قدم “التشبيك للتواصل الثقافي” على مدرجات معبد “باخوس” في قلعة بعلبك الأثرية، مسرحية “العادلون” لألبير كامو، من إخراج كارولين حاتم، برعاية وزارة الثقافة، وبالتعاون بين “يزن” وجمعية “ريشة ونغم” وبلدية بعلبك.
توزع رواد المسرح داخل معبد “باخوس” ما بين مفترشين للأرض، ضمن حلقات عائلية على الأغلب، وجالسين على الكراسي التي فرضت توزيعها العشوائي في خلفية المعبد طبيعة الصخور على أرضية المكان الذي ما زالت اللوحة التي تؤرخ لأعمال تنقيب البعثة الألمانية في زمن الإمبراطور غليوم الثاني إبان العهد العثماني تتصدر جدرانها.
وتقدم الحضور رئيس بلدية بعلبك فؤاد بلوق، رئيس لجنة السياحة محمد عواضة، نائب رئيس اتحاد بلديات بعلبك جمال عبد الساتر، رئيسة جمعية ريشة ونغم نبيلة وهبه، وفاعليات فنية وثقافية واجتماعية.
وأتقن الممثلون المطلون على عالم المسرح من مقاعد الدراسة الجامعية الأداء، وأثبتوا جدارة لم تحد منها رهبة المكان الذي تحلم كبريات الفرق العالمية في نيل شرف المشاركة بمهرجاناته. ولكن للأسف غيّب روعة أدائهم، عدم إيلاء القيمين على العمل الاهتمام المطلوب للصوتيات، فكانت حناجرهم هي الوسيلة لإيصال ما أمكن من الأفكار في رحاب مكان ضمن الهواء الطلق، منفتح على السماء ومطل على الموقع الأثري المتجذر في التاريخ والحضارات.
ومسرحية “العادلون” المستوحاة من عمل الروائي والكاتب المسرحي الفرنسي الأصل مع جذور إسبانية لجهة والدته، والجزائري المولد “كامو“، والحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1957، قبل ثلاث سنوات من رحيله، تنبض بروحه المتمردة بوجه الطغاة، كيف لا وهو المشارك في صفوف المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي.
فالقصة تدور حول تخطيط خلية من الثوار لاغتيال الزعيم المستبد الدوق الأكبر سيرجي ألكساندروفيتش في عام 1905 بتفجير عبوتين ناسفتين أثناء مرور موكبه، ولم ينجح الإعداد المكثف للعملية في المرة الأولى من تنفيذ الهجوم على الموكب، إلا أن إرادة الانتقام من الطغاة تغلبت على مشاعر الحب، فإنقاذ شعب من طاغية وتحقيق العدالة، أولى من الإنصراف إلى رغد العيش والتمتع برفقة الحبيبة، حتى ولو كان الثمن السجن والحكم المبرم بالإعدام شنقا، فكل شيء يرخص في سبيل الشعب وقضاياه.
ويبقى ان نشير إلى أن مجرد إقدام كارولين حاتم على خوض تجربة مسرحية ثقافية في هذا الزمن الصعب، وتلقفها بإيجابية وحماس من قبل من تعاونوا معها، هو دليل على إرادة الحياة ورفض الاستسلام لدى اللبنانيين، وللتذكير بالأسطورة التي تبعث طائر الفينيق من رماده في هذا الوطن الجريح التواق إلى نبض الحياة.