الأواني النحاسية ومستلزماتها من أدوات منزلية تستعيد أمجادها

 

   تحقيق عارف مغامس

 

الآواني النحاسية ومستلزماتها من أدوات منزلية كانت قد أحيلت على التقاعد واستوطنت الرفوف العالية أو غرف التخزين استعادت منذ بدء الأزمة الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمر بها لبنان حضورها الوازن وامجادها الغابرة خصوصا هذا العام مع تفاقم الاوضاع والعودة الى الأرض ومحاصيلها.

فمنذ مستهل شهر تموز، شرعت المونة ابوابها باكرا مع دخول صناعة دبس الحصرم عصرها الذهبي وسط هجمة غير مسبوقة على هذا المنتج الذي كان تقليدا منزليا في بعض قرى راشيا والبقاع الغربي والعرقوب، فأصبح مع غلاء سعر الليمون الحامض وعدم توافره مادة حاضرة على مائدة الاهالي.

وإذ بات لعدد كبير من العائلات مونته الخاصة وطريقته في تحضير هذا المنتج الذي يقال فيه “حامض مثل الحصرم” تحتل جمعية “نجمة الصبح” في بلدة المحيدثة في قضاء راشيا موقعا متقدما بإيلائها هذا المنتج الطبيعي ابن الأرض المعطاءة الى جانب منتجاتها الطبيعية الكثيرة من دبس رمان ومربيات ومونة متعددة الأوجه والاصناف، اذ استحدثت ادارة الجمعية التي تعمل فيها عشرات السيدات من البلدة معصرة خاصة بدبس الحصرم أو عصيره.

جمال

وأشارت نائبة رئيس الجمعية وفاء جمال الى ان “عملية التصنيع في الجمعية لا تقتصر على ما تنتجه خصوصا لها، بل باتت المعصرة ملاذا لعشرات المزارعين والأسر التي تصنع هذا المنتح الذي بات ركيزة اساسية في مائدة الكثير من اهالي المنطقة. تبدأ رحلة قطاف الحصرم من الدوالي قبل أن يصبح عنبا حلوا، ثم ينقل الى المعصرة، فيفرط ويعصر ويصفى ويعبأ في اوان كبيرة، وبعد ذلك الى اوان تختلف من منزل الى منزل  بعضها نحاسي قدبم وبعضها ستانلس أو غير ذلك”.

وأضافت: “ان منتج الجمعية يتم تحضيره على نار هادئة بقدور حديثة صنعت خصيصا لتناسب عصير الحصرم الحامض وهي عملية تستغرق بضع ساعات من الغلي والمتابعة حتى تزداد نسبة الحموضة ويتكثف نسبيا ويصبح احمر اللون، ثم يعبأ في عبوات زجاجية  صغيرة معقمة”.

ولفتت الى أن “المنتج ذو مذاق طيب ولذيذ، وهو بديل الليمون الحامض، وله فوائد كثيرة  والطلب عليه يزداد  خصوصا في الأعوام الاخيرة”.

مغامس

المزارع راضي مغامس المنشغل بمعظم المواسم الزراعية على مدار السنة اكد أن “المونة البيتية هي ملاذنا الآمن ولا سيما في هذه المرحلة التي أعادت الزراعة الى موقعها الطبيعي، وتعد صناعة دبس الحصرم تراثا قرويا يتقنه من يعرف طعم فمه، لاننا نحضر العنب حصرما، وبعد تحضيره  وعصره وتصفيته نغليه على الحطب  ليس فقط بسبب ارتفاع سعر قارورة الغاز بل لان لوهج الموقدة  طعما خاصا ومذاقا مختلفا اعتدنا عليه من يوم اجدادنا وآبائنا بحيث لا تزال الاواني القدبمة شاهدة على هذا النوع من المونة، والتي تغني عن الليمون الحامض أو النكهات المصنعة”.

واذ لفت الى ان “كلفة انتاجه مرتفعة”، تدارك: “الا أننا نأتي بالحصرم من كرومنا وعرائشنا، فنوفر ثمنه، ونأتي بالحطب من رزقنا ومن تشحيل اشجارنا، فتبقى الكلفة في الزجاجات التي نضع المنتج فيها”، داعيا الى “تذوقه  لمعرفة قيمته وخصوصا في التبولة والسلطات”.

علامة

المدرس المتعاقد في التعليم الرسمي في قضاء راشيا ربيع علامة يمتهن منذ أعوام  تصنيع بعض اصناف المونة المنزلية من دون إدخال المواد الحافظة اليها إضافة الى امتهانه بعض الزراعات المنزلية الطبيعية (organics)”.

وعن تصنيع دبس الحصرم، قال: “ان الفكرة بدأت منذ بضعة أعوام  للاستخدام المنزلي لكون المنتج صحيا وطبيعيا، ثم توسعت نسبيا بعد الثقة بالمنتج والحاجة اليه، وخصوصا ان تصنيعه في المنازل يستحوذ على اهتمام الكثير من العاللات في القرى والمدن  من أجل الاستخدام المنزلي”، معتبرا ان “المنتج قديم حيث كان اباؤنا واجدادنا يعتمدونه في موائدهم لعدم تمكنهم من الحصول على الليمون الحامض من المدن الساحلية لبعدها الجغرافي وندرة وجوده في دكاكين القرى”.

واضاف: “الطلب كبير هذا الموسم وطريقة تصنيعه تشجع على تصريف الانتاج، وهو إضافة الى كونه تراثا وتقليدا قرويا ولا سيما انه منتشر في سوريا والاردن  ولبنان خصوصا في البيئات المحلية والقروية. عشرات سيدات البيوت وارباب الأسر عادوا الى تراث هذا الكار القديم وامتهنوا ما يسند معيشتهم أو يوفر حاجة بيوتهم  من صنع ايديهم”.

ومع ارتفاع درجات الحرارة ومخافة ان تطاول الأضرار عرائش العنب، لجأ عدد من مزارعي العنب الى التخفيف عن الدوالي وتصريف القطاف حصرما، وخصوصا ان هواجس تصدير العنب دونها صعوبات هذا العام نتيجة انعكاسات الأوضاع السياسية على واقع التصدير، إضافة الى الازمة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج بعد محاولات  تهريب حبوب الكبتاغون.

***

*الوكالة الوطنية للإعلام

اترك رد