جميل الدويهي: راقصة المعبد مجموعة “تأملات من صفاء الروح”

 

 

 

(آعيد نشر هذا النص للتذكير بان العيب ليس في العري، بل في العيون العارية).

ملاحظة: هذا النص لا يشبه ادب جبران لا من قريب ولا من بعيد. هو من فكر كاتبه الذي يعتبر أن الإبداع إضافة.

 

في ليلة العيد، وصلتْ إلى المعبد امرأة جميلة، وقالت إنّها راقصة من بلاد الهند، وكانت تسافر مع فرقة لها، فسمعتْ أنّنا في المعبد نُقيم عيداً كلّ سنة، فأرادت أن ترقص في الساحة، ولا تريد أجراً لذلك، ما دام العيد للإله الذي تحبّه، وهي من غير دِيننا.

فرحتُ بما قالته الراقصة وشكرتُها على طيبة قلبها، وقلت لها: لا بأس إذا كنتِ سترقصينَ في المعبد، وليست لدينا مشكلة في ذلك، فإنّ الله يحبّ الجمال، ونحن نحبُّ الجمال أيضاً.

وكان بعضٌ من صحبي يسمعون حديثي مع المرأة الغريبة، فاقتربوا منّي وهم متعجّبون، وقالوا لي: ألا ترى أيّها الكاهن الأكبر أنّ الرقص من مظاهر الفساد والخطيئة؟

قلت لهم: كلاّ يا إخوتي. فإنّكم تقولون ذلك لجهلٍ منكم، وكم يلزمكم من المعرفة قبل أن تحكموا على الأشياء. فمتى كنتم تتعجّبون إذا رقص الرجل ولم ترقص المرأة؟ فإنّ الخطيئة ليست في الجسد الذي تنظرون إليه، بل في عيونكم التي تشتهي ذلك الجسد… نعم، إنّكم لا ترون من الراقصة ما في روحها من براءة، ولا تقرأون ما في عينيها من الحكمة، بل أنتم تؤخَذون بما يظهر من جسدها الضعيف، وبعد أن تشبَعوا من النظر إليها، تحاسبونها على ذنبكم، ومنها تنتقمون. أما رأيتم الرجل كيف يسعى وراء المرأة، وقد يشتري المتعة من نساء يبعْنها، ثمّ يمضي عنهنّ وينعتهنّ بأبشع الصفات.

لا تستطيع الراقصة أن تقتلع جسدها وترمي به في الغياهب، فاقلَعوا أنتم شهوتكم، وتعالوا إلى المرأة كما يأتي المستكشف إلى قارّة جديدة، فإنّ قدميه لا تجرؤان على ملامسة الأرض التي نزل عليها. واعلموا أنّ العيون التي تنظر فقط إلى القشور هي سكاكين في عنق الحقيقة، أمّا العيون التي ينعكس عليها جمال الله وصورته إنّما هي حدائق للمعرفة. فاحترموا هذه المرأة التي أحبّتنا وتركت جماعتها وصحبها من أجل أن تبدع لنا، ولننظرْ إليها كما ننظر إلى الفراشة الملوّنة، وكما نرى زهرة بيضاء تتمايل في النسيم، وكما نحدّق في السهل والقمر والوادي.

ليس عيباً أن ترقص امرأة، بل عيب أن نشوّه جمالها بعيوننا وبألسنتنا، وما أحقر العينَ واللسانَ اللذين يحقّران، فإنّهما أداة في يد الشرّ!

وعندما ترتدي الراقصة ثياباً تكشف عن ساقيها وصدرها، فاثبتوا في براءتكم، وبدلاً من أن تتهامسوا فيما بينكم، فكّروا في أن تنظموا لها قصيدة لتعبّروا عن إعجابكم بها، ولا عيبَ إذا خضعتم لنزواتكم وأحببتم جسدها، لأنّكم تحبّون كلّ شيء صنعته يد الفنّان القدير، ولكن لا تجعلوا حبَّكم للجسد يقودكم إلى أن تتخلَّوا عن أرواحكم وتسقطوا في الوحول.

تركتُ أحبّتي وهم ينظرون واحدهم إلى الآخر، ويفكّرون في ما قلته لهم. وانصرفت إلى المعبد لأقرأ في كتاب “الحقيقة غير الكاملة”، فوقع نظري على كتابة أنيقة تقول: “كانت المرأة مقدّسة في العصور الغابرة، وكان بعض الملوك يسجدونَ لها، ولكنّ الزمان تغيّر، فاستغلّ الملوك جسدها، وحوّلوها إلى راقصة في هياكلهم، وإذا كافأوها على جمالها، فإنّهم يكافئونها بالغدر والاحتقار.”

***

*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية” للأدب الراقي، النهضة الاغترابية الثانية – تعدّد الأنواع

اترك رد