كَالحُلْمِ، كَإِطلالِ القَمَرِ، مِن خَلفِ ضَبابٍ مُنتَثِرِ
بَرَزَت، واللَّيلُ يُعانِقُها، ويُقَبِّلُ مَبسِمَها الخَمرِي
قالَت، وسُكُونٌ باتَ يُثِيرُ الحِسَّ الهاجِعَ في السُّرُرِ:
يا لَيلُ عَبِيرُكَ مِن طِيبِي الفَوَّاحِ، ودِفْئُكَ مِن شَرَرِي
أَنا عِطْرُكَ، لَو تَدرِي وتَرَى، ونَسِيمُكَ يَرفَلُ في عِطْرِي
وبِصَمتِكَ كَم جاشَت فِيَّ الأَشواقُ، وكَم قَضَّت خِدْرِي
قالَت: أَتُحِبُّ قِلالَ* العاجِ، وتَعشَقُ أَكوازَ الصَّدرِ؟!
أَتُحِبُّ النَّارَ على شَفَتِي، أَم تَخْشَ اللَّسعَةَ مِن جَمْرِي؟!
شَفَتايَ أَنا وَقْعُ الحُمَّى، بُركانٌ لِلشَّهوَةِ يَجرِي
أَتُحِبُّ الرِّحلَةَ في جَسَدٍ كَم تاهَ بِوَجْدِكَ في السِّرِّ؟!
فَأَجَبتُ، وفي قَلبِي ظَمَأٌ: أَيَطِيبُ العَيشُ مع الهَجْرِ؟!
يا حُلوَةُ قد طالَ هُيامِي، يا جِنًّا تَأكُلُ مِن عُمرِي
أَنا أَحيا في عَينَيكِ… فَهَل عَيناكِ بِأَشواقِي تَدرِي؟!
أَفَما آوَيتُكِ في قَلبِي، فَبِدَفْقِ شَرايِينِي تَسرِي؟!
أَنتِ، يا حُلْمًا يَتَهادَى كَالنَّغَمِ الضَّائِعِ في الوَتَرِ
كَم نَسَجَ القَلبُ لَكِ بُرْدًا، مَسحُوبًا مِن لَونِ الفَجرِ
وأَقُولُ لَكِ يا مُلهِمَتِي أَنتِ مِن شِعرِي رُؤَى شِعرِي!
***
وأَغِيبُ على الجَسَدِ العارِي، نَشوانًا مِن دُونِ الخَمرِ
ما بَينَ جُمُوحِ النَّهدِ وما يَتَلَظَّى في الكَهْفِ السِّحرِي
أَبقَى مَشدُودًا في نَهَمٍ، زُنَّارًا يِعصِرُ بِالخَصْرِ
وأَجُوبُ مُرُوجًا وتِلالًا، وأَضِيعُ على مَدِّ الزَّهْرِ
فَتَهِلُّ سَواقِيها طَرَبًا، عَجْلَى تَتَناغَمُ في بَحْرِي!
***
وأَهِيمُ أَهِيمُ بِلا حَرَجٍ، بِتَفاصِيلِ الجَسَدِ المُغْرِي
لَم تَبْقَ مِنِّي جارِحَةٌ لَم تَفْضَحْ، في عَلَنٍ، أَمْرِي
وتَقُولُ، وقد باتَت ظَمْأَى، كَرِمالٍ تَهجَعُ في قَفْرِ
والزَّفْرَةُ تَصعَدُ نِيرانًا، مِن لَهَبِ الجِسمِ المُستَعِرِ:
قد خِلتُكَ في الحُبِّ وَلِيدًا يَحْبُو، لَم يَكْحَلْ بِالوَبَرِ
وأَراكَ اليَومَ كَشَلَّالٍ يَنهالُ مِنَ الجُرْفِ الصَّخْرِي
كَقَطِيْعٍ مِنْ وَحْشٍ جَفَلَتْ، كَزِحامٍ مِنْ خَيْلِ تَتَرِي
كَالطَّعنَةِ في الجُرْحِ تُغَنِّي، كَالمُديَةِ تَرقُصُ في النَّحْرِ!
***
وتَغِيبُ الحَسناءُ الوَلْهَى، بِضَبابٍ مِن لَيلٍ غَجَرِي
ونَصِيْرُ على وَهَجِ الحُمَّى كُفَّارًا في يَومِ الحَشْرِ!
***
* قِلال: جَمْعُ قَلَّة / قَلَّة: جَرَّةٌ عَظِيمَةٌ مِن فَخَّار؛ كُوزٌ صَغِير