خبرني شو صار بين الشرقية والغربية بمسرحية

 

 سارة مجدرة

 

عنوان مقالي اليوم هو عنوان لمسرحيةٍ مبدعة تصف ما حصل في لبنان عند اندلاع الحرب الذي حصل ما بين “الشرقية والغربية” اضافة الى اجتياح الاسرائيليين للجنوب وبيروت، للمخرجة كريستيل خضر والممثلتين حنان الحاج علي ورندا أسمر.

بدأت هذه المسرحية بوصف قصة أعمال الممثلتين ومعاناتهن لإتقان المجال ودخوله من اسباب عائلية ومادية، الى ان تطرّقا حول صعوبة اقامة المسارح في ظل الحرب التي سادت لبنان بين الغربية والشرقية ما دفع الى تقسيم معهد الفنون الى فرعين، الاول في منطقة الحدث والذي يخص المسلمين والفرع الثاني في منطقة فرن الشباك والذي يخص المسيحيين، وتتداخلت الاحداث التي ارتنا كمشاهدين ما يسمى ب”الحزازية” التي كانت تحصل بين الديانتين على الصعيدين الفني والمسرحي.

رسالةً لا بد من ايصالها عن الحرب التي عانى منها اللبنانيين والتي برأيي مازلنا نعاني منها ولكن كحرب ناعمة او اقتصادية.. اتْقَنا بإيصال اذى الحرب الذي عانى منه الوطن وكيف كان لهم تحدٍ كبير بأن يعاودوا ممارسة مهنة التمثيل تحت سقوط الصواريخ!

كما اوصلتا فكرةَ “عدم الاستسلامِ” الذي شاهدناه عبر تمثيلهن المدهش لمشاهد قد جسدت حثّهم على اتمام اعمالهن الفنية والمسرحية التي كانت تحت القصف واذكر جيدا تلك الجمل التي ما زالت تدغدغُ اذني وتلاعِبُ دماغي: ” كنا نهرب من منطقة لمنطقة تحت القصف بس كي نجتمع مع العالم ونقدم المسرحية!” و”عشت حرب ما لي ذنب فيها!”.

وقبل الختام تم تجسيد قصة ابو عصام وابو جابر الذين نقلا الى بيروت قصتهما الحقيقية عن مجزرة احتلال الاسرائيليين للجنوب وتحديداً منطقة الخيام، وفعلا اقول هنا بأن الابداع قد وضع حبره في خطِ تمثيلهما المرعب الذي تناول القصة بحذافيرها ونَقَل صورة العذاب الذي عاشه اللبنانيون آنذاك..

هذا المشهد قد دفع بي لأن اكتب ذلك المقال واجودُ في الكتابة واسرح بأفكاري لان اصل لمرحلة العصف الذهني والبكاء الجشن امام الحضور! هذا المشهد جعل عدة مفاهيمٍ تتقلب في رأسيَ الممتلىء بالاحاسيس والاسئلة!

الحرب.. لما؟

جعلني ذلك السؤال اتذكر انتفاضة ١٧ تشرين اللبنانية التي لم تبصر النور والتي لم تكمل في مسارها الصحيح وهدفها الوطني الاساسي!

جعلني هذا المشهد اتذكر سبب غربتي القصيرة التي قضيتها في الاردن هاربةً من واقعٍ مرير باحثة على “شوية كهربا وماي”!!

جعلني ذلك المشهد اتذكر افكاري الثورجية التي لطالما من خلالها حلمت بوطن جميل ذو استقلال حقيقي…

جعلني ذلك المشهد ابكي على شعبٍ وعيه السياسي متبخر وانتماءه الوطني معدوم..

ذلك المشهد قد حرّك اندفاعي حول القضية الفلسطينية بزيادة! التي لطالما كانت سببا اساسيا لثورتي الفكرية والتي لطالما كتب قلمي لها..

هذا المشهد ذكّرني بشهداء لبنان  والناس الابرياء التي صابها الموت بعد احتكاك رصاصة العدو لدمهم وجسدهم الشريف.. هذا المشهد قد اعاد لي صراعي النفسي مع مبدأ ومفهوم الحرية!!!

ما فعلته الحرب كان مرعباً لحد الجنون وما استولت عليه الحرب كان كثيراً، لكنها لم تستطع ان تسيطر على الفن الذي لطالما اوصل حقيقة المشاهد وقدسية السلام، الحرب لم تكسر خشبة المسرح المقدسة التي انسكب عليها جهد من آمن ان المسرح جامعٌ لما يريد تفريقه العالم..

المسرح وما هو الا خشبة عاكسة لواقع مؤلم قد سكت عنه الجميع ولكن الفن قد تجرأ وتعدّى مرحلة السكوت لكي يجسّد بكادرٍ تمثيلي ما عجز البعض عن البوح به قبل اغلاق الستائر.

على المسرح نرى الادوار الحقيقية للأشخاص المزيفين، نرى الوجوه الحقيقية للأقنعة المغشوشة، نرى ما وراء الكواليس لكل واقع مخدوع.. فلكل منا دوره وتمثيله في هذه الحياة الذي نختبئ به، المسرح جامعٌ لشوائبنا ومحتضن لغرورنا الفاحش، اعزائي القراء ان خشبة المسرح ما هي الا فضيحة وكشف المستور للُعبة البشر الخبيثة.

وفي الختام هنا نشكر الممثلتين على هذه المسرحية الرائعة التي تم تقديمها على خشبة مسرح المونو!

انها من اجمل المسرحيات التي شاهدتها في حياتي ومن اقواهن! لايصالها رسائل واقعية، تلامس كيانَ ووجدانَ المواطن اللبناني! وهيك منختم ومنقول لي ما حضرها بعد.. راح عليه الكتير!

اترك رد