أحمد الدويحي
(السعودية)
كان إذا رفع صوت الآذان ، وقد أصبح رجلاً مسناً ، تنصت له كل القرى، فيكفُ الناس عن العمل في حقولهم، يرتاحون ويلتقطون أنفاسهم، وصوته العذب يدخلُ إلى قلوبهم، ويصل إلى بيوت الناس في القرى، وتصبح رقة الصوت العذب، صدى لحنين الجبال.
ويحكي جيلٌ منهم بدأ يتناقص، عرفوا العجوز في صباه، بأن الصوت الجبيلي القوي الجميل، تُشّكلُ له بطون الأودية قرارًاً، كان يطرب الناس في صباه، إذا غنى في أفراح القرى، وينساب صوته كخرير شلالات المياه، فيصعد كالشمس عند الغروب، ويلامس أعالي الجبال، وتتعانق ترانيمه وكأنها جوقة ملائكية..
وروى بعضهم حكاية اسطورية عن الرجل، لما خطفته جميلة صحراوية ذات زمن بعيد، لم يشهد أحد برؤيتها، لكنها ظلت مجرد حكاية فتاة، تتردد في أفواه الأجيال، كلما استمعوا إلى صوته الجميل، ويذهب بعضهم إلى تأويل ما حدث، ورواية حكاية حذاء فتاة صحراوية، قدمتها له الفتاة عندما مسته رمضاء الصحراء، فكانت السبب في زلة قدمه، ليذهب سنوات في فضاء عالم سري .
ظل الناس يترقبونه، يدخرون صوته لرفع الآذان، يجود عليهم به في مرات شحيحة منتظرة، لكنهم يسمعون صوته الشجي، حينما يهجع الأنس، يأتي من بين شقوق صخور، صوت ُغدير البطح في الوادي، لما يتجلى ويغني، يتحول إلى مغنيٍ ملهم في فضاء فتاة.