عبدالحميدالقائد – البحرين
كان يتلظّى شهوةً.. الكآبة أخذت منه كلّ مباهجه وموسيقى جسده وفكره.. أضاع الجهات والجهات أضاعته. عندما يهزمه الغمُّ، يعتلي فضاءات الشبق تاركًا جسده ليهزم ما به من انهيارات، لكن في تلك الليلة لم يكن هناك من مرفأ ولا مأوى غير اللجوء إلى النوم، هذا النوم الذي غالبًا ما يداوي بعض عواصف أنفاسه، رغم ما يعتري هذا الهجوع من كوابيسٍ قاسية جارحة، تختصر إحباطاته في موجاتٍ كابوسية بركانية تحيل يومه التالي إلى تنّور تعب وإجهاد يستحيل إلى وقود تجعل عينيه جاحظتين، لا تبدو كذلك للرائين فيسقط في نفسه ولكنه سرعان ما أن ينهض واقفًا، فهو لا يستسلم للهزائم.
استقبل النومِ وجسده ينزّ رغبةً، كان في أعماق الغياب الوقتي حتى أطلّت تلك الحسناء وكأنها كتلة بلّورٍ تشعّ، أو قطعة قندٍ تغوي، أمسكت بيده، كانت يدها ساخنةً، عطرها قاتل، عيناها واسعتان مثل مدينتين مليئتين بالصخب، وإيقاعات السيتار اخترقت اللهب المحيط بقلبه، فربتت على يده، همست في أذنه بضع كلمات وأريجها يتلبّسه ليسكره “أنا من حلمت بها وكنتُ الحلم المستحيل، أدعوك لزيارة صالوني الآن وليس بعد الآن” كان حائرًا، متوترًا، تائهًا..مستغربًا، أطبقت كفها على كفه، سحبته بهدوءٍ إلى صالونها الوثير. اللون الأحمر يسود المكان، المصابيح المزركشة المضاءة في كل زاوية، لكنها كانت مصابيح يدوية خافتة نسبيًا، وعبق الروائح الطيبة تغطي الأرجاء، كانت هي المرأة الوحيدة تضيء المكان بجمالها الخرافي وتقاطيع جسدها المسكرة التي تغوي حتى الريح.
كان هناك بضعة رجال، بينهم رجل طويل ممتلىء الجسم، يتميز بتقاطيع بهية ويرتدي ثيابًا أنيقة، سمعهم ينادونه “ابن زيدون”، كان ينظر إليه بريبة واستغراب، وآخر اسمه “ابن عبدوس” كان يحدّق في وجهه بنوع من الحقد بتقاطيعه غير المريحة. في هذه اللحظة أدرك أنه أمام ولاّدة ابنة المستكفي، التي كتب عنها كثيرًا وحلم بها كثيرًا وتمنّى وتمنّى ما لا يُتمنّى ولا يحدث. أدرك أنه أمام عظيم الشعراء ابن زيدون، شعر بسعادة غامرة أنه أخيرًا أصبح في الأندلس التي دائمًا ما كان يشعر أنه كان فيها يومًا. أخذته ولاّدة إلى ركن جانبي وأدنت شفتيها من شفتيه، شعر بسيلٍ من النبيذ يتدفق بخفّة في فمه، صحا فجأةً على جرس المنبّه وهو يعلو فشعر أنه ثملٌ لا يريد أن يصحو وبداخله غصّةٌ عميقةٌ وحسرةٌ لا متناهية. لم يكن ذلك سوى حلمٍ مجنون وأنه ليس في ذلك الزمن الجميل…جلس على سريره وبدأ يفرك عينيه قهرًا..!!!