مخطوطته الأخيرة (قصة قصيرة) 

 

 

 صالح بن أحمد السهيمي

                                                   (السعودية)

 

“بيدبا الفيلسوف الهندي” كتبَ مخطوطةً تم التعرّف عليها في مكتبة مجهولة بإسبانيا بعد سقطوها في الجائحة مؤخرا (كوفيد 19)!!

استطاع باحث عربي تصوير المخطوطة الأخيرة لبيدبا!! والخروج بما تبقى من أجزاء النص وألواحه المتهالكة، حيث جاء فيها:

“قال دبشليم الملك لـــبيدبا:

قد سمعت بأخبار الوباء من قبل، فهلَّا ضربت لنا مثلا جديدا!!

إنَّ مَثَلَ ذلكَ مَثَلُ الخفاش والتنين والخنزير!!

وما مَثَلَهُنَّ؟

زعموا أنَّ خُفَاشًا في مدينة صينيّة تسلَّلَ إلى أحد البيوت، فهَمَّ به صاحب البيت، وقد كان يتضور جوعا، دخل به إلى المطبخ السريّ، حيث صعد به إلى أعلى السطح متجها إلى مطبخه، ولم يكن يعلم به أحد سوى زوجته الأولى!! دخل خلسة المطبخ دون أن يراه أحد، فأعدَّ “شوربة التوم يوم” مراقبا الخفاش بين الفينة والأخرى، يسارقه النظرات!! تخيّل “يو لوي هوا” وقتها أن الخفَّاشَ نزع عباءته بكل ثقة، اتجه نحو صنبور ماء نحاسي في الزاوية، غسل وجهه!! نظر إلى الخفاش مجددا رأى أنه استقام على رجليه وفي يديه “منجل”!! تراءت له المائدة سحابة مثقلة بالمطهّر المعقم!! وصوت يناديه في الخارج:

يو .. يو هوا .. هل تسمعني؟!

زعمت زوجته أنها رأت التنين يدخل المطبخ السري، بعدما علم بحادثة الخفاش فــهَبَّ مسرعا؛ لإخفاء الحادثة عن حيوانات الغابة!!

روت “تري نو” في حديث صحفي أن زرافةً أخبرت خنزيرا بالحادثة إثر مرورها بالمطبخ آخر النهار، وقبل مهاجمة التنين، حيث رَوَتْ الكارثة وما آلت إليه خفافيش الغابة مؤخرا؛ مستعينة بلغة الإشارة للخنزير الغبي!! فتحركت الببغاوات؛ لنشر الخبر، ففشى الوباء عبر الأثير، وقنوات الأخبار العالمية للغابات والحدائق والمزارع العالمية!!

ثمة “نخلة ذاهبة في السماء!!” كان يأوي إليها صقر حرّ، حين علم بالخبر أمر بإقفال منافذ الغابة وإبقاء التنين في الخارج مع أهمية التواصل معه باستمرار!! بات الصقر يخشى على غابته من تسلل بعض الخنازير الموبوءة، فأصدر أمرا لمراقبة الوضع الصحي بهدوء!!

مرَّ الحمَام الزاجل بالقرية وحين رأى إرجاف الببغاوات مال ناحية النخلة؛ بحثا عن طعام .. حينها بشّرهم الصقر بتصريح مطمئن:

ثمة سيطرة على الوباء..

سرت الطمأنينة في أنفس ساكني الغابة وأهل المدينة!!

فتوالت الأشهر والأيام .. والأسَدُ في أجمته يراقب الوضع على الأرض والصقر ينشر الأمان في السماء!! تأقلم أهل المدينة وساكنو الغابة على الوضع الجديد!! فتطوعت النمور والطيور في توزيع الطعام على قاطني الغابة، بل تسللت بعض الحيوانات إلى المدن بحثا عن البشر!!

قال الملك دبشليم:

لقد علمت أن البشر طغوا وتجبروا حين توغلت جرأتهم في الإساءة للحيوانات، وها هي الآن تبحث عنهم في التعبير عن التعايش السلمي معهم!!

لم يُعَلِّقْ بيدبا على الملك ؛ هزَّ رأسه موافقا حكمة الملك!!

ســـرت الطمأنينة أرجاء البلاد، فغــدا التعايش مع الوضع الجديد سعادة عند سائر ساكني العالم!! هدأت البحار وأثباجها!! واستراحت الجبال من متسلقي الفراغ!! حتى الآبار باتت تحرس الثعابين خشية الرحيل!! سادت الألفة الأسر!! اهتم الجميع بالتفاصيل!! عادت النساء إلى الذكريات القديمة!!

سأل دبشليم الفيلسوف!!

ما الذي حدث للزوجة “تري نو”؟

تم اغتيالها من قبل التنين!!

بتهمة ماذا؟!

زعموا أنها اختلست اللون الأصفر من علبة الألوان!!

ساد الصمت بين الملك وبيدبا!! فابتدر الفيلسوف كاسرًا حاجز الصمت:

سيدي الملك .. لا عليك فالنكبات والشدائد قد تتكرر من زمن لآخر!! تتوالى الأوبئة ويبقى الأدب حارسا للذكرى المؤلمة!! سينسى البشر ما مرّوا به من عذابات أقلقت الأمهات على أبنائها!! سيدي الملك ها هي المخطوطة الأخيرة.. إن شئت احفظها في خزائن الدولة!! وإن شئت احرقها!! ها هي قد جمعت لك فيها بيان الأخبار الواقعة تزلفا إلى رضاك وابتغاء لطاعتك .. حفظك الله.

اترك رد