القاتل المأجور (قصة قصيرة)    

 

 

   عزيز إمعي

                                                المغرب

 

الظلام يحيط بي من كل مكان  في ذلك العلو الشاهق. تلك العتمة لا تصلها  أنوار شارع “مونمارتي” بالعاصمة الفرنسية باريس. على فكرة أنا من عشاق الظلام. ولأنه الوقت الذي أقوم فيه بمهامي الخطيرة فقد عرفت لدى عملائي باسم رجل الظلام.  وجدته لقبا  يناسبني جدا، فاستعمله  كاسم مستعار، لإنجاز  المهام التي أكلف بها.

مهنتي قاتل مأجور. مهمتي قتل أشخاص معينين، لا أعرفهم ولا يعرفونني. يتصل بي زبون، والذي غالبا ما يكون قد حصل على رقمي الخاص من زبون سابق. يرسل لي صورة الهدف. والمبلغ المقترح للقيام بالعملية. إذا أرضاني المبلغ، أؤكد موافقتي. وإذا لم  أرض ، أطلب المزيد،  وغالبا ما كنت  أجد المبلغ  مناسبا. مرة أو مرتين،  فاوضت حول الثمن .

دخل عملي  جد مرض. وكان  يكفيني  أن أقوم بمهمة واحدة في السنة، لأرتاح طويلا قبل أن أقبل القيام بمهمة أخرى مماثلة. عملي كان يوفر لي  بالإضافة إلى الأجر الخرافي، السفر إلى  شتى أصقاع العالم، أجد غرفة في فندق خارج التصنيف في انتظاري. أحدد المدة التي سأقضيها في المدينة لتنفيذ العملية. وبعد أن أنفذها باحترافية أركب طائرة إلى مدينة  أخرى في  دولة أو قارة نائية. أنتظر إلى أن تسيل أقلام رجال الصحافة ما في أقلامهم من مداد حول القضية، وينتهي تحقيق رجال الأمن. لا  أطفو على السطح إلا بعد أن تغريني مهمة أخرى بالقيام بها.

العيب الوحيد الذي كانت تعاني منه مهنتي، هو استحالة الارتباط  بامرأة، مهما هفا إليه القلب. الحب كما الزواج  أمور ممنوعة  في مهنتي. تعرفت على نساء رائعات. أحببت واحبتني العديدات. كنت أسمح لنفسي باللهو والاستماع، وحتى الحب. وحين أشعر بأنني بدأت أتجاوز المسموح به، اختفي دون حتى أن أودع تلك التي لو كانت الظروف غير الظروف لتزوجت منها.

نعود إلى سطح العمارة حيث أتواجد متكئا على ركبتي، امسك بندقية من نوع “أورسيسي”، بمنظار يقرب الهدف، ويمكن من اصابته ، ولو كان على  بعد  كيلومترين.  أمامي في الجهة المقابلة من الشارع, عمارة من عشر طوابق. في احدى شققها بالطابق السابع رجال ونساء، يرتدون لباس السهر، بعضهم يرقص، وأخرون جالسون يتبادلون أطراف الحديث، وهم يحتسون أنواع الشراب.

هدفي كان رجلا خمسينيًا، لا أعرف عنه أي شيء. أرسلت لي صورته  مع المعلومات الخاصة به. الوقت والمكان الذي سيتواجد فيه تم تحديدهما. هو الآن على مرمى رصاصة مني. سأغتاله  لتذهب الى حسابي  عشرون مليون دولار.

الصفقة صراحة كانت مغرية، ولم يسبق لي أن أعدمت شخصا بمثل هذا المبلغ  المجزي.  قتلت  كثيرين رجلا ونساء. بنصف هذا المبلغ. وضعت نظارتي فوق رأسي، ثم رحت أتابع أجواء الحفل من خلف منظار البندقية. بحثت عن الهدف الذي سأغرس رصاصة في رأسه. صورته  كانت واضحة بكل تفاصيلها  في دماغي. عثرت عليه بين المدعوين.

كان جالسا بوقار يرتدي بذلة سوداء. شعره أشيب، ووجهه مستطيل. يضع نظارة بصرية على عينيه. إلى جانبه فتاة جميلة ترتدي ثوبا أبيض، وشعرها الحرير الجميل ينساب خلف ظهرها. كان برفقتهما شاب اسمر  يرتدي بدلة بنية وهم يتبدلون الحديث. على الطاولة الزجاجية أمامهم،  كؤوس النبيذ.

تأملت الرجل جيدا حتى أتأكد من أنه الهدف الذي كلفت بقتله. كان مطابقا مائة بالمائة مع الصورة التي أرسلت لي. ركزت جيداً وقمت بالعد التنازلي  3-2-1 -0 ، ثم انطلقت الرصاصة. لكن بدل أن تستقر في رأس الرجل الهدف. انحنت الفتاة الجميلة فجأة لتضع الكأس الذي كان بيدها على المنضدة، وبدل أن تستقر الرصاصة في رأس الرجل، استقرت في رأس الفتاة .

رأيت الأفواه تصرخ، جلبة عظيمة. النساء يصرخون، والرجال يهرعون  يمينا وشمالا، والكل خائف من أن يتوالى الرصاص ، فيسقط المزيد من الضحايا. صحت بيني وبين نفسي تبا. جمعت أغراضي، فككت البندقية  وضعتها في الجراب. ونزلت بسرعة من العمارة.

اتجهت بسيارتي التي استأجرتها نحو نهر السين، القيت البندقية في اليم، وغادرت. عدت إلى الفندق أويت إلى غرفتي. القيت بنفسي على السرير. لم أكن أقل دهشة عن أولئك الذين زرعت الرعب فيهم، لم اصدق أنني قتلت الفتاة عن طريق الخطأ .  لم يسبق لي وأنا القاتل المحترف ، أن أخطأت هدفا ما، ولو في أشد الظروف صعوبة.

انتبهت على صوت رنين هاتفي الخاص . هرعت اليه. وجدت رسالة مفادها” مهمة فاشلة. قتلت ابنة الزعيم  سلم نفسك، أو انتحر. لن يجديك الفرار نفعا”

اترك رد