لفت وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى الى ان “ما يحصل في لبنان حاليا سببه أن كثيرين منا على المستوى السياسي لا يقاربون المسائل الوطنية مهما كانت ملحة وضرورية ومصيرية، إلا بلغة النكد بدلا من لغة الإيجابية التي اعتمدها رمزي علم الدين”.
وقال: “إن النكد يسد الأبواب ويقود حتما إلى الفشل، أما الإقبال على التعاطي في الشؤون الوطنية بإيجابية بناءة، تتلمس مواطن الخلاف وتسعى إلى حله بالكلمة السواء، فهو أفضل للجميع من التمترس خلف المواقف المتصلبة، في هذه الأزمة التي تستدعي العمل الدؤوب الدائم بالتكاتف والتعاضد بين الجميع، من أجل مواجهة القضايا الملحة الطارئة”.
كلام المرتضى جاء خلال رعايته ندوة حول كتاب الشيخ رمزي علم الدين “إحكي جالس” في المكتبة الوطنية – بعقلين، بحضور النائب مروان حمادة، الوزير السابق محمد المشنوق، الاعلامي سمير عطالله، مدير مكتبة بعقلين الوطنية غازي صعب وفاعليات سياسية واعلامية وثقافية.
وقال المرتضى: “هذا كتاب من قهقهات. كلماته ضحكات تتوالى آخذة بعضها بأذيال بعض، في سطور من فرح، جعله رمزي علم الدين عنوانا أول لحياته التي كتب ههنا بعضا من مذكراتها. كتاب يدخل بوجه ما في أدب السيرة الذاتية، ممزوج بالعفوية والصراحة، ويثبت بلا شك مقولتنا اللبنانية “الولد لو بار تلتينو للخال”، إذ لا بد للقارئ وهو يقلب الصفحات من أن يستذكر جاحظ القرن العشرين، الأديب الكبير الراحل سعيد تقي الدين وأسلوبه الساخر المميز الذي اشتفه ابن شقيقته رمزي علم الدين حتى الثمالة، ونحا نحوه في مذكراته”.
أضاف: “وهذا أيضا كتاب من نجاحات، بدأت منذ الولادة التي اقترنت “بتحقيق رقم قياسي في الوزن”، ثم توالت في المدرسة والجامعة والعمل والعائلة، والعلاقات الاجتماعية الراقية، والصداقات الباذخة التي تنعم الكاتب بها وتنعمت به، فتعددت أسماؤها وانتماءاتها تعدد المجتمع اللبناني، وتشارك الجميع فيه حلاوة العيش الواحد، الجامع لكل الأطياف والمناطق، في سماحة ومودة تجسدتا على أرض الواقع اليومي، بلا حاجة إلى ما يسود حياتنا الوطنية الراهنة من شعارات سياسية ودستورية لا يراد لنا منها إلا أن نبقى فرادى ممزقين. وأنوه في هذا الصدد بواقعتين رواهما رمزي علم الدين في مذكراته… الأولى عن أمه قال فيها: “كانت تجمع أولاد العائلة والأقارب والأصحاب في مناسبة عيد الميلاد حيث كان بابا نويل يوزع الهدايا للجميع… كان وبقي عيد الميلاد أهم عيد عندنا. الشجرة والهدايا والعائلة ونجمة الفرح وابتسامة أمي الحنونة”.
وعن “الواقعة الثانية عن خاله سعيد تقي الدين قال: “كان يسكن في الطابق الأرضي من بنايتنا في رأس بيروت. كنت في العاشرة من عمري وحتى أصبحت في العشرين كان ماثلا أمامي. علمني أن أكون محبا للغير وكريما وقاسيا. أذكره يصعد إلينا في عيد الفصح ومعه سلة بيض ملون ويصرخ: ولاه… قوم فاقس خالك”.
اضاف: : “أستعيد هاتين الواقعتين كما جاءتا في الكتاب حرفيا، لأقول عبارة واحدة، موجزة ومباشرة: أيها اللبنانيون… هذه هي الميثاقية الحقيقية”.
وتابع: “يأتي هذا الكتاب الزاخر بأخبار النجاح الشخصي في ظل فشل وطني عام مستشر على أكثر من صعيد: فشل في انتخاب رئيس، فشل في عقد جلسات الحوار، فشل في عمل المؤسسات، فشل في فك اعتكاف القضاة، فشل في إقرار خطة التعافي الاقتصادي، إلى آخر ما يخطر في بال المواطنين ويحيط بهم من هموم متواصلة. والسبب في ذلك أن كثيرين منا على المستوى السياسي لا يقاربون المسائل الوطنية مهما كانت ملحة وضرورية ومصيرية، إلا بلغة النكد بدلا من لغة الإيجابية التي اعتمدها رمزي علم الدين، فإن النكد يسد الأبواب ويقود حتما إلى الفشل، أما الإقبال على التعاطي في الشؤون الوطنية بإيجابية بناءة، تتلمس مواطن الخلاف وتسعى إلى حله بالكلمة السواء، فهو أفضل للجميع من التمترس خلف المواقف المتصلبة، في هذه الأزمة التي تستدعي العمل الدؤوب الدائم بالتكاتف والتعاضد بين الجميع، من أجل مواجهة القضايا الملحة الطارئة”.
وخلص الى القول: “رمزي علم الدين رجل صلب الهوية والانتماء، كالقاف الشوفية التي تهدر في هذا الجبل الأشم. أراد أن يروي مذكراته، فبشرنا منذ البداية بأن هذا الكتاب هو كتابه الأول وربما الأخير. أود أن أخالفه الرأي بصورة قاطعة، وأن أدعوه إلى مزيد من الكتابة، مقترحا عليه مثلا جمع محاضراته التي كان يلقيها في بعض الجامعات في مادة السياحة، ونشرها، فإن فيها بلا ريب ما يستحق القراءة والبحث. ولن أقبل منه، ولن تقبلوا مثلي أيها الأصدقاء، أن يتملص متحججا برغبته في الجلوس دائما على “السكملة” كي لا يأخذ أحد مكانه، ولا يأخذ هو مكان أحد”.
وختم: “ذلك أنه حيث يقيم هو وأمثاله من الوطنيين المميزين، فهناك الكراسي الوثيرة والأرائك الفاخرة. وفي كل حال، رمزي علم الدين، شخصا وعائلة وإنجازات وصداقات، يتربع دائما على مقاعد القلوب والسلام”.