في الاحتفال العالمي بالفلسفة : تحية لموسى وهبة… “الكَلِيم”

 

هكذا كان يحلو لي تسميته : “موسى الكليم”، لقناعتي بأن الفلسفة كانت تٌكالمه حديث المكاشفة والصحة.

تعرفتُ إليه، مع صديقه رشيد الضعيف، إذ التحقا بالجامعة اللبنانية، في سنة حصولي على الإجازة الجامعية.

سبقتْ عودتًه إلى بيروت سمعتَه، وأنه “ندُّ” مهدي عامل (الاسم الفني في الفلسفة للدكتور حسن حمدان)…. بل نظمت “جمعية الأدب والثقافة”، في بيروت، مناظرة بينهما، لم تأتِ بما توقعَه راغبون في العراك الثقافي : الضربة القاضية. فقد فضل المتناظران تسجيل “نقاط” بقدر من الحرص والتهيب.

إلا أن معرفتي الأقرب بوهبة تأتتْ إثر عودتي إلى بيروت (1994). وجدتُ الفيلسوف خائبا من البلد والايديولوجيا والسياسة : “البلد شديد الضيق، يا صديقي. لا يصلح، لا لصداقات، ولا لعداوات”.

كان لبنان قد تغيرَ عما كان قد عرفَه، وإثر عودته إليه، ما جعله ناقما وساخرا ممّا يجري فيه.

كانت الفلسفة قد تغيرتْ قبل ذلك، من دون أن يجاري وهبة تبدلاتها : بقي متمسكا بعالي النظر إلى الفلسفة، وأعمالها العقلية.

ما أعتز به -وقد غاب عنا منذ سنوات قليلة- هو انني لم اشرف على اي مؤتمر علمي في لبنان (في الجامعة الاميركية، أو في جامعة البلمند)، من دون ان يكون وهبة شريكا فيه، حضوريا وكتابيا. بل خصصتُ له كلمة الختام في مؤتمر : “جرجي زيدان : هلال النهضة”.

أما نصه الفلسفي الأهم فأتى في مؤتمر : “العربية في لبنان” (مؤتمر البلمند، 1996)، وبعنوان : “إمكان التفلسف بالعربية، اليوم”.

ما أدهشني في نصه هذا -وهو مُفتَتَح علاقتنا المتأخرة-، هو تضلع وهبة الشديد في العربية.

بل تأكدتُ معه، من دون غيره من الفلاسفة العرب المزامنِين له، من أن التفلسف لا يستقيم من دون… اللغة، من دون التأكد من معانيها وطبقاتها ودلالاتها، ومن دون كونها القاعدة اللازمة لأي اشتغال فلسفي، ولترجمة أو نحت أي مفهوم فيها.

كان شديد التمسك ب”رفعة” الفلسفة عن غيرها من علوم النظر، بل ب”رفعة” الفيلسوف نفسه، حتى على أهل الحُكم والفكر. غيرٌ ذلك، كان يعتبره من الصنيع الثقافي…

وهبة كان يتهيب القول الفلسفي بالعربية، لدرجة أنه نظر إلى أعمال كثيرين من سابقِيه ومزامنِيه، بوصفها من الترجمة (غير السديدة)، ومن التفسير الثقافي، ليس إلا.

لهذا كتب وهبة أفضل ما كتب في “امتناع” التفلسف العربي، واقفا أمام بوابته، بل عتبتِه، ساخرا وناقدا -بعمق-

ما يُسمى ويُدرَّس بوصفه “فلسفة عربية حديثة ومعاصرة”.

كان الأمينَ والحريصَ على الفلسفة، فيما كانت الفلسفة قد “تحللت” في غيرها.

لا تغيب، يا “موسى الكليم.

اترك رد