في لوحة الفنان سمير الصفدي رؤى فنّية تجسّدت من مقولة الأديب الكبير جبران خليل جبران

 

ضحى عبدالرؤوف المل

 

تثمر التأملات بين الأدب في الفن حيث تكمن الرغبة الفلسفية في العمق المعرفي الصامت مثل بذور تنمو في فصول ربيعية تمثل انطلاقة الحياة وصولا إلى الموت. فالولادات اللونية في لوحة» سمير الصفدي» (Sameer al-Safadi) تنفخ الروح في رؤى فنية تجسّدت من مقولة الأديب الكبير جبران خليل جبران «الموت… فإذا رغبتم بالحقيقة في أن تنظروا روح الموت، فافتحوا أبواب قلوبكم على مصرعيها لنهار الحياة».

 

ومن يود معرفة سر الموت فليتأمل اللوحة التي تبحث عنه في قلب السكون بعيداً عن النور، ضمن الأطياف البشرية التي تستنسخ بعضها البعض، في زاوية هي المساحة الفاصلة المؤلفة من فواصل البقاء التي تمثل كل من الزوجين، وبتناقض الأبيض الجامع لكل أطياف الألوان، إذ ينفرد اللون البني المركب المختلط بالألوان وتدرجاتها، وبتناقض تتصارع معه النفس وفق الأزرق الذي يجمع بين الموت والحياة، كانبعاثة الروح التي تموت، وإنما هي رحلة تتمثل بالايحاءات المشحونة أدبيا، وبما قاله «جبران خليل جبران» عن الموت الذي ما زال يستعصي فهمه على الإنسان وطريقة التعامل معه، فالعلاقة الفلسفية والتصوفية يحللها الفنان سمير الصفدي بشكل روحاني تتشكل فيه الأطياف أو وجود الروح حتى ضمن المفهوم التراجيدي الإستثنائي في الفن. إذ تنطلق الأحاسيس في لوحة سمير الصفدي من غرس الألوان الميّالة إلى إظهار انعكاسات المعنى الجبراني على اللوحة التشكيلية وتكويناتها الجمالية من حيث قدرتها على اختزال الاشتقاقات الأدبية برمزيتها وانسجامها مع الإلهام التصوفي أو الروحاني إن صح القول. فهل من مقامات تشكيلية تتوازن معها المقولات الأدبية؟ أم هي أحاسيس فنية بحته متعلقة بالسياق الأدبي؟

 

أكد الفنان «سمير الصفدي» امتلاكه الأدوات الفنية الأنيسة بمعناها المبهج، للتأكيد على أن للفنان قريحة تشكيلية توازي تلك الشاعرية التي تطغى النفس عند تذوقها المعنى أو الأصح المعنى البصري في الفن التشكيلي المتأثر بأقوال الشعراء الذين نتغنّى بنشوتهم البلاغية، وهي في ذروة الوحي، فطواعية الريشة هي تناغم مع التعابير الموحية بنغمات المخيّلة، وهي تطوف في عوالم سرمدية ناتجة عن حكمة جبرانية يمكن استغلالها، لتكون ضمن تشكيلات بصرية تواكب تطلّعات النفس الميّالة للتصوف والخصائص الأخرى التي تزيد من الاحساس بالحركة والضوء والظل وقيمة اللون، إضافة إلى كل ما من شأنه أن يترجم التأثيرات الأخرى لمعنى الموت، والذي يعكسه معنى الحياة.

 

فمفردة الموت بحد ذاتها لا بد وأن تجتمع مع الحياة التي شكّلها سمير الصفدي من المرأة والرجل. فهل رعى «سمير الصفدي» مكونات لوحاته ليتأبط الحس الجمالي من مقول جبران «الموت… فإذا رغبتم بالحقيقة في أن تنظروا روح الموت، فافتحوا أبواب قلوبكم على مصرعيها لنهار الحياة» أم هي حياة مستمرة لموت فيها لروح تطوف كريشة ترسم ما لذ وطاب؟

 

الموت هو حياة تجمع بين إنسان وإنسان وآخر أو الأصح الموت هو نافذة نطلّ منها على حياة أخرى وفي الانتقال من لون إلى لون هو متاهة قد نتشتت معها ذهنيا لكنها في الحقيقة ترجمة مارسها سمير الصفدي في لوحته التي يركز فيها على السكون الميّال إلى برود الألوان في أغلب مراحلها حتى الأزرق المشرق بمفاعيله وأهدافه الفنية يوحي بمعنى النهار والمرتبط فعليا بالحياة. إذ يركز على موسيقى اللون والأطياف المنبثقة من روحية اللون المؤثر بصريا على فيزيائيات الضوء والظل والثنائية التي تختصر المعنى الفعلي لأدب جبراني هو منطق حقيقي لمعرفة الواقع والحقيقة في الحياة أو الأصح لنهار الحياة. فهل تستمر الحياة دون موت بين قول أدبي ولوحة تشكيلية؟

***

*اللوحات من مجموعة متحف فرحات

اترك رد