جميل الدويهي: “كلامكم” من قيم الأدب الاغترابي ونهضته الثانية

 

 

في زمن السفاهة الكلامية، نعود إلى كلام الفكر.

 

كلّما شعرت بالأسى، أتذكّر نصّاً في كتابي “تأمّلات من صفاء الروح” بعنوان “كلامكم”، لن أطيل عليكم به، بل سأنشر مجموعة من القيَم التي وردت فيه، لتكون عبرة ودرساً لمن يريد أن يعتبر:

-اجعلوا كلمتكم تطرق على كلّ باب، ولا تطرقوا الأبواب بأيديكم، لأنّ من الكلام ما يحطّم الأبواب، ويعْبُر في التاريخ كعاصفة.

-لا تحقّروا كلامكم على مسامع الناس فتحتقروا أنفسكم، لأنّ كلامكم مرآةٌ لوجوهكم.

-الكلمة الحقّة لا تُعرف إلاّ بنورها، ولا يُعرف النور إلاّ بها.

-الحبر على سواده يضيء، وكلّ حبر لا يضيء يموت عندما يولد، ويختنق من عذاب نفسه.

-كلّ ما تقولونه إن لم يكن رقيقاً كالينابيع، ساحراً كالنغم، طليقاً كالرياح، مضيئاً كالبرق… يكون أحقر من  عشب يابس على جدران الأبد، فلا تكونوا أنتم من ذلك العشب الذي يعيش وهو ميت، ويصرخ من غير صوت.

-سترون أناساً يخافون من كلامكم لأنّه أجمل من كلامهم، وهم لا يعرفون كيف يَصِلون إلى سموّ أفكاركم، فهؤلاء يكْمنون لكم في الطرق المهجورة، ويؤلّبون عليكم الجنّ الذين يتبعون آثامهم، وكلّما تحدّث أحد عن مآثركم، أرسلوا إليه مَن يعاقبه لأنّه قال عنكم الصدق، وهم يريدون منه أن يكذب.

-قد تُغنّون في الساحات بأصوات عذبة فيطردونكم ويطاردونكم، ولكنّهم في اليوم التالي يكافئون الغربان على أصواتها البشعة… لكن اعلموا أنّ الأصوات البشعة سيكون مصيرها في غياهب النسيان، أمّا الأصوات العذبة والرقيقة فهي التي تتردّد في الوهاد ولا تمحوها العصور. إنّ كلام الضعفاء لا يمتدحه غير الضعفاء، فهل رأيتم مخادعاً يحبّ الصادقين؟

-كلّما أعطيتم الناس ذهباً من ألسنتكم، وطيوباً من شفاهكم سترون كثيرين يتجاهلونكم ويظهرون عدم الاهتمام بما تعطونه، وهؤلاء هم الحاسدون الحاقدون الذين يطمرون رؤوسهم في الرمال، ويظنّون أنّ تجاهلهم سيقلّل من شأنكم.

-قد يقول البعض غير حقيقتكم، فلا تجزعوا لأنّ الحقيقة تنطق بنفسها، والذين يشوّهونها لا ينقصون من شأنها بل ينقصون من شأن أنفسهم.

-لا يضلّلكم أحد بكثرة ما نطقَ به، فما أكثر الحروف التي تنطفئ قبل أن تشتعل، وما أعظم الكلام الذي يكون قليلاً لكنّه قلائد غالية في خزائن الوجود.

-من كلامكم أعرفكم وأنتم من كلامكم تولدون، وإذا لم تكونوا على صورته، فاخلعوه عنكم واتركوه في الغياهب، لأنّكم لا تريدون أن تعيشوا مع الظلمة، بل مع نور الشمس الذي تسعون إليه منذ ولادتكم.

***

(*) مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية” للأدب الراقي .

اترك رد