الأديب عبدالله مهدي
(رئيس لجنة الحضارة المصرية القديمة بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ، ونائب رئيس النقابة الفرعية لاتحاد كتاب الشرقية ومدن القناة وسيناء … كاتب مسرحى وقاص، وباحث في الموروث وله اجتهادات نقدية)
جاءت ندوة شهر يوليو ٢٠٢٣ م، تحت عنوان ( بداية النقود والاقتصاد في مصر). وقد كشف الكاتب / عبدالله مهدي “رئيس اللجنة” عن مدى قلة الباحثين في هذا الجانب المهم في الحضارة المصرية القديمة، وقد فسر ذلك بأن الدراسات التي تناولت تلك الزاوية، صدرت في الأغلب الأعم عن اقتصاديين لم يقرأوا الوثائق في نصها الأصلي، بل اضطروا إلى الاعتماد على الترجمات، كما أن الفجوات في الوثائق لا تسهل البحث.
وواصل تفسيره قائلا :”إن غياب الموازنة والمقارنة، يشكل عائقا رئيسا يحول دون فهم الوقائع”، وذكر الكاتب / عبدالله مهدي مثالا عمليا وهو: إذا كنا نعرف على سبيل المثال سعر فساتين وعطور ملكة من الملكات في مطلع الأسرة الثامنة عشرة، فإننا نجهل تماما سعر الثياب والأدهان التي كانت تلبي احتياجات الفلاحات من عامة الشعب…
وأوضح مهدي بأن اقتصاد أي منطقة ما، يعتمد على ما يتوفر للأرض من موارد، فوادي النيل يتميز بتربة زراعية جيدة، وفي الصحراء المجاورة توجد الصخور والأحجار العادية أو الكريمة، بالإضافة إلى مهارة السكان واعتدال المناخ، وحسن استغلال هذه الثروة الطبيعية حتى تحصل على بعض ما تفتقر إليه من الأخشاب والعطور الشعائرية والفضة، وفيما بعد إلى الحديد …
وأكد الكاتب / عبدالله مهدي وجود إدارة مركزية قوية تضع يدها على كل موارد البلاد، ضمن حسن تنظيم جماهير الشعب وازدهار البلاد، فنظموا البعثات التجارية إلى بيبلوس في لبنان، وبلاد بونت / الصومال لجلب العطور الضرورية للطقوس الدينية، وتأتي العمائر العملاقة كالأهرامات دليلا واضحا على وضع امكانات بلد غني كمصر في قبضة حاكم له مطلق السلطات.
وتحدثت المستشارة المالية / لمياء غريب فذكرت بأن التجارة في مصر القديمة كانت تعتمد في الأساس على نظام المقايضة، فيبيع حرفي زوجا من النعال أو قلادة مقابل منتجات زراعية.
وأضافت لمياء: “الوثائق القانونية تسمح لنا أن نحدد شروط هذا الأسلوب، ففي وسع المرء أن يبيع منزلا ما مقابل قطعتي نسيج من نوعيات مختلفة وسرير” … وأوضحت المستشارة المالية والباحثة / لمياء غريب أن تقدير الدخل من وظيفة الكاهن الثاني لـ ( ٱمون ) وهو دخل كبير، يقدر في مطلع الأسرة الثامنة عشرة بأشياء من ذهب وفضة ونحاس وملابس وطرح وعطور وخدم وقمح وأراض .. وكشفت الباحثة بأن مصر وإن كانت لم تعرف النقد، بكل ما تعنيه الكلمة، إلا أنها ابتكرت قاعدة نقدية مجردة بل استخدمت قطعا نقدية لها ” وزن ثابت ” ..
وأكدت المستشارة المالية لمياء غريب قيام بعض المعابد الكبرى بدمغ سبائك من الفضة قبل ظهور سك النقود، في شرق البحر المتوسط عند مطلع القرن السادس قبل الميلاد …
وتدخل الكاتب / عبدالله مهدي قائلا إن المصريين قاموا بسك نقود محلية، عندما سعوا إلى التخلص من الفرس، وذلك لدفع رواتب الجنود المرتزقة، وتوجد عشرات من القطع الذهبية لها نفس وزن الدينار (الداروى) نسبة إلى داريوس ملك الفرس مدموغة بالعلامات الهيروغليفية …
والتقطت الباحثة لمياء غريب طرف الحديث موضحة أنه لا يوجد مستند اقتصادي مصري واحد، تمت صياغته صياغة قانونية إلا وكان يعتمد على قيم نقدية لاتمام مقايضة عادلة، فتحديد سعر بيع الأشياء كان يتم بالرجوع إلى هذا النقد …
وذكرت المستشارة المالية لمياء غريب عملات استخدمها المصريون في سياسة التسعير على نحو : الشعت، الدبن حتى وصلت بنا الجنيه الورقي أبو جملين والذي صدر في واحد يناير ١٨٩٩ م، وجنيه إدريس … وغيرهما …
ثم دارت مناقشات من الحضور حول ثراء الاقتصاد المصري ودوره في تقدم البلد والعباد في ظل حكومة مركزية قوية وحاكم له مطلق السلطات، يستطيع أن يحشد ما يلزم من بشر ومعدات من أجل تحقيق هدفه ….