عندما كنت أقرأ لثلاثة شعراء أستراليّين أقدمين، تشارلز هاربر (الصورة)، هنري كيندال، وآدم ليندساي غوردن، لفتتني قلّة الدراسات التي تناولت هؤلاء الشعراء، مع أنّهم كتبوا شعراً كثيراً، وكانت لهم طرقهم الخاصّة في طرح الصورة الشعريّة والمضامين الملتصقة بالبيئة الأستراليّة الأولى.
فتشارلز هاربر (1813- 1868) هو أوّل شاعر أستراليّ، ولد في أستراليا بعد ٢٥ سنة فقط من تأسيسها. والداه منفيّان من إنكلترا. ويمكن أن تكتب عنه عشرات الكتب والدراسات الجامعيّة. وقد أخذتُ على عاتقي وضع دراسة أكاديميّة، تعتمد طريقة تبويب حديثة (APA)، تشمل المؤثّرات الشرقيّة في شعر هؤلاء الروّاد الأوائل الذين عاشوا في القرن التاسع عشر، أي بعد سنوات قليلة من بدء الاستيطان الأبيض في أستراليا. وكم أنا مغتبط بهذا العمل، الذي يقدّم القليل لشعراء بارزين، استقوا من الأساطير الشرقيّة ومن الكتب المقدّسة! وفي رأيي أنّ قصيدة تشارلز هاربر “ساحرة الخليل” The Witch of Hebron، التي كتبها قبل وفاته بعام واحد – أي في عام 1867، هي واحدة من أجمل القصائد التي قرأتها في حياتي. ولم أعثر على دراسات حولها، سوى بضع مقالات عامّة لا تشفي الغليل. وتستحقّ هذه القصيدة أطروحة جامعيّة لأهمّيّتها، واعتمادها على الأساطير والمؤثّرات الشرقيّة.
عنونت كتابي عن الشعراء الثلاثة الكبار والقدوة “المؤثّرات الشرقيّة في بواكير الشعراء الأستراليّين”، وعلى قاب قوسين من إنهائه، أرجو أن يقدّم للقارئ العربيّ صورة عن الأدب المبكر في القارّة الأستراليّة، وأن يبرز مرّة أخرى، أهمّيّة مشروع أفكار اغترابيّة، وعمله الجدّيّ والدؤوب من أجل حضارة الإنسان وفكره الخلاّق، ورسالته المتواصلة، على جميع المستويات الكتابيّة…
والكتاب – الدراسة جزء من وليمة الإبداع المهجريّ التي نقدّمها في النهضة الاغترابيّة الثانية، لكلّ من يرى ويسمع… ونرجو أن يكون لنا دور في تاريخ جاليتنا، وأن تكون مكافأتنا التقدير، ولا نطلب غير ذلك.
***
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – 2023
النهضة الاغترابيّة الثانية – تعدّد الأنواع