رحل الفنان القدير إيلي شويري “أبو الأناشيد الوطنية اللبنانية” عن عمر يناهز الـ 84 عامًا.
ولد إيلي شويري في بيروت في 27 كانون الأول من العام 1939. ولطالما افتخر بكونه ولد في العصر الذهبي للفن، مع محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، ورياض السنباطي، وعبد الحليم حافظ، وكارم محمود، ومحمد عبد المطلب، وفايزة أحمد، وغيرهم من عمالقة الفن الذين رسموا خريطة الاغنية العربية.
البداية في الكويت
لم يكن يعلم أن حادث السير الذي تعرض له وإصابته بكسر في يده سيشكلان انطلاقته الحقيقية في عالم الفن، وبالتحديد في اروقة الإذاعة الكويتية في العام 1960. حينها دعاه صديق إلى الكويت لتمضية فترة نقاهة واستجمام، وكان في العشرين من عمره. فجمعته الصدفة يومها بالملحن الكويتي الراحل عوض الدوخي، الذي راح يشجعه على تعلم العزف على العود مع زميل له يدعى مرسي الحريري، وهو ملحن مصري كفيف.
إلى لبنان والرحابنة
بقي شويري في الكويت أكثر من سنة، احيا خلالها بعض الحفلات الصغيرة وتعرف الى الموسيقى الخليجية وتعلم ايقاعاتها. في منتصف عام 1962 وصلت إلى الكويت فرقة «الأنوار» اللبنانية ضمن جولة فنية كانت تقوم بها، وكانت تتألف من مطربين لبنانيين بينهم وديع الصافي وسعاد الهاشم وزكي ناصيف وتوفيق الباشا… استيقظ الحنين في نفس إيلي شويري وقرر العودة إلى بلاده بعدما حضر عرضا للفرقة، مزودا رسالة من أحد الأصدقاء في الكويت تطلب من الموسيقي اللبناني جوزف شمعة المقيم في لبنان أن يدعم موهبة شويري ويساندها. وهكذا كان.
أصبح عضوا في فرقة كورال تضمه إلى شمعة ونقولا الديك. فكان من ضمن الفريق المرافق لعدد من الفنانين بينهم فهد بلان ونزهة يونس.
في العام 1963 عَلِمَ شويري أن ثمة تحضيرات تجري في الكواليس لإحياء مهرجان بعلبك بإشراف الموسيقي روميو لحود. فقصده في مكتبه ومن هناك اصطحبه لحود معه في نزهة بسيارته إلى الاشرفية مركز سكن شويري، واعدا اياه بإعطائه دورا صغيرا في مسرحية «الشلال»… في تلك الاثناء كان الاخوان عاصي ومنصور الرحباني يبحثان عن وجوه فنية جديدة، فأعجبا بأداء إيلي على المسرح، وهكذا بدأ رحلته مع الفن الاصيل معتبرا ان هذه الفرصة خولته التعرف موهبته. فشارك مع الرحابنة في 25 عملا مسرحيا بينها «الشخص» و«فخر الدين» و«الليل والقنديل» و«صح النوم» و«دواليب الهوا» وفيلم «بياع الخواتم». ووصفه الاعلامي الراحل سعيد فريحة مؤسس دار الصياد بأنه ايقونة في معبر الرحابنة.
إيلي شويري لم يكتف بوقوفه إلى جانب الكبار فأطلق العنان لأعماله فكتب «بلدي» و«أنت وانا يا ليل» من شعره وألحانه وغناء وديع الصافي.
ويتذكر تلك الحقبة وكأنها حلم من قصص الاساطير خولته خوض أجمل التجارب الفنية، فغرف من نبع الفن ورافق زمن النبلاء مع عباقرته، فتأثر بعطر الرحابنة من رأسه حتى اخمص قدميه رافضا ان يعود إلى اليقظة في لحظة ما.
“كنا نعيش في الفضاء الذي لا يدوسه الإنسان… أصحو على صوت الأذان في جامع البسطة الذي صار في ما بعد بمثابة المدرسة التي اتعلم منها الاداء وتقنية الصوت… لقد كنت مسحورا بالفن بالفطرة ولم اكن انوي يوما ان اتحول إلى فنان”. بهذه الكلمات كان يصف شويري حلمه الذي كبر لاحقاً وجعله أحد روّاد الاغنية في العالم العربي.
الانفصال عن الرحابنة
في العام 1966 تزوج إيلي شويري من عايدة ابي عاد ورزق منها ثلاث بنات: نيكول وكارول وسيلينا. واثر خلاف مع الرحابنة انفصل شويري عنهم ولجأ إلى وسيلة مسموعة ليخرج ما في اعماقه من مشاعر واحاسيس ساورته بعد اندلاع الحرب عام 1975 وقدم بالتعاون مع الصحافي الراحل سامي غميقة برنامج «يا الله» وهو انتقادي اجتماعي لاقى نجاحاً عبر اثير اذاعة «صوت لبنان». ومن ثم التقى الشحرورة صباح في مسرحية «ست الكل» وكانت فاتحة خير جديدة لمسيرته الفنية، فكتب ولحن «تعلا وتتعمر يا دار» وذاع صيته وأرسلت الحكومة السورية في طلبه واخذ يحيي حفلة تلو الأخرى فتحسنت حالته المادية بعدما كان يعاني من وضع معيشي متردٍ.
وكان إيلي شويري رافعة لشهرة أكثر من فنان، بينهم داليدا رحمة فكتب لها مسرحية «قاووش الافراح» وغنت له «يا بلح زغلولي» التي صارت على كل شفة ولسان. وكذلك غنت له ماجدة الرومي «سقط القناع» و«مين النا غيرك» و«ما زال العمر حرامي» وتنافس كل من صباح وسميرة توفيق على اداء أغنية «أيام اللولو» التي اثارت في حينه زوبعة في عالم الغناء، خصوصا ان الأولى نسبت الاغنية اليها، في حين اكدت الثانية انها كانت السبّاقة إلى اختيارها. الا ان الاغنية راجت بشكل لافت لدى المطربين، بعد ان ادتها كل منهما على طريقتها.
نسج إيلي شويري شبكة صداقات مع قلة من زملاء المهنة، ليشكلوا رفقاء الدرب وبينهم الراحل فيلمون وهبي ونصري شمس الدين. الا ان الاقرب اليه هو ملحم بركات، فكانا يمضيان اياما كثيرة مع بعضهما، يتذكران فيها محطات من الماضي خصوصا اثناء ممارستهما هواية الصيد.