المرتضى في ندوة عن “شاعر اللغتين والأديب العالمي جودت حيدر”: الأيام في بعلبك لا تموت والإنسان في بعلبك لا يموت

 

أقيمت في المكتبة الوطنية، ندوة عن شاعر اللغتين والاديب العالمي جودت حيدر ،برعاية وحضور وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى الذي قال في كلمة: “تنقذك الثقافة من وطأة اليومي المثقل بالضغوطات. تحملك إلى خارج المواقيت المختلف عليها، إلى فضاء من حبر ونغم، ونقش إزميل على حجر، ومر ريشة فوق قماش. تنقلك إلى كون تقاس فيه الساعة بمستوى الإبداع لا بالمشاعر الطائفية، ويسأل فيه الصيف عن مهرجاناته وأماسيه الباذخة، وعن أشواق المغتربين العائدين للقيا الوطن والأهل والأحبة، لا عن تقديم ساعته وتأخيرها”.

واضاف: ” لذلك لا أكتمكم فرحي في أن أرعى أو أحضر فعالية ثقافية، سيان عندي أتحدثت فيها أم لا، لأنني هناك أطرح كل أعبائي وأنصرف حصرا إلى اكتناه الجمال المعرفي، وما أكثره وما أعمقه عندنا، يتجلى في وقت الراحة كما في وقت الأزمة، كأزمة الوقت التي عبرت بنا ورافقها كثير من اللبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي، بتعليقات فيها من الظرف والذكاء والإبداع ما يتفوق جمالا بلا ريب على المواقف الطائفية التي شوهت مقولة جبران خليل جبران، “لكم لبنانكم ولي لبناني”، وراحت ترددها منسوخة ممسوخة، فلهؤلاء أقول: لبنان واحد لنا ولكم، ولن تستطيعوا له تقسيما، فاتعظوا يا أولي الخير”.

وتابع:” أما ندوة اليوم فواحة فكرية في وسط الصحراء التي لفتنا أواخر الأسبوع المنصرم، تحيلنا إلى “واحة الأدب في البقاع” المنتدى الثقافي الذي أسسه جودت حيدر في سيتينيات القرن الماضي، وجعل مركزه في بيته ببعلبك، محولا إياه إلى منصة شعرية تداول على اعتلائها شعراء كبار من لبنان والخارج. وأما إقامتها تكريما لهذا الشاعر فتدفعني إلى التذكير بأن هذا الشهر يصادف الذكرى الخمسين لانضمام لبنان إلى منظمة الفرنكوفونية الدولية، بما في ذلك من رمز إلى أن الإبداع اللبناني لم يتوقف عند حدود الوطن ولا اقتصر على اللغة العربية فقط، بل تجاوزهما إلى جميع المغتربات التي انتشر فيها اللبنانيون، وإلى جميع اللغات الحية في البلدان التي نزلوها”.

واردف:” وجودت حيدر الذي كان جل نشاطه الأدبي باللغة الإنكليزية، تجسدت في نتاجه عبقرية القدرة على مزج التحول بالثبات، فهذا الشاعر الذي اغترب مرتين، مرة عن وطنه وأخرى عن لغته، بقي هو هو جودت حيدر اللبناني البعلبكي، ذو اللسان العربي القويم، والزاخر بكل ما بصم به تراث العروبة حمض خلايا ثقافته المتجددة. مسافر في اللغة. هكذا وصفه أحد النقاد. وأنا أضيف: إنه مسافر بين اللغات، يزور الإنكليزية زيارة سياحية فيمتع حدسه وحواسه بمعالمها، ويطوف على قلاعها وأنهارها، ويلبث مقيما في العربية حنينا وانتماء إلى أصل. يسكن في أقصى الغرب وقلبه ما بين أعمدة بعلبك، تعمل يداه في الزراعة وعقله يستوطن الشعر. وكيف لا يكون كذلك وهو الذي خبر المنفى منذ نعومة طفولته، وتمرس فيه طلبا للعلم والعمل في أوروبا وأميركا ولبنان. لكنه وككل منفي يقيض له الحظ أو العزم أن يرجع إلى وطنه، عاد جودت حيدر إلى الأدب وإلى بعلبك، ليستقر فيهما جسدا وروحا… لفظا ومعنى”.

واضاف:”والآن، بعدما أفاض المتحدثون في وصف شخصيته، وبينوا دوره في مسار الثقافة اللبنانية، وعددوا ميزاته الشعرية، وخصائص لغته وأساليبه، أحب أن أستذكر نصا له من قصيدة عنوانها بعلبك يقول فيه:
هنا تموت الأيام ويموت الإنسان
وتبقى عمد الزمان قيثارة الريح
تندف مع الريح ألحان الطيب.
وإني لأرى أن الأيام في بعلبك لا تموت، فهي لا تزال نابضة في حجار القلعة الصماء، وفي عبق التاريخ الذي تحفظه المدينة بيتا فبيتا من أيام روما إلى آخر قطرة دم أريقت في المواجهات ضد عدو أو إرهابي.
والإنسان في بعلبك لا يموت، بل يبقى متحدا بالعمر ولو قضى، وها جودت حيدر مثال على ذلك
وأما الأعمدة الست فهي بحق قيثارة الزمان، تشدو بها الريح ألحانا من طيب”.

وختم المرتضى:”ويبقى أن لبنان، هذه الرقعة الضيقة من جغرافيا الكون، سيظل فضاء على وسع الإلهام، ووطنا أكبر من الساعات والأيام.
رحم الله جودت حيدر، عشتم وعاش لبنان”.

اترك رد