الحطام (قصة قصيرة)

 

 محمد البوركي

                                          (المغرب)

 

الهدوء يلقي بظلاله الوارفة على السهل الأخضر المنبسط ، الشمس بدأت ترسل أشعتها الذهبية الدافئة ، الحركة تسري في أرجاء القرية معلنة ميلاد يوم جديد ، الكائنات تنفض عن جفونها آثار الكرى ، سرب من طيور بيضاء يخترق زرقة السماء، شياه مكتنزة تقضم الحشائش المبللة بقطرات الندى، والراعي ينفخ نايه الذي تنساب منه أنغام حالمة، في غمرة هذا السلام، أثار انتباهه دخان كثيف يعانق عنان السماء يتعالى من التل الترابي وسط الغابة ، ألقى عصاه ، ترك أغنامه يحرسها السلوقي، ركض ، تسلل بين الأشجار السامقة الكثيفة ، اجتاز السواقي و الغدران المغمورة بالمياه و الأوحال، عندما وصل تملكته الدهشة و الرهبة، كان يلهث بشدة من فرط التعب، هناك رأى حطام طائرة تلتهمها النيران، و أشلاء متفحمة و شظايا متناثرة في كل مكان .

حدث نفسه و قد التمعت عيناه واتسعت حدقتاه:

” إنها فرصة ذهبية لكي أصبح ثريا، و أتخلص نهائيا من حياة البؤس والشقاء، علي أن أجمع كل ما هو غال و نفيس …”.

توغل في الغابة، و اختفى مدة، ثم ظهر وقد اسود وجهه و تلطخت ملابسه، يحمل كيسين ناءت بهما يداه، تقدم متوجها صوب المرعى. فجأة ، سمع صوتا أجش زاجرا من خلفه:

” توقف أيها السارق السافل، و إلا أطلقنا عليك النار، لو خطوت خطوة واحدة لأجهزنا عليك”.

ارتعدت فرائصه، تسمر في مكانه، مال بوجهه يستطلع مصدر الأمر الجاف. إنه أحد رجال الدرك المكلفين بحماية ممتلكات الضحايا و مراقبة المكان .

أحس الشاب بفداحة الورطة التي وقع فيها، أصيب بالدوار وكاد يسقط. بعد تفكير سريع اهتدى إلى طوق النجاة ، تحرر من الارتباك و الخوف ثم قال و قد امتلأت نفسه ثقة:

” حمدا لله على سلامتي، لقد نجوت من الفاجعة، و هذه أمتعتي أحملها معي، قد أكون الوحيد على قيد الحياة”.

أحاط به رجال السلطة ، طوقوه من كل جانب للحيلولة دون فراره، أمسكوه و صفدوا يديه، ثم أفرغوا محتوى الكيسين، يا للهول ! صندوقان .. أجل .. الصندوقان الأسودان !

اقتادوه نحو السيارة الجاثمة بالجوار، دون أن يعيروا اهتماما لتوسلاته الدامعة :

” لست مجرما ، إنما أنا راعي غنم مغفل ، سولت لي نفسي اللئيمة السطو على الغنيمة ، ليتني كنت أعمى.. ليتني كنت أعمى .. “

اترك رد