بطل رواياتي (قصة قصيرة) 

 

  شمم الجبوري

                                                     العراق   

 

قطع حبل أفكار رواية أكتبها صوت كرسي قبالتي حين سحبه أحدهم من أمام الطاولة في المكتبة العامة..

جلس أمامي، فوجئت به.. أغرقتني عيناه، وذلك الصمت الصاخب وضجيجه المعهود بيننا منذ سنوات بعيدة.

انتبهت على نبضي المتسارع، سألته وكل حنين تلك السنين تغلغل بين ثنايا حروفي وصوتي الذي يكسوه الشجن.

-هل كنت تبحث عني؟

افترت شفتاه عن ابتسامة حيية، رد قائلاً:

-لعلك لم تنتبهي أن قلبينا ربطا معا.

صمت لبرهة، تأملني مليا، ثم أضاف:

-أبارك لكِ نجاحاتكِ. كتاباتكِ مذهلة.

اهتز رأسه مؤكدا ما يقول، ثم أردف:

-أرى أن أسمكِ بدأ يأخذ حيزا في المكتبات وعلى صفحات المجلات والكتب.

ابتسمتُ بخجل وأحسست بلهب وجنتي وتوردهما.

سألته وكلي شوق بمعرفة أخباره بعد تلك السنين.

-لكن ملامحك لم تتغير أبداً، ولم يظهر عليك تقدم العمر، وكأننا افترقنا قبل قليل.

-إننا لم نفترق، فلم أزل متواجدا بين حروفك ورذاذ حبرك ونبضاتك..

انتابتني موجة حزن، وتملكني شوق عارم لأيام أصبحت مثل أوراق الخريف، يذروها الزمن بين بقايا العمر.

-أحب مسحة الحزن تلك في عينيكِ!.

وقبل أن أغرق في مساجلات العتاب تلفت حولي خوفاً أن يسمعنا رواد المكتبة. تأملته قليلا، تلمظت، رمشت عيناي عن دمعة تحدرت كفكفتها أناملي، سألته بصوت تخنقه العبرة:

-لماذا قتلت بقايا الروح في جوفي؟ وأين ذهبت؟ هل أنت سعيد بما اقترفت يداك؟ أتحب أن تعرف كيف تجاوزت كل ذلك الكم الهائل من الانكسار؟ ..

صمتُ لبرهة، لم تزل عيناي مصوبتين إليه، نكس رأسه تحت شواظ نظراتي الدامعة، تمتم بخفوت:

_تعلمين جيداً أن الهجرة كانت حلمي.. وحين حصلتُ على الفرصة، لم أتردد لحظة، ضحيت بحبي الأول الذي مازال يقبع في قبو الروح والذاكرة.. ضحيت بدفء الأسرة وروح الأصدقاء ونكهة بلدي.

_لكنك قتلتني، وصنعت مني تمثالاً مضيئاً، بلا روح. لم يبق منك سوى ذكرى تلهمني لأسطر وجعي على الورق البارد.

ابتلعت ريقي، ثم أكملت:

-بينما انتظرك تختصر المسافات وتُقبل مع كل موسم! تباً لك، كفى! إرحل أرجوك، أمقت كثيراً إلتصاقك في مخيلتي المثقلة بك والوجع… إرجع من حيث أتيت، ولا تفكر في العودة.

بعتب همهم:

-دعواتك لا تتركني أعيش بهناء. أنا هنا حين ينزف قلبك وقلمك معاً.

صرخت وألم تلك السنين يخنقني..

_ ابتعد، كفاك لعبا بكياني !!

هنا تذكرت أني في مكان عام، التفت لأرى وقع صراخي عليهم، حمدت الله أن الجميع قد خرجوا دون أن أنتبه استدرت أمامي!! لم أجده.. ماذا حصل؟ تنفستُ الصعداء.. تناولت القلم لأكمل الرواية وأسطر الخاتمة.

كتبت في آخر السطر:

_ كان ملتصقاً بمخيلتي..

تحرر في آخر زيارة له، بعثر حروفي وأوراقي وغادر

وأخيراً نسيته !!

ربما أكتفي بهذا القدر من الإلهام..

النهاية..

اترك رد