عقدت “الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم” المؤتمر الاستثنائي لدعم لبنان في عاصمة المكسيك، في النادي اللبناني بالمدينة (23 – 25 شباط).
وكان خطيب حفل الافتتاح الدكتور فيليب سالم الذي ألقى كلمة باللغة الإنكليزية بعنوان: “النزاعات في الشرق الأوسط والأزمة الوجودية التي تهدّد لبنان”.
وقال سالم: “إن مأساة لبنان هي في موقعه الجغرافي بين إسرائيل وسوريا والبحر المتوسط، ووحده البحر لم يكن عدائيًا. لقد أصبح لبنان رهينة وأداةً سياسية تُستَغَلّ في ديناميات النفوذ بين القوى الإقليمية. وهذا هو أحد العوامل الرئيسية التي أدّت الى الأزمة الراهنة في لبنان الذي يتخبط في عين العاصفة، على وقع النزاع بين الغرب وايران.
المسألة الأخرى هي الثقافة الجغرافية. لبنان فريد من نوعه في الشرق الأوسط وهو مهد التعددية الثقافية حيث تتعايش ثماني عشرة طائفة دينية. وعلى رغم الحروب التي شهدتها البلاد، لا تزال المسيحية تعانق الإسلام والثقافات الشرقية تعانق الثقافات الغربية”.
ورأى سالم أن “الخطوة الأولى في عملية تفكّك الدولة اللبنانية كانت “اتفاقية القاهرة” عام 1969″. وقال: “بموجب هذا الاتفاق منح لبنان منظمة التحرير الفلسطينية مساحة من الأراضي في جنوب لبنان تستخدمها “للتدريب وللعمل الفدائي”، وكذلك منصّة لشنّ هجمات على إسرائيل. وقد شكّل هذا الاتفاق بداية الانهيار التدريجي للبنان وتقهقره من دولة سيادية الى دولة فاشلة. وهو ما دفع إسرائيل بالمقابل الى شنّ هجمات عسكرية على لبنان وصولاً الى اجتياح لبنان (1982). ومن الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها منظمة التحرير ان زعيمها ياسر عرفات سيطر على المشهد السياسي في بيروت وقبض على القرارات السياسية الكبرى… وكان من العوامل التي اشعلت فتيل الحروب اللبنانية التي انطلقت في (1975) ولم تحطّ أوزارها بعد”.
أضاف: “بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، لم تتمكن الحكومة اللبنانية من إرساء السلام في البلاد، وتوالت فصول الحروب العبثية حتى انعقاد مؤتمر الطائف في السعودية (1989) الذي أدّى الى إنهاء الحرب، لكنه فرض عاملاً أساسيًا مزعزعًا للاستقرار، وسلّم لبنان عمليًا للنظام السوري. وبدلاً من أن تساهم القوات السورية في بسط سلطة الدولة اللبنانية، عملت على بسط سلطتها على الدولة اللبنانية. حلّت سوريا جميع الميليشيات في لبنان، ما عدا ميليشيا “حزب الله” والميليشيات الفلسطينية… واستمرت الهيمنة السورية على لبنان الى حين إرغام قواتها على الخروج في العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري”.
وقال سالم: “لم تعترف سوريا مطلقًا بلبنان كدولة مستقلة، وكان لوجودها العسكري في الأراضي اللبنانية أربعة أهداف:
1 – استخدام لبنان ورقة تفاوضية مع إسرائيل والغرب.
2 – استخدام لبنان أداة لتصفية الحسابات مع اعدائها في العالم العربي.
3 – بناء علاقات جيدة مع ايران من خلال السماح لها بإرسال العتاد والأسلحة الى “حزب الله” عبر الحدود السورية.
4 – دعم اقتصادها من خلال استخدام الاقتصاد والمصارف والرساميل اللبنانية، وكذلك من خلال استخدام الحدود مع لبنان للتهريب”.
وتابع: ” يُضاف الى جميع المشكلات التي تسببت بها سوريا أن لبنان يستضيف اليوم حوالي مليوني لاجئ سوري على أراضيه، وذلك منذ العام 2011 تاريخ اندلاع الأحداث الدامية في سوريا. أي انهم باتوا يشكلون حوالي نصف عدد اللبنانيين”.
ورأى “أن ايران أصبحت اليوم سمسار النفوذ الرئيسي في لبنان بسبب استراتيجيتها التوسعية في العالم العربي. لقد بات لـ”حزب الله” الذي يمثّل الذراع العسكري لإيران في لبنان، وجودًا سياسيًا وعسكريًا نافذًا، وتحوّل الى القوة المهيمنة في البلاد. التهديد المحدق بلبنان خطير جدًا، إنه تهديد وجودي بكل ما للكلمة من معنى”، لافتا الى أن “المعنى الحقيقي للبنان يكمن في “الرسالة” و”النموذج” اللذين يقدمهما بحسب ما ورد على لسان باباوات الفاتيكان”.
وقال: “يحتضن لبنان إيمانًا راسخًا بحقوق الإنسان وكرامته واحترام الآخر وخاصة الآخر المختلف. ولبنان هو أيضًا نموذج للتعددية الثقافية التي ترسم الطريق نحو المستقبل. أما الثقافة التي تسعى ايران الى نشرها في لبنان والشرق الأوسط فهي ثقافة أحادية من الماضي الغابر. ولم تكن ايران وإسرائيل وسوريا والفلسطينيين ليتمكنوا من ارتكاب هذه الموبقات في لبنان لولا الطبقة السياسية الفاسدة التي استعانت بالقوى الخارجية لتحقيق مصالحها وأطماعها الشخصية، والتي أوصلت لبنان الى “جهنم الإنهيار”.
ودعا سالم الى “ضرورة إحياء “الثورة” في لبنان وتقديم دعم قوي لها، وطلب المساعدة الدولية وعقد مؤتمر خاص حول لبنان لتحقيق ضمان سيادة لبنان وحياده، وإطلاق “خطة مارشال” لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية وإعادة إعمار لبنان”.
وأنهى كلمته بالقول: “إن لبنان هو وطن اغتاله أناس من أهله، اغتاله سياسيوه… لكننا مصمّمون على انتشاله من موته. وإن لم نعمل على قيامته ستكون حياةُ الأمم عاراً علينا”.