حصة البوحيمد – السعودية
كنت صغيرة أرسلتني أمي لجيراننا لقضاء بعض حاجتها، البيت ليس بعيداً فالبيوت متلاصقة يجمعها حي طيني بشوارعه الضيقة الدافئة، دلفت من بابهم الكبير صدئي الملامح والمفتوح على مصراعيه، (بسطتهم) المتسعة منفذ لحُجر البيت، اعتدت هذا المكان فكثيراً ما أزورهم مع أمي.
لفت نظري بريق على ضوء النهار المتسلل من الحوش، اقتربت منه فإذا هو عصفور بلاستيكي، لونه القرمزي وشكله الانسيابي الناعم جذبني وأنساني مهمتي التي أُرسلت لها، تناولته ووضعته في فمي وإذا هو يطلق أصواتاً جميلة تمازجت مع رغبتي الشديدة في اقتنائه.
انفرجت أناملي وسقط العصفور من يدي حين تذكرت صرامة أمي، أنهيت مهمتي وهممت العودة، وتحت إلحاح النزوة وتلهفاً لكل غريب في بيئة غابت عنها معالم الحداثة؛ عدت لألتقط العصفور مرةً أخرى وأنا أرقب المكان، مسحت عليه بلطف وأنا أبتسم، تسحَّبتُ خارجةً وفي داخلي نشوة يخالجهاخوف يفقدني بعضاً من تركيزي.
في الطريق خُيِّل إليَّ أن نظرات المارة تتساقط ريبةً ولوماً على جسدي المتسارع في الخُطا، دخلت البيت، سمعت صوت أمي، ارتبكت، خبأت العصفور في مجلس الضيوف حتى لا تراه أمي فتنهال الأسئلة، ومن حسن الطالع أنه في مقدمة البيت، ومن حين لآخر أسترق وقتاً للعصفور أتناغم مع صوته ثم أعيده في مخبئه.
القلق يسيطر على ملامحي وتحركاتي، أحسست أن أمي ترقبني وتساؤلات خرساء في ناظريها تلسع مشاعري، تذكرت يوماً عاقبت أختي ومنعتها من دخول البيت حتى تأكدت أن الريال الذي في يدها من خالي حين جاءته في دكانه القريب من بيتنا.
ارتعدت مفاصلي، نحرت نزوتي استليت العصفور من مخبئة، وفي خلسةٍ ألقيته في مكانه، عدت بنفَسٍ منتظم وجسد متوازن، وقد تعاظمت في داخلي قِيَم أمي …