله، لما بقي جمال، ولا بحر يموج، ولا رياح تهبّ، ولانطفأت الشمس وتساقطت الكواكب”.

والسؤال هنا: هل يمكن للعِلم إثبات وجود الله؟

إذا كان “الإثبات” هنا يعني استخدام المبادئ والأساليب العلمية للتوضيح، فيمكننا القول إن العلم لا يستطيع إثبات وجود الله. ومع ذلك، العلم ليس كل شيء ولا يمكنه حتى إثبات عدم وجود الله.

الله ليس ماديًا، لذا فإن وجود الله ليس افتراضًا علميًا. الله خالق، والإنسان مخلوق محدود.

يثبت بالمنطق أيضًا أن الله، بصفته خالقًا ومصممًا لكل الأشياء في الكون، موجود حقًا. لكنني لا أحاول استخدام العلم لإثبات الإله الذي يؤمن به الناس. باختصار، الكون والطبيعة هما الوحي العام لله، لذلك ليس من المستغرب أن تُقدّم بعض الاكتشافات الجديدة في العلم الحديث دليلاً جديدًا لخالق مصمّم كل شيء في الكون. وعلى الرغم من هذا، فإن استخدام الأدلة المكتشِفة علميًا لإثبات وجود الله فيه الكثير من العيوب، لا سيما تجاهل تدمير القدرة المعرفية للإنسان بسبب الخطيئة البشرية وضرورة الوحي الخاص.

ويقول الأديب الدويهي عن المخلوق: “فعلاً هو عظيم، لأنّه يخترع ويبني ويطوّر العالَم. وعظمته ليست منه، بل من معلّمه الأكبر الذي أعطاه العقل والروح، وطلبَ منه أن يستخدمهما ولا يهملهما. ولو أهمل المرء عطاء الله المتجسّد فيه، لأصبح جثّة هامدة تسير على قدمين. ولكي أوضح لك الفرق في العظمة بين الخالق والمخلوق، فإنّ المخلوق يموت والخالق لا يموت”.

اذا نظرنا الى الاشياء الملموسة حولنا، نسأل: هل هذه الأشياء أوجدت نفسها أم هنالك مَن قد صنعها ويعتني بها؟

الفلك يثبت عمل الاله. فكيف نعرف مثلاً إذا كانت هناك حياة على كواكب أخرى؟…  على الأقل حتى الآن، لا يمكن للبشر استكشاف المجرات، بغض النظر عما إذا كانت هناك كائنات أخرى عليها أم لا، وتلك الأبعاد هي ملك الله الذي هو خالق كل شيء وحاكمه. وكل هذا خُلق لمجده.

إحدى طرق التأكد من وجود إله، هي تطبيق المبدأ المقبول عالميًا: إنّ ما يُصنع يجب أن يكون له خالق. وكلما كان الشيء أكثر تعقيدًا، يجب أن يكون الصانع أكثر قدرة.

إذا كانت الأشياء البسيطة لا تزال بحاجة إلى صانع، ألا تحتاج الأشياء المعقدة إلى صانع أكثر ذكاءً؟ أليس هذا فكرة منطقية؟

***

*مشروع الاديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية” للأدب الراقي

النهضة الاغترابيّة الثانبة – تعدّد الأنواع.

 

اترك رد