شيزوفرنيا (قصة قصيرة)

 

عزيز أمعي – المغرب

 

 

فتح باب البيت ثم دخل. استقبله هدوء بارد كموجة ثلج. نادى باسم زوجته، لا أحد يجيب. كان البيت فارغا كقلب أم موسى. تعودت زوجته أن تتأخر بين الفينة والأخرى في عملها بالمستشفى. توقيتهما الوظيفي كان مختلفا، وقلما اجتمعا حول المائدة، لتناول وجبة غداء.  تمنى لو أن زوجته لم تكن تشتغل، أو أنها كانت على الأقل تنتسب لنفس القطاع الذي يشتغل فيه. حينها كانا سيحظيان معا بنفس التوقيت. ويعودان سويا إلى البيت. لكن شاءت الظروف أن تكون  ممرضة، وهو أستاذ. تعرفا على بعضهما، حين أجرى عملية لإزالة الدودة الزائدة في المستشفى الجامعي للعاصمة. الغريب أنه كان أحيانا  يلمس الجهة اليمني من جذعه فلا يعثر على أي أثر للجرح. يستغرب ويتساءل هل حقا أجرى عملية جراحية لاستئصال الدودة الزائدة.

تأكد له أن زوجته ليست في البيت. تناول الهاتف، وحاول أن يتصل بها ليخبرها، أن الشرطة عثرت على جثة زوجة الجار، التي اختفت منذ أزيد من شهر. لكن صوت العلبة الصوتية النسوي، كان يجيبه في كل مرة، الرقم الذي تتصلون به خارج التغطية أو مشغول .

اتجه إلى غرفة النوم ليغير ملابسه. ما أن فتح باب الخزانة حتى لا حظ، أن كل ملابس زوجته مفقودة. استغرب لذلك. يذكر أنه في الصباح حين غير ملابسه قبل الذهاب إلى عمله، كانت ثيابها مرتبة بعناية في مكانها المعهود. والآن ها هي  الخزانة فارغة، لا ملابس  فيها ولا حتى ذلك العطر الفواح الذي كان يصدر من درج الخزانة حتى ولو كان فارغا.

بعد أن غير ملابسه، اتجه إلى المطبخ أعد قهوة سوداء. وانتقل إلى الصالون. جلس على الأريكة. أيفظ التلفزيون من سباته، وراح يتنقل عبر القنوات الفضائية، ليستقر أخيرًا على قناة “بيين سبور” التي كانت تبث مباراة معادة بين ريال مدريد برشلونة.

كان ينظر ولا يشاهد شيئا. أسئلة كثيرة كانت تتزاحم بين تلافيف دماغه. أين ذهبت زوجته، هل قررت أن تغادر البيت إلى الأبد. هل حقا هجرته و لماذا. بقي حائرا لا يفهم شيئا، شعر بدماغه يصاب بالشلل، ولم يعد يعرف من هو ولا أين يوجد.

صوت انذار سيارات الشرطة، أعاده إلى مسرح الواقع. نهض اتجه الى النافذة، رأى سيارتين لرجال الامن متوقفة قرب باب بيت جاره، وأضواؤها لازالت تتراقص فوقها.  قبل أن يدخل الى بيته، مر بجاره، وجده يتحدث في الهاتف، ما أن أنهى مكالمته، حتى سأله:

-هل من جديد ؟

قال الرجل، وهو يحاول لأن يمسك دموعه، دون جدوى :

-لقد عثر رجال الشرطة على جثة زوجتي. وهم قادمون ليأخذوني إلى المستشفى للتأكد من هويتها.

قدم له أحر التعازي، وتركه لحزنه واتجه إلى بيته. ها هو يراه يركب احدى السيارتين ويغادر رفقة رجال الأمن.  خشي أن يكون ما حصل لزوجة جاره، هو نفس ما حدث لزوجته. المدينة لم تعد آمنة كما في السابق. ظاهرة الاجرام، استفحلت فيها. قرر ان ينتظر بعض الوقت، وإن لم تظهر زوجته، سيتصل برجال الشرطة. طال ولم تظهر زوجته. قضى ليلة أخرى مزعجة، ظهر له ذلك الكابوس الذي كان يراوده منذ مدة. كان يرى  فيه نفسه وكانه يخنق امرأة، عيناها جاحظتان،  وهي تطلب النجدة.

في الصباح قصد مفوضية الأمن، قدم بلاغا باختفاء زوجته. طلب  منه الشرطي  أن يمده بصورة لها. أخبره أنه لا يملك ولا صورة  لزوجته. استغرب الشرطي. سأله:

-قد تكون لديك واحدة على الأقل في الهاتف .

أجاب:

-ولا واحدة.

تمتم الشرطي:

-غريب

وأخبره بعد أن سجل كل المعلومات المطلوبة، أن سيفتح تحقيقا حول اختفاء زوجته، وسيتم اخباره، أولا بأول بكل مستجد. وبالفعل انطلقت التحقيقات بعد انصرام المدة اللازمة لأجراء البحث.

بعد ثلاثة أيام، وبينما كان يستعد للمغادرة إلى عمله. سمع طرقا على الباب. فتحه ووجد نفسه أمام أربعة من رجال الشرطة، عميد وثلاثة أخرين أقل منه رتبة. قال العميد، وكان رجلا أربعينيا، متوسط القامة بدين الجسم.

-صباح الخير سيد علي. جميل أننا وصلنا قبل أن تغادر.

سأل علي العميد:

-هل عثرتم على زوجتي .

نظر العميد إلى مرؤوسيه ، نظرة لم يستوعب الأستاذ مغزاها . ثم قال :

-إذا منحتنا بعض الوقت سنخبرك بكل شيء .

-قال علي، وهو يدعوهم للدخول  :

-طبعا.. طبعا، تفضلوا .

أخذهم إلى الصالون. جلس الجميع . ما أن أخذ كل واحد منهم مكانه، حتى قال العميد.

-منذ أربعة أيام ، تقدمت لنا بطلب البحث عن زوجتك التي اختفت من البيت. أليس كذلك؟

أجاب علي:

-نعم سيدي .

ساد الصمت هنيهة، ثم قطعه العميد قائلا:

-ما رأيك أننا اكتشفنا أنك غير متزوج أصلا. وأنك في المقابل ارتكبت جريمة قتل مروعة .

صاح الأستاذ علي:

-جريمة قتل .

قال العميد :

-نعم ، أنت متهم بقتل زوجة جارك. دافعك انها رفضت تحرشك ورغبتك في إقامة مشينة معها. وحين يئست من نيل ودها، قتلتها. عثرنا على رسائل كثيرة منك، بعثت بها إليها على هاتفها الذي دفنته معها.

لم يفهم الأستاذ علي ما الذي يقوله العميد.  قال في نفسه، أكيد أن هذا الشرطي  مخطئ في مزاعمه. إنه حقا متزوج، حتى وأن كان يتوهم أنه يعيش وحده في بعض الاوقات. الكثير من المتزوجين ينتابهم مثل هذا الاحساس. اما قتل زوجة جاره. فهي فرية لا يصدقها عقل. فجأة عاوده  شريط ذلك الحلم الذي كان يرى فيه نفسه وكانه يخنق امرأة ، عيناها جاحظتان، وهي تطلب النجدة.

اترك رد