أنسي الحاج… بالحب عاش بالحب أبدع وبالحب رحل

ounsi-1.-2jpgلكلّ زمنٍ لؤلؤة يُسمّى على اسمها، ولجميع الأزمان شمس واحدة لا تُحْتَسب الحياة للإنسان ولا لسائر الكائنات بدونها. هذه الشمس هي الحبّ. بالحب ترك أنسي الحاج  يراعه ورحل، هذا الوحيد الذي أشرق عليه الحبّ، ولسببٍ ما، لنُسمِّهِ لعنة الوقت، بدأ النزول… ضجرٌ ونفور. كسوفٌ وراء كسوف… فاختفى بعيداً وراء الشفق ليتحول نبضة في القلب ترتسم نجاوى تبشر بأعجوبة اللقاء بعد الفراق، تخفف من غربة الزمن وتعب الأيام…

أنسي الحاج… الشاعر الكبير سيظل يبهر بلغزه، ويحمل بكلماته  النور إلى القلوب وتهيم  روحه في زرقة السماء…

نبذة   

   –  ولد عام 1937

–     ابوه الصحافي والمتّرجم لويس الحاج وامه ماري عقل، من قيتولي، قضاء جزّين.

–    تعلّم في مدرسة الليسه الفرنسية ثم في معهد الحكمة.

–   بدأ ينشر قصصاً قصيرة وأبحاثاً وقصائد منذ 1954 في المجلاّت الادبية وهو على مقاعد الدراسة الثانوية.

–  دخل الصحافة اليومية (جريدة “الحياة” ثم “النهار”) محترفاً عام 1956، كمسؤول عن الصفحة الادبية. ولم يلبث ان استقر في “النهار” حيث حرر الزوايا غير السياسية سنوات ثم حوّل الزاوية الادبية اليومية الى صفحة ادبية يومية.

–   عام 1964 أصدر “الملحق” الثقافي الاسبوعي عن جريدة “النهار” وظلّ يصدره حتى 1974. وعاونه في النصف الاول من هذه الحقبة شوقي ابي شقرا.ounsi-2--3

–  عام 1957 ساهم مع يوسف الخال وأدونيس في تأسيس مجلة”شعر” وعام 1960 اصدر في منشوراتها ديوانه الاول “لن”، وهو اول مجموعة قصائد نثر في اللغة العربية.

–  له ستّ مجموعات شعرية “لن” 1960، “الرأس المقطوع” 1963، “ماضي الايام الآتية” 1965، “ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة” 1970، “الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع” 1975، “الوليمة “1994 وله كتاب مقالات في ثلاثة اجزاء هو “كلمات كلمات كلمات” 1978، وكتاب في التأمل الفلسفي والوجداني هو “خواتم” في جزئين 1991 و 1997، ومجموعة مؤلفات لم تنشر بعد. و “خواتم” الجزء الثالث.

–    تولى رئاسة تحرير العديد من المجلات الى جانب عمله الدائم في “النهار” ، وبينها “الحسناء” 1966 و “النهار العربي والدولي” بين 1977 و 1989.

–   نقل الى العربية منذ 1963 اكثر من عشر مسرحيات لشكسبير ويونيسكو ودورنمات وكامو وبريخت وسواهم، وقد مثلتها فرق مدرسة التمثيل الحديث (مهرجانات بعلبك)، ونضال الاشقر وروجيه عساف وشكيب خوري وبرج فازليان.

–  متزوج من ليلى ضو (منذ 1957) ولهما ندى ولويس.

–  رئيس تحرير “النهار” من 1992 الى 30 ايلول 2003 تاريخ استقـالته.

–   تُرجمت مختارات من قصائده الى الفرنسية والانكليزية والالمانية والبرتغالية والارمنية والفنلندية. صدرت انطولوجيا “الابد الطيّار” بالفرنسية في باريس عن دار “أكت سود” عام 1997 وانطولوجيا ” الحب والذئب الحب وغيري”  بالالمانية مع الاصول العربية في برلين عام 1998. الاولى اشرف عليها وقدّم لها عبد القادر الجنابي والاخرى ترجمها خالد المعالي وهربرت بيكر.

* * *

جواباً عن سؤال حول كيف يوجز مسيرته، وجهّه اليه الاساتذة نبيل ايوب، هند اديب دورليان، جورج كلاّس وصاغها الشاعر الياس لحّود، في مستهلّ مقابلة أجروها معه لمجلة “كتابات معاصرة” (العدد 38، آب-ايلول 1999) قال انسي الحاج:

“غالباً ما سردت الحكاية ذاتها. لا اعتقد ان ذلك يهم احداً. اندم اكثر مما افعل ولم افعل الا في غفلة من نفسي. وعندما لم يكن احد يسألني رأيي في الامور، كالحب والموت، قلت الحقيقة، ولم اعد اقولها دائماً حين صار هناك من يسألني”.

شهادات وأقوال

(…) “لن”، هذه الصرخة السلبية الايجاب، لا تعني عندي، الرفض للرفض، بقدر ما تعني عمل الرفض في مصير الانسان.

خليل رامز سركيس

أنسي هو, بيننا, الأنقى.

أدونيس

أنسي الحاج ثائر قبل أن يكون شاعراً. شعره فعله الثوري الوحيد. شعره بالنسبة له هو الجنون… الجنون هو الوصمة التي يحملها من إختار أن يكون حراً.

لقد أقصته غرابته عن الساحة العامة. الشعر إذن بالنسبة لأنسي الحاج فعل تحرّر بالدرجة الأولى، فعل إلتقاء وانتقال الى الآخر(…)

غادر أنسي الحاج مباهج الجسد الخارجية الآنية العارضة وتوغّل فيه. لم تستلفته الأشكال ولا ظواهر المشكلات بل عاش الوحدة وتفكك العالم من الداخل. ولكن هل توغل بعيداً بعيداً حتى غاب عن الكثيرين؟ لغرابة عالمه وبعده جاءنا صوته غريباً. لقد توغّل بعيداً عنا في العتمات التي لم نجرؤ على إقتحامها، لكنه هناك نسي الإلتفات إلينا، لم يغنّ، لم يوضح (…) قدّم لنا عطاءً جديداً  مرهقاً, شعراً متفحّم المشاعر يضخّ مرارةً, يكشف أدغالاً مجهولة عن نفس تتوهج بالموت. أليس عطاء الإنسان الأهم, هو الكشف, الكشف, الكشف؟ounsi-3.--4jpg

خالدة سعيد

 … معك, يا أنسي, يزداد إستمساكنا بحبل الرؤيا، يتّسع أسلوبنا في التعبير عنها، وينمو ويغنى، يصبح لنا نوع آخر من الشعر، ومن النثر أيضاً.

ومعك يزداد إستخدامنا لحاضر الكلمة، ويزداد نسياننا لماضيها، وتخلّينا عن تاريخها.

ومعك يصير شعرنا حركة طلقة، فعلاً حراً، تناقضاً مدهشاً. أعني يقترب شعرنا، معك، أن يكون شعراً.

أدونيس

طريقة التركيب في “لن” ليست عربية. لم نعتد شيئاً مثلها. لم يسبقه أحد إلى هذه الطريقة التعبيرية(…)

فؤاد رفقا

 (…) إنني أعزو هذه الغرابة في التعبير عند أنسي الحاج ونعْت هذا التعبير بأنه غير عربي، إلى كون أنسي الحاج قد أدخل إلى المفردات الشعرية العربية تعابير غير متداولة في الشعر. وهو لم يدخل فقط ألفاظاً جديدةً، بل إنه أغنى القاموس الشعرى العربي- إذا صحّ التعبير- بمفردات أدخل الكثير منها دفعة واحدة فظهرت غريبة خارجة على المألوف. لكنه لم يكتف بإدخال مفردات جديدة على التعبير الشعري العربي: إن الكلمة التي حملها، قد حمّلها أكثر مما تعوّدنا أن نرى. أللغة في “لن” تنفجر بمعان غير مألوفة، وهي موضوعة في سياق غير مألوف، هذا هو وجه الغرابة.

لولا الشعر تموت اللغة، تموت بالفعل. ومن هذا المنظار، أهمية “لن” إنها أدّت خدمة كبيرة في إحياء اللغة وتجديدها. وهذه الناحية تنعكس، بدون ريب، على طبيعة شعر أنسي الحاج وموقفه من الحياة. لقد رأينا أنه رافض. وهكذا رَفَضَ التقليد، رفَضَه شكلاً ومضموناً.

  يوسف الخال

أنسي الحاج رفع قصيدة النثر إلى مستوى الشعر الحقيقي. فلغته لغة حضارية، لمّاحة، متوهّجة، ناضرة، شفّافة. أنسي رفيقي على درب الشعر الطويل، وأنا فخور بكل كلمة كتبها أو سيكتبها. إنه نموذج للشاعر الحقيقي حيث يلتقي الشعر والرسولية في جسد واحد. إني أحبه وأحلم دائماً أن أقتني واحداً من خواتمه.

                                                                             نزارقباني

      … تلك الحركة الخارقة، من تصادم الصور بالصور والكلمات بالكلمات والكلمات بالصور،  والتي تلفّ الجزء الأكبر من “لن” وخصوصاً الجزء الأول، رغم عدوانيتها اللغوية، كأنَما في سفكها الطازج للمتراكم والراسب والعادي والشائع، تخبىء وصولاً جمالياً خاصاً، يرسو في بقعة جمالية تتجاوز المد المخرب الزاجر الهادم، إلى بناء لغوي- شعري متهيىء وفاتح.

     القصيدة ترفع الخراب (العدوانية) والتمرّد والرفض، تطحن الكلمات لتسحب منها نشيداً، نشيداً حياً لا يلبث أن ينتقل في الجزء الثاني من “لن” من الأشكال الجسدية والحواس المستنفرة في فجاجتها إلى الأشكال المجرّدة والغنائية، ذات المد المستلين على حدة، ليبرز نوع من “التأليف” هو أقرب إلى كتابة ترجمة جوّانية للتجربة الإنسانية والنفسية، حيث يطل نَفَس تأملي عالٍ وفاجع. كأنما بعد تلك الرحلة المحمومة والمجنونة تراكمت كل اللحظات في لحظة درامية متفجّرة وقف فيها البطل في خراب الزمن ليتلو نهاية المرثية، أو بدايتها.

                                                                         بول شاوول

الحرب قد لا تبكيني. أغنية صغيرة قد تبكيني، أو كلمة لأنسي الحاج. هو تؤامي (…) أحترم أنسي الحاج لأنه بقي في بيروت تحت القصف، وأحبه شاعراً شاعراً وناثراً وصامتاً.

                                                                       محمدالماغوط

هذا الشاعر الذي يكتظّ بنفسه حتى لا يختلط بأحد ويشفّ حتى لا يعود أحداً، بل يصبح حالة مكاشفة بين الكائن وذاته، وبين الروح وصدئها المتراكم.

                                                                          شوقي بزيع

بعد خمسة وثلاثين عاماً (عام 1994) على صدور كتاب “لن” (صدر عام 1960) أقرأه كما لو أنني أقرأه للمرة الأولى. كأن الأعوام التي مرّت عليه لم تزده إلا تألقاً وحدّةً وسحراً. بل كأن الشاعر “المراهق” آنذاك لم يكتب كتابه الأول إلا ليُقرأ في ما بعد، ليظلّ يُقرأ جيلاً بعد جيل (…) ومن يقرأ الآن “لن” لا يصدق كيف أن إبن الثانية والعشرين إستطاع أن يخوض تجربة جحيمية مماثلة وأن يكون واحداً من “المصابين” الذين خلقوا عالم الشعر العربي الجديد.ounsi-1-1

(…) ليست اللغة لدى أنسي الحاج مرآة للعالم الداخلي بل هي العالم الداخلي في توتراته وغموضه. لم يعد بين اللغة وغايتها فرق. إنها المادة المتجسدة، الحسّية والمتجرّدة، تكتشف نفسها وتنكشف لنفسها. هي الجوهر والأداة، هي الفضاء والسديم (…) فاللغة التي تميّز بها شعر أنسي الحاج هي اللغة في ذروة تجليها…

بعد خمسة وثلاثين عاما على صدور “لن” نقرأه اليوم وكأنه كتب  للفور أو كأنه سيكتب غداً (…) وسيظلّ “لن” كتاباً فريداً ونادراً في تاريخ الشعر العربي الحديث بل تجربة يتيمة يصعب أن تتكرّر لا لفرادتها وندرتها فقط بل لطابعها الخارق والعجيب.

 عبده وازن

ثمة شيء يخيفني في تجربة أنسي الحاج، لا أعرف كيف أصفه. ربما على شكل سؤال: ما الذي كان يحدث لو أن أنسي الحاج كان مسلماً ويكتب باللغة نفسها وبالروحية نفسها التي كتب بها؟ حتماً لحدث تغيّر حقيقي في مسيرة الكتابة العربية، لأن تمرّده حقيقي، وغاية كل تمرّد حقيقي الباطنة هي ردم الدلالة الدينية للغة التي ترتكز عليها صلة ثقافة بتراثها. وكثيراً ما  كان هذا مضمراً في كتابات أنسي الحاج. أقول مضمراً، لأنه آخَر، غير مسلم، لا يحقّ له هَتْك سرّ المحرّم الإجتماعي (…)

     أنسي الحاج ليس مجرد شاعر له دواوين. إنه أشبه بشعرية – حركية لها النموذج والتنظير. ويجب أن يُقرأ شعره من خلال ما كتبه ويكتبه من مقالات تأملية أو تنظيرية. لكن هذه الحركية، هذا الشاعر المرفوض كآخر من قبل لاوعي جماعي مكبوت، ستظل مجرد أحلام يقظة تشغف بشغاف المحرّم, تحتاج إلى يوم صافٍ لكي نتنفسها هواءً صحياً، شعوراً إجتماعياً تدركه أجيال جديدة (…)

                                                                         عبد القادرالجنابي

 هل صحيح أن أنسي الحاج في ” الرأس المقطوع” شاعر يقوم بمغامرة سافرة مع الشعر؟ الجواب بلا تردد : نعم. إن الشعر عند صاحب “لن” و “الرأس المقطوع” مغامرة خطرة، متعدّدة الجوانب، واسعة الأفق، مذهلة الأبعاد. والحديث عن أنسي الحاج في “الرأس المقطوع” ليس حديثاً سهلاً إنما هو مغامرة مرعبة في البحث عن شيء ما. وهذا “الشيء ما” هو إكتشاف مثير، ممتع ورهيب.

                                                                         ريا نجيب الريس

“لن” و “الرأس المقطوع” حدث في اللغة العربية لم تستوعبه بعد، أي لم تحوله إلى تاريخها وتراثها. فهنا كتاب مضاد للادب. وكتابة لا يمكن أن تُتناول بالمعيار الأدبي أو تُقاس به (…) هي دعوة لجمالية أخرى لم يكن في وسع الجملة العربية المقنّنة المقطّرة المعلّبة أن تقبلها: كتابة تتم في تجاهل تام للأدب المكتوب بحقلي ألفاظه ودلالاته. بصلته بالمادة الأولى. بقيمته المتضمّنة. هنا يسقط الحيّز الأدبي نهائياً فيتدفق قاموساً ومجازات لم تكن البتة في الإحتمال، وهنا تبقى الكتابة على صلة بالفم والعصب. فتتسع لنص يستمد إيقاعه من توتر داخلي ومن نضارة اللغة الشفوية ومفاجآتها.

… سعي إلى كتابة شاملة، إلى نص خارج على النوع، ويخلط بين الأنواع.

                                                                    عباس بيضون

منارة إستطاعت الإنزواء والتنسّك وسط الساحة العامة.

                                                                     سمير عطالله

 الشاعر الذي غيّرنا وغيّر الشعر العربي لا يملك من صفات الشعراء “الكبار” شيئاً… إنه العاشق الذي لا يزال ينتظر الحبيبة بقصيدة ووردة.

                                                                      أمجد ناصر

  (…) والناقد العادي الذي تعوّد المقاييس التي هي غالباً جاهزة في قناني رفوف صيدلية النقد الغبراء، يستحيل عليه أن يكتب شيئاً عن أنسي، سوى الشتيمة. وأنا بدوري سأشتمه.

 عاصم الجندي

 (…) وقد إختار أنسي الحاج كلمة “لن” عنواناً لكتاب من الشعر المنثور, فقد وجد في هذه الكلمة ما يعبّر عن رفضه للواقع وتمرده عليه. ومن أقوال هذا الكاتب : “أرى     الطوفان خلاص البرّ”. إنه لا يريد سوى الخراب والهدم الكامل للعالم الذي يعيش فيه (…) وبصرف النظر عن تفاهة ما في هذه الكلمات من أفكار، إلا أنها تفوح مع ذلك برائحة وحشية تنبع من (…) نفسية قاتمة لا ترى أمامها إلا القبح والحرائق والدمار والعفن.

                                                                القاهرة – رجاء النقاش

أنسي الحاج، هل من المعقول أن تعثر على عقلك بعد أن جُنّ العالم؟

                                                                 دمشق – ممدوح عدوان

 (…) ما ” الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع” سوى كتاب الحب الذي سيقرأه الجيل على أنه كتابه. الحب، فيه، مغنّى كما ولا أجمل، ومغنّاة فيه قيم تنبع منه فتزيده توهجاً ومعمارية. ونتذكر أن قلم أنسي، الذي من نار، هو معماريّنا الأمثل.

                                                                                          سعيد عقل

هذا “التتويج للمرأة” (في “الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع”) كان ممكناً أن يذهب في الإتجاه النقيض لرفضك الأول. رفض “لن” (1960)، بكل ما يتضمّنه “تتويج المرأة” هذا من فرح وإيجابية، هل نقول إنك كتبته “عكس الكلمة” (ص 70)؟ كلا، لأن كلمتك تحب ذاتها وهي تقول ذلك، وأنت تحبها. وإنك على كل حال وجدت تناغماً سلساً، تناغماً كأنه صافٍ، يلتقي فيه النداء الشهواني للمرأة والتقديس للعذراء – الأم. إنه، إذن، تجدُّد في وحيك، وفي ثبات “الغربة” الثورية التي تطمح دائماً إلى “إحراق العالم بشمس العودة” (ص88).

وإنه لحري ببلدك، وبالعرب عموماً، أن يصغوا إلى صوت الشاعر الذي يدعوهم إلى إعادة توحيد ما جزّىء، وإلى الإستعانة بالوحدة ضد الإنقسام، علّ هذا الدفاع عن الحنان يقنعهم, أو في الأصح، يُخْضعهم لعودتهم هم.

 شكراً لهذا الكتاب الرائع، حيث عظمة الموضوع تتجاوب مع جمال الكلمة.

                                                             باريس- جاك بيرك    

 هذا الشعر لا يقرأ في المسافة التي تفصل المبنى عن المعنى.

أين نجد هذه المسافة؟

 حتى الشاعر لم يجدها، فحاول أن يخترع أشكالاً ووسائط وكلمات، هو الخائف الأكبر من شعره ومن ما قبل كلماته… مَكْرُهُ خوف وشجاعته خوف وتوحّشه خوف وصُراخه خوف وصمته خوف وعشقه خوف وخيانته خوف.

 وفي هذا الخوف ولدت تجربة تسمح لنا أن نمضي إلى ذاكرة الفضيحة والعري ونأنس إلى المجهول.

                                                                               الياس خوري

غريب أمر هذه التجربة في الشعر العربي الحديث، وغريب أمر هذه الأعمال الشعرية التي أعادت طبعها “دار الجديد” (1994): فنحن نرى إلى الديوانيين الأخيرين في الصدور الزمني (” ماذا صنعت بالذهب …” و”الرسولة…”) في صورة إسترجاعية تعيدهما إلى زمن نشرهما  الأول، فيبدوان “قديمين” في معنى ما، فيما نرى إلى الدواوين الثلاثة الأولى فنخالها، على الرغم من صدور الأول منها قبل خمسة وثلاثين عاماً، كما لو أنها خرجت دافئة مثل “هدية عيد مغلَّفة”!

… نص يبيّن التعايش المتأزم، أو الشقاق، بين المعيش والمصاغ في الكتابة العربية، أي هذا التناوب بين هواء الحياة المتغير دوماً ورسوخ النمط “الكتابي” أي الأسلوبي- التقني على الشعر الحديث. هذا ما يفسر غربته الدائمة وما يجعله صعب الوصول سواء في البلدان العربية أو في غيرها عبر الترجمة. وهذا ما يفسر قربنا منه.

                                                                  شربل داغر

 التجربة هي مثال أنسي الحاج الوحيد. إن شعره حصادها (…) إنه يتلقّى ويصغي ويتحف وكأنه ينتقل في دهاليز ومدن غريبة. يمدح أنسي الحب ويخضع له بنبل الأسير الطوعي، لكن هذا لا ينهي أزمنة الضياع، لا لأن للحب مفازاته ولكن لأنه أيضاً لا يرحم. التجربة تكبر وتسقط على الشاعر عاتية، والشاعر دائماً وحيد فيها، طفل في وحدته، ملك في وحدته.

 (…) قراءة أخرى لأنسي الحاج، ومرة أخرى كأننا لم نقرأ من قبل. ثمة الكثير الذي لا نعرفه عن ظهر قلب، لكن الأكثر الذي لا يسلم سرّه بسهولة. قراءة أخرى لأنسي الحاج ترينا مع ذلك كم بات بعض شعره حميماً لنا. لقد جعلت سنوات الحرب من هذا العاصي على الشعر شعراً يُستظهر ويُقرأ بصوت مسموع وكأن الحرب الطويلة جعلته قريباً أليفاً، بل جعلتنا أشبه به، ولعل المستقبل سيجعلنا أكثر شبهاً. ذلك إننا إذا كنا نكاد نودع هذا البلد فأننا نغدو كلنا أشبه به. ومن العبث أن نتابع أثر أنسي الحاج في شعرنا. إنه منعطف. وإذا كان المنعطف كبيراً يصعب أن نحصي المارة.

                                                                          عباس بيضون

(…) واليوم (1994) خمس وثلاثون سنة مرت على “لن” ونقرأها ونقرأ “الرأس المقطوع”  و”ماضي الأيام الآتية” و”ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة” و”الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع”، نقرأ الكفر فإذا هو إيمان، ونقرأ الجحيم فإذا هو فردوس، ونقرأ الثورة فإذا هي حنان، ونقرأ العاصفة فإذا هي الميناء.

 (…) خمس وثلاثون سنة! هل يُعقل؟ وهل هذا صحيح؟

نعم خمس وثلاثون بتمامها وكمالها، كأنها صدمة الحلم الجميلة، ومن “لن” إلى “الرسولة” أي تناقض! بل أي تكامل! و”الرسولة…” وجدت جذورها في “لن” من الأساس، وإلا فلا معنى لكل هذا الكلام. فشاعر اللعنة وشاعر الكفر هو نفسه شاعر القداسة والبركة، هو نفسه شاعر الجحيم والفردوس، وكل كتاب حمل في طيّاته الكتب الأخرى (…) كل مجموعة كانت الجسر، كانت الجسر إلى الشعر وإلى الحقيقة وإلى المستقبل.

                                                                              عقل العويط

يكتب قصيدته كمن يغسل ذاكرته ليفتحها على درجة الصفر الطازجة للشعر.

                                                                             علوية صبح

          إنه يبدع أي إبداع في الكتابة عن المرأة. بل هو لا يبدع إبداعه إلا في الكتابة عنها أو عما يمتّ إليها بصلة. وأنا لا أبالغ في ما أقول ولا أتعسف، فأنسي الحاج يعتبر أن المرأة هي ” أرض الكلمات وفضاؤها.”، ويعترف بأنه “لم يحب إلا ما فيه إمرأة” كما جاء في أحد نصوصه “هذا العالم لولاك”. من هنا تحضر المرأة في كتاباته أجمل الحضور وأبلغه، وتبدو متعة البلاغة، في كلماته، الوجه الآخر لبلاغة المتعة.

                                                                            علي حرب

إنه هذه المرة صوت مغامر لا في اللغة واحتمالاتها بل في الحياة نفسها.

                                                                           وليد عبود

الذهاب أقصى من الكلمات.

                                                                   سعيد كرامي- المغرب

(…) عشت مع صفحات “كلمات كلمات كلمات” رحلة مذهلة مع الحلم والنبؤة والنوم والرؤيا، ووجدت “كلمات…”كتاباً راهناً أكثر من أي وقت مضى، كتاباً بالغ الجدية في زمن الكلام “الشيكلتس” والصداقات “الكلينكس” لا أتمنى أن تخلو منه مكتبة بيت لبناني أو جامعة أو مركز أبحاث عربي أيضاً، ومن رأى العبرة في غيره لربما إعتبر!.ounsi-4-4

 كأي عمل إبداعي،”كلمات…” نستطيع قراءته اليوم وغداً وأبداً، وعلى مستويات عدة، على مستوى سياسي وإنساني واجتماعي ووجودي وشعري وقصصي ومسرحي. إنه كتاب الحرية. كتاب ما قبل السقوط في الخطيئة. وكتاب الندم للذين لم يقترفوا أكل التفاحة بل أكلتهم هي! إنه كتاب الظلام الدامس الساطع بعتمته لشجاع يقف في “قلب جثته عاصفة من الحياة يخرقها الوعد كما لا يزال البرق يخترق ظلام الليل وكما سيظل يخترقه إلى الأبد”.

                                                                      غادة السمّان

هذا هو الشاعر أمامنا، إذن، باقٍ على حاله من الجمال، “ينساب كالماء بين الصخور” ويتلألأ على صفحات “وليمته” مثل دمعات زئبق وهّاجة تسيل أعماقها إلى ما لا نهاية ويجنّ بريقها إلى ما شاء الله. وكلما ظنّ القارىء إنه تمكّن من لمّ شمل هذه الأعماق المتهورة المتوارية المتوالدة، وخيّل إليه أنه توصل إلى حصر مسافة جنوح الزئبق، سال اللمعان مجدداً، وسال معه لون الوقت ولون القلب. كأن السحر مادة كلمات أنسي الحاج. مادتها الخام. وعليه، بالسحر الذي لم يسبق لشاعرنا أن رضي لنفسه أو لجمهوره بأقل منه، بالسحر يستدعي قرّاءه. ب”وليمة” من السحر. ساحر بمفهوم الكلمة البسيط جداً، غير المنشغل ب”الأشكال والرموز”(…)

 أنسي الحاج يصيب قارئه بردة فعل واحدة، لا دخل لها بإرادة القارىء الواعية، يصيبه بفجائية الإنسحار، كما لو بضربة شمس (…)

                                                                       منى سابا رحّال

لماذا لا تموت يا سيدي الشاعر، لكي أحاول نسيانك؟ ذاكرتي إمتلأت بك. صرت أحفظك عن ظهر قلب. ودائماً, حين تكتب، “أخمّن”… لكنك تفاجىء الروح من حيث لا تدري.

أريد أن أكرهك، كما أحبك الآن… لكن حروفك الملتصقة بي تغلق دوني الباب…

لماذا لم تمت يا سيدي البحّار حتى الآن؟ أم علينا أن نموت نحن لكي تتخلص أرواحنا من فيء روحك الغامق؟(…)

إنك تربك روحي (…) كيف تدير مفاتيح الإصغاء لدينا, وتلخبط كل موجاتنا؟ إنك تربك روحي حقاً، وتشوّشها. وفي جملة واحدة (“المسافة هي الغرق بلا موت”) تقدم لنا صفاءنا المفقود.

  (…)خيّل إليّ إني حين أسافر أستطيع الإبتعاد عنك مسافة كافية… لكي أطلق الرصاص. وأطلقتُ فعلاً على المدى الضيق الذي حبست الروح فيه. إنك كاليقين بالله لا يستطيع حتى الماركسيون إنتزاع النفس من سطوته. ها أنا في العتمة، مدّ يدك وأشعل القلب.

                                                                 حسين الشيخ- هلسنكي

 محال الكتابة عن أنسي الحاج، المحتجب والمكشوف مثل كف (…) أنسي الحاج يُنتظر (…) ثم ينقضّ. ينقضّ دوما على نفسه. وتتوهج الصورة بعد الصورة لديه حتى الرهبة.

محال، إذن، إختزال أنسي الحاج، بسطه أو تكثيفه.

العنيد القاسي المتهور والمجنون، حتى خارج الكتابة(…) هو، مع ذلك، حنون مثل دمعة، حنون ومارد في آن واحد، مشيّداً لعصر من الأعاجيب تفتحت في الكيان اللبناني.

(…) أذكره حين أذكره في مكتبه في الحمراء منكّباً على أوراقه فاتحاً صدره مثل قَدَر لجميع المبتدئين بمحبة تشبه الإتحاد والغروب.

أذكره كاشفاً ومشعّاً وملهماً.

أذكره محاكِماً وقاضياً ومؤطراً ومصنفاً ومتوّجاً.

أذكره معزّياً ومؤاسياً وحاميا ومدهوشاً(…)

أذكره غارساً ما يرى في بئر من روح لا يعرف أغوارها إلا ألله.

 (…) هو الذي يحمل طفولته كالفجيعة، له من الأحباء والمريدين أكثر مما نعرف، وأكثر مما هو يعرف.

 وها هو لربما لأجلهم يعود من جديد على كراسي الندى والشمس(…)

                                                                        هدى النعماني

     لم يُجعل أنسي الحاج أسير “لن” ومقدمته؟

     ولمَ لا تُقرأ تجربة هذا الشاعر في سياق إيصالها وانقطاعها وإنكارها المتصل لما أنجَزَتهُ برفضها الحدود التي رسمتها لذاتها بداية ثم لم تكف عن الخروج عليها وعنها، على غرار القول الذي يُنشأ على إستدراك لا يني يفضح نقصان القول إذ يقال.

                                                                           بسام حجّار

أول ما يجب التأكيد عليه أن تجربة أنسي الحاج الشعرية، وإن لم تُكتَب على أوزان الخليل وتفعيلاته، تجربة شعريّة حقيقية. فأية قراءة نقدية باردة لإعماله كفيلة أن تضع القارىء في مناخ الشعر وحرائقه وأهواله، بل في خضم تجربة روحية جوّانية قد لا يكون لها نظير في تاريخ شعراء لبنان، إلا عند الياس أبو شبكة الذي عرف أقاليم النعمة والخطيئة على نحو فاجع كالذي عرفه أنسي الحاج(…)

                                                                          جهاد فاضل

في “لن” و”الرأس المقطوع” و”ماضي الأيام الآتية” مغامرة في مجهول الرؤيا الإنسانيّة وفي مجهول النفس والحواس والموت والحياة والخوف.

                                                                        بول شاوول

قصائد “الوليمة” هي كتابة الغضب والألم، لكنها الكتابة التي تعجز – ويعرف كاتبها إنها تعجز – عن جعل الكلمات لها قوة فورية تمحو ما لا يلائم وتبني على الفور ما يلائم وما يستحب. ولأنها عاجزة – ويدرك الكاتب عجزها – تفيض بالألم الإلهي الذي لا سبيل إلى ردّه.

                                                                              بلال خبيز

       شاعر المفارقات، يحمل في داخله الشيء ونقيضه ويتوزع بين المقدّس والمدنّس، بين الرقّة والقسوة، وبين الطهر والإثم. وعالمه مزيج من وثنية قبل – دينية تقوم على إحتفالية الحواس والرغبات، ومن نزوع لاهوتي مشرقي يجد جذوره في التوراة وغيره من الكتب السماوية(…) في اليمن يتحدث الذين “يخزنون” القات عن ساعة الذروة التي يبلغونها أثناء مضغهم لتلك النبتة الساحرة والتي تقع على الحدود بين الإنتباه والخدر وبين الغبطة والتلاشي، ويطلقون عليها إسم “الساعة السليمانية” التي يتصالح أبّانها الجسد مع الروح والملاك مع الشيطان. ولا أجد أكثر دلالة على شعر أنسي الحاج من مثل هذه الساعة. ولعل بين أنسي وسليمان أكثر من وجه شبه. ألم يكتب أنسي “نشيد أنشاده” الخاص به في “الرسولة…” و”الوليمة” كما فعل سليمان؟ ألم يصالح مثله بين العناصر والكائنات ويوّشح “هيكل البغضاء بوشاح من حرير لبنان”؟ ومثله يعلن أنسي الحاج:

     “كما لم يمت لي حبّ

      لن يموت لي ثأر

      حتى يصبح للحمل قوة الذئب

     وللحمامة قدرة العقاب الكاسرة”.

                                                                       شوقي بزيع

إن ما تعلنه هذه القصائد من إنتفاضة على الخضوع والتردي والإرهاب، وما تمثله من إعتناق للحرية وممارسة للتمرد وإبداع للمدهش … نموذج لموقف تاريخي من وضع، وهو في تناقضه معه ومع نفسه دليل لما يجدر القيام به في وضع آخر. إنها هكذا أقرب ما تكون إلى عفاريت النبي سليمان في قماقمها، وقُرّاؤها أقرب ما يكونون إلى صيّادين.

                                                               الدكتور سامي سويدان

قد تكون “الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع” وساماً تفاخر به المرأة ودليلاً ساطعاً على ما جاد به الله عليها.

                                                                                حنان عاد

إنه هو صانع الخرافة، تسكن عالمه الواعي واللاواعي جنيّات لا أجساد لهن، عاشقات ما بعد المضاجعة، ما بعد اللقاء، ما بعد الحمّى ودفء التجاذب والنشوة الجسدية: “أعيش في ذكرياتنا المقبلة كما يعيش الحجر تحت الماء”.

                                                                                لور غريّب

         وله السعد، أنسي الحاج يومذاك، بأن يكون أخرجنا ولو لهنيهات قبل إرجاعنا عسفاً إلى الظلمات، من ظلمة التوحش المقزّز الافهام والمفتري التخرص على الألباب بالأوهام، إلى نور التوحد بالتي فازت بعذوبة وبالعذوبة، الرسولة بالشعر إلى الينابيع، صفوة الطهر وزهرة الإنبعاث وسرّ التجلي.

                                                                         منذر حلاوي

       أنسي الحاج، وخصوصاً في “الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع”، لغة شعرية تختصر الحبّ وتختزل الألوهة.

        … “الرسولة…”, مؤنسة ليلنا حيناً من العمر بعد حين، ربما عدنا إليها ثم عدنا نتقراها ونستزيد، نرود إنساناً بكر العوالم يشهد أن الحب، ولا سيما الحب الإلهي، هو، في واقع الحقيقة، سرّ الأصالة والإبداع.

                                                                   خليل رامز سركيس

        أما هو فنوافذه كلّها مشرّعة

         يا لزرقة ما يَرى، ويا لظلمة ما يرى…

                                                                     أنطوان الدويهي

(…) وهو على هذا النحو، كيف يمكن للأوزان والقوافي أن تطيقه وأن تتحمل مخالبه في أسرها، في إطارها؟ وكيف يمكن أنسي الحاج ذاته أن يبقى عند حدود المتعارف عليه، عقلاً وعاطفة وخيالاً، فلا يحيد إلى مسافة شاسعة عن الحدود والإمكانات البصرية والذهنية؟ وكيف يبقى “موزوناً” “ومقفّى”؟

    فلا بد من النثر، وكان نثر أنسي الحاج تلك العاصفة، كان أجنحة فوق أجنحة، فوق أجنحة. وكان به ذلك السفر إلى تحت وفوق وأمام وإلى اليسار واليمين (…)

   وكان إلحاح أنسي الحاج على النثر أنْ غدا النثر جوهراً في الشعر.

شوقي أبي شقرا

لا أهمية قط لدى أنسي الحاج، لما يسمّى، لما يعطى تحديداً واضحاً ما. الأهمية هي لما لا يسمّى. لا يُحدّد. ولما كانت الصناعة الحديثة تلد الشيء واسمه، وقد يسبقه إسمه فقد ذهب أنسي الحاج – حتى يتجاوزها – إلى صنع ما ليس، وما ليس له إسم.

                                                                          هنري حاماتي

(…) ولا يعوّض الشاعر شيئاً مما يفقده، وهو يسرف في صرف روحه وجسده تجاه حبّه، ولا يأخذ شيئاً. إنه في حالة الثمل الشديد ورقص الدراويش وغيبوبة الصوفيين يغدق مما عنده بوفرة، حتى إذا نفذ الصمت لجأ إلى صرف الصوت، وصرف ما لا ينصرف.

                                                                                   زهيرغانم

      لم ألتق أنسي الحاج سوى مرة واحدة… كانت كافية لتشعرني انني اقف امام آخر القديسين. في لمحة شعرت كم يشبه هذا المتعبد قصيدته. كم يلّخص في وجهه الضوئي إتساع النار… وكم يختصر في كلماته القليلات دوائر الوهج وفضيلة التوهج. (…) قصيدة أنسي الحاج بوابة تقودنا إلى النار، نار التطهّر. ربما هي الوحيدة التي تقول ولا تقول، تضوع بسرها. وتصمت … ربما هي الشعر كله، ولا تدّعيه…

                                                                         مردوك الشامي

      الصادق الذي رأى.

                                                                            إيلي الحاج

        لبنان أنسي الحاج الشاعر، الناثر، المجنون، المتوهّج، الصدامي، المغيّر، العاصي، يمتثل كله في “كلمات كلمات كلمات”. كتاب هذا الجيل الذي خربط المعادلات في الشعر والنثر والحرية والسياسة والجمال، ليقرأ لا ليُحفظ في البيوت أو في المكتبات، لأنه كتاب صرخة “بيروت الذهبية” التي حملها إلينا قلم كاتب كبير، في قلبه كل الحب وكل الثورة وكل الجنون.

                                                                        رياض فاخوري

(…) هو الحديث لأنه مستعد دائماً لإحراق الأفكار القديمة، والأفكار الجديدة، والأفكار التي قد تستجد، إذا خلت من زيت الأصالة الأبدي الإحتراق(…)

        هو الذاهب إلى معادن الحقائق (…) المفجّر جنونه للإمساك بجذور العقل، المفجّر فعله للإمساك بشعر الجنون الجميل (…) هو العنيف القادر لأنه شفاف ومنكسر، ورقيق (…) هو المنسجم المتناغم لأنه متناقض (…) هو القائل ما لا يقوله سواه، مطلق الرصاصة الأولى، اللآعب بالنار، أول فارس يترجّل لمقاتلة التنّين، كاشف السرَ في إحتفال (…) هو الفاتح أبواب المشاعر بعضاً على بعض (…) هو الشّاق قناة للشعر كلما ضرب قلمه في تراب  الحياة، والكاتب بالمشاعل لا بالمحابر …

                                                                  الدكتور غالب غانم

من الهاوية ينادي أنسي الحاج ( في “الوليمة”) مكامن الجمال ويعيش في الذكريات المقبلة، يتناقض، يهرب، يعلن صدقه إلهاً، ينتمي إلى حلم، يمزج بين امرأة ووطن، يمتلىء بنقصانه، يختبىء من وجهه، يصلّي ولمرة أولى لبنان في شعره كلمة وجع وحرّية وحبّ.

                                                                            عماد موسى

الشعر مع أنسي الحاج هو الجو الآخر، غير المألوف ولا المدجّن. جو طليق تماماً كما لو أنه “اللاجو”. ونكاد نقول أن كل ما هو شعر في نظر غيره، إنما هو كلام منبطح في نظره وخال من أي بريق، بريق الداخل نقصد وليس بهرجة الزخارف البيانية الباردة.

                                                                   الدكتور جورج طراد

شعر أنسي الحاج، شعر يبتعد ليشكّل على صورته ومثاله هو بالذات… إنه بايجاز توهّج الصمت النابض بحرائقه الفاتنة، توهّج يتقدم إلينا كمدينة بيضاء هائلة في الحلم.

                                                                           شارل شهوان

صحيح أن أنسي الحاج نافخ في مزمار نبي ولكنّه ثائر. وصحيح إنه مترسل للحرية، لكنه “إلتزم” الكهانة في هيكل الشعر الحديث. وصحيح إنه بريء، لكنه ممّن سفكوا دم الشعر التقليدي ولم يغسل يديه من دم هذا الشعر الذي قد لا يكون صدّيقاً.

                                                                   الدكتور أنطوان معلوف

هذا الشاعر الذي قام من حمأة الخطيئة عاد وفي يده كتاب صلاة وعلى شفتيه تراتيل وقد إرتفع من حدّ النقمة إلى حدّ النعمة فصار شعره قصيدة مضخّمة بعطر بخور يبارك الزمن ويمحو المآثم. وأصبحت قصيدة النثر معه أطروحة العالم الطالع.

                                                                    الدكتور منيف موسى

لعب كتاب “لن” دوراً مهماً في عالم الشعر العربي. فقد رفض أنسي الحاج في هذا الديوان القيود الخليلية التقليدية للتعبير عن تجربته الفنية كما رفض التفعيلة كوحدة إيقاعية في “الشعر الحر” وتخلى عن كل أشكال الواقع الخارجي الناجم عن القوافي، بل توجّه إلى اللغة مباشرة ليستخرج مواده الشعرية الخاصة وإيقاعاته الموسيقية.

                                                                 الدكتور عبد الحميد جيدة

أذكر إنني زرت أنسي الحاج مرة واحدة، في عين سعادة، خلال الحرب، وبيروت تشتعل والمدافع تفتح أشداقها في كل مكان. حاولت مع موريس عواد أن نجرّ الرجل إلى الكلام. أمضينا ساعة صمت وانسحبنا. ها هو الفارس يحتجّ بالصمت على عالم بناه بالكلام (…) لم يحصل الصمت لأن الكلام إنتهى بل حصل لأن الإنسان يشهد ولادته الثانية وسط شيخوخة العالم. أضاء أنسي الحاج، فعلاً، كل الإتجاهات. أبحر عكس التيار. ليس شاعر قبول. هو ضمير الحرية ووجدان الشعب وينبوع صفاء للوطن. أحبّ كثيراً وهو يكتب ويحيا، ولذلك تألّم كثيراً. فبين حياة الحب وجلجلة الألم ولدت كلماته في وجودنا.ounsi 5

                                                              الدكتور ربيعة أبي فاضل

 (…) إن دراسة عميقة طويلة للمقدمة التي وضعها أنسي الحاج لمجموعته “كلمات كلمات كلمات” (…) قد تكون الساعد الأيمن والمرجع الأفضل لمن يرغب مستقبلاً في دراسة هذا الشعر وكتب الحياة.

                                                               إقبال الشايب غانم 

 ومن جمالات هذا الكلام (العنوان) أيضاً، هذا التقابل الثنائي بين الذهب (…) والوردة (…) والاحتراق الثنائي الملتحم بالالتقاء النهائي (إلغائي) يشكلان معاً وحدة جدل غني متعدّد الحركة خصيب ومخصّب بالتزاوج الذي هو الإختلاف والاتفاق، الإختراق والالتقاء في آن واحد. هنا حيث تتفتّق حنطة الوجع عن سنبلة السؤال. فنحن إذن حيال ثلاثية جدلية منبثقة من أصل واحد قائمة فيه. وهذا هو الشكل الأمثل للجدل الهيغلي.

                                                                           محمد العبد الله

 هو شاعر أرستقراطي الروح ، حيث ينتفي امكان التنازل، وحيث يستحيل التعبير عن أي شيء لا ينتمي بعمق إلى مكنونات الذات، في هدأة الصفاء والشفافية كما في رهبة الظلمات واللجج. فسيادة الروح لا تقبل بغير ذلك.

فهذه الكتابة هي النقيض الأمثل لكتابات الفراغ الأدبي حيث لا ارتكاز على التجربة الداخلية، كما هي النقيض الأمثل ل”الأدب الثقافي” إذا جاز التعبير حيث تتم إعادة إنتاج التراثات الأدبية الأخرى بهذه الدرجة أو تلك من النجاح (…)

ومن مفارقات التاريخ، إنه في هذا المدى الطويل من الزمن، وكلما ابتعد الزمن، سوف يبدو الأدب الأكثر ذاتية والابعد عن الالتزام، أدب أنسي الحاج، كأنه أكثر إلتزاماً.

ذلك أن روح الحرية التي تسكنه، بما ينطوي عليه من أنسنة وتحرّر وجودي وتعبير عن الذات الجماعية، تحمل في داخلها ما تحمله من بذور الولات والنهضات.

                                                                          أنطوان الدويهي

  أنسي الحاج متل الشجرا بس تنزرع: كل ما كبرت، كل ما أخدت طلّي جديدي ولون جديد.

(…) بعض الشعرا غيّروا الكاس، والبعض غيّروا الخمر. أنسي الحاج بدو يغيّر الكاس، والخمر، والمطرح.

  (…) وقفتو ع المدماك الرابع خلّتو يشوف كل شي ويطل خلف الإشيا، غطس كلو سوا بنهر الإنسان والحب والإشيا، ومش باقي غير راسو ع جرح المي.

                                                                         موريس عواد

شاعر يقاسم اللغة الهدم… خط سيره عمودي. ألفاظه، بعضها أجساد غنية بذاتها (وهي قليلة) والبقية تغتصب غناها من علاقاتها وتراسلها في ما بينها… شعره مغامرة. تُظّن غموضاً، لأن كل مغامرة ضرب في المجهول. لكنه غموض لا يتواقح. فإن آنسته كاشفك بمشاهداته في أسفاره مع اللغة. وتركك بين مصدق وغير مصدق إنه كاشفك بالحقيقة. وهذه ميزة الشعراء ذوي الخط العامودي: إنهم مستودع النصوص المقدّسة.

                                                                     هنري فريد صعب

   لقد طرح أنسي الحاج الحرية بوصفها إشكالية ملعونة، تشترط الصرامة الشكلية والدقة، كما تشترط حريتها بلا تعريف، بلا مقدمات، بلا ضفاف، أي بوصفها إيماناً وخطيئة، إنعتاقاً والتزاماً، في آن واحد. لقد طرح الحداثة في أفضل تجلياتها وأصحّها. ولقد ضيّعت العروبة العقائدية على الأدب العربي فرصة تاريخية لا تعوّض، حيث، بمقاييسها وشروطها وعبر سلطتها وقوتها الإجرائية والرقابية، كبحت حركة الحداثة وحاصرتها وحظّرت عليها الانتشار والتداول وفوتّت فرصة الاطلاع عليها، ولم تسمح إلا بحداثة ناقصة، منمذجة على طريقة أصحاب عقيدة أنصاف الأشياء (…) أي أباحت “الحداثة” الكارثية.

 (…) هذا التمرد وصحبه لو أعطي الشعر العربي فرصة الاحتكاك بهم إحتكاكاً طبيعياً ومستمراً، من المحيط إلى الخليج، لكانت الحداثة الشعرية العربية اليوم ليس أعمق وأقوى فحسب، بل لكانت في ذروتها العالمية، والعالمية حقاً. إن العرب خسروا ما يمكن أن نسميه “الجنون”، الجنون الأخاذّ، المفتوح على أجمل إغراءات الشعر، الجنون الذي يحيل الشعر إلى دفق شيطاني ووحي ملائكي في جسد الإنسان المنتصر بخياله ومغامراته.

                                                                          يوسف بزي

  إنه النص الذي يولد داخل القطيعة، داخل تلك القوى التي تأمر الكلمات شئنا أم أبينا.

                                                                           اسكندر حبش

“وليمة” أنسي الحاج فرح الشعر (…) معها نعتقد أن قصيدة النثر العربية ستعود إلى سجال العافية. القصيدة في شعريتها، واللعب اللغوي في البساطة والضؤ، والوضوح في حال التوهّج الدائم، والعالم خارج النفس وداخل النفس يتحرر من شرط الزمان… وتحت الشمس الحنون لا يتفيأ بل يؤسس الظلال.

                         محمد علي فرحات

  (…) مهما بالغ الشاعر في الخطيئة، ومهما كان مارقاً ذات يوم أو إلى الأبد، فإني، بخلاف الكثير من القراءات لشعر أنسي الحاج، أجده شعراً يسعى إلى أمل ما، إلى كوّة تضيء وشجرة لا تحرم الأرض ظلّها ونبع لا ينضب ماؤه، يبشر بخلاصٍ ما بعيد عن أي معنى لاهوتي أو إيديولوجي (…) شعر يدمّر ويهدم ليبدأ من جديد عالماً على هواه، عالم الحرية والحب والرجاء.

                                                                           زاهي وهبة

 جديد بضّ، معتّق كالشمس، كالقمر، موقظ الغرائز الجميلة، المعيد كرامة اللغة والمبدّد ليلها السلبين المقيم لنا “الوليمة” الموعودة. أنسي الحاج يصالحنا مع الشعر، يصالحنا مع المتناقضات التي تصنع الكتابة الممتازة، مع الحب والحقد يصالحنا، ويصالحنا مع الغفران والثأر.

                                                                         عقل العويط

 شاعر الثورة والحب … بقي دائماً أشبه بأمير أسطوري لا يتخلى عن حلّته… والثوب الأميري هو لشاعر متفرّد يصحّ في صاحبه القول التقليدي إنه نسيج وحده.

                                                                               جورج جحا

     (…) هكذا لا يعبّر التمرد والعنف الهدمي في عمل الماغوط وتوفيق صايغ وأنسي الحاج عن نفسهما على صعيد المفردات والدلالة وحسب. بل كذلك على صعيد الأداة التعبيرية التي تكشف، بالاضافة إلى هجران القافية والوزن، عن إبتعاد كبير عن المنطق الجمالي التقليدي. وإذا كان الماغوط في قصائده “البرية” يبدو محافظاًعلى صفاء تركيبي وموسيقي معين لمصلحة صور “متناقضة” على نحو مصمم وأخاذ، وإذا كان يهمل، غالباً، التشكيل الطباعي لقصيدته، فإن صايغ، وخصوصاً أنسي الحاج في قصيدته “الوحشية”، يبدوان أكثر إعتماداً على الصدفة الناتجة من “فوضى” العمل الشعري، وذلك على جميع أصعدة التعبير: القاموسية والبنائية والدلالية و”الايقاعية” والاخراجية والخطيّة، الخ…

      وبتعبير آخر، إذا كانت النزعة الفوضوية للماغوط تكشف عن نفسها على مستوى “الكيمياء الداخلية” للقصيدة،  فإن “فوضى” أنسي الحاج تبدو أكثر توهّجاً على مستوى “الآليات الجسدية للتعبير”.

      ومهما يكن من أمر، ففي إستطاعتنا اعتبار القصيدة الفوضوية ليس فقط ك”طباق” للقصيدة التقليدية، الرومنتيكية على وجه التحديد، بل كذلك بمثابة رد إحتجاجي أكثر حداثة على الشكل المنظم، المتجانس، والشديد الصرامة لما تتم دعوته، أحياناً، بالشعر المعاصر “الكبير”. ذلك أن رواد هذه “القصيدة الصرخة” ينتمون، سواء في رؤياهم الثقافية والفنية أو في موقفهم من العالم والانسان والفن، إلى هذا “الجيل الغاضب” من الادب العالمي.

                                                                           كمال خير بك

     إذا كان قيس أول من اخترع شعر الحب عند العرب، فإن أنسي الحاج هو أشهر شاعر حب عربي اليوم، وشعره الأخير بمثابة قصيدة حب طويلة حيث يلتقي الذكر والأنثى بأصولهما الأولى.

                                                                              عابد عازرية

   والشاعر الذي استهل تجربته الاولى “لن” مشكّكاً في الشعر كصنيع فني في المقدمة الشهيرة التي أصبحت بمثابة بيان للحداثة الشعرية، ها هو مأخوذ بالأسئلة التي يثيرها الشعر دوماً. وكأن القلق الذي اعتراه منذ بداياته ما زال يعتريه في سنوات النضج وزاد ربما من سعيره ذاك العنف الأعمى الذي دمر الماضي والحاضر، الواقع والحلم على السواء. وبدا أثره جلياً في قصائد كثيرة، صاخبة بالصراخ الخافت والحشرجة والألم والاحتجاج… ولا غرابة في أن يشك الشاعر في الشعر وأن يعلن كراهيته له فيما هو يمعن في كتابته. فالكراهية هنا ليست إلا وجهاً من وجوه الحب. والشاعر لا يكره الشعر إلا لأنه معجزته الوحيدة. وهو لا يكرهه أيضاً إلا لأن الشعر خانه إذ لم يكن له فعل الأعجوبة. إنها معادلة الفيلسوف كيركيغارد التي تقلب الكراهية لله حباً له.

 عبده وازن

  اتجه أنسي الحاج ، بكليته ، الى الكتابة . الى تعزيز فردية لا تقبل المشاركة الا مع ذاتها . وحيث تتحول الكتابة الى اقتراح مفتوح ، يتشارك فيه : قابلية القارئ لنسيان أولوياته ، وكتابة الشاعر من نقطة الصفر ، في اتحاد الصوت وكسر البنية الزمنية الواصفة الشعر الأنسيّ ، صارت – أي هذه الكتابة –  الشعرَ الذي لايشبه الا نفسه من حيث هو ابتكارٌ لامحدود .

   عهد فاضل

اترك رد