من الكتاب الفكري العاشر “في ظلال الروح”
كنا نجلس مع المعلم سقراط تحت شرفة منزله، ولا نبالي بثيابه الرثّة، ونعله الممزّق، بل ننظر إلى تجهّم وجهه، وعمق حكمته، ونصغي إلى القيَم الفاضلة التي تخرج من فمه. فجأة سمعنا رعدة قويّة، وانهمر الماء على رؤوسنا، فاضطربنا، وقمنا من أماكننا مرتعدين. أمّا هو فظلّ مسمّراً في مكانه.
قال: هكذا دائماً تمطر بعد ان ترعد. فأصغينا مندهشين من صبره. وتابع كلامه بلغة رصينة: لم أكن أعلم أنّكم تخافون من الغيوم إذا أمطرت. نحن لسنا أهل الخوف، بل أهل المواجهة والبأس.
قال أحدنا: بالله عليك أيّها الفيلسوف، أخبرنا كيف أمطرت، وليس هناك في السماء إلاّ غيمة واحدة بيضاء كريش حمامة؟
أجاب: لا تصدّقوا ما تبصره أعينكم، بل آمنوا بما تنظرون إليه ببصيرتكم. أنتم ترون غيمة في الأفق، وأنا أرى غيوم العالم، وغضب أثينا كلّه على الغرباء من أهلها. فليست امرأتي وحدها مَن يضطهدني ويكرهني، فغدا سيأتي من بعدي مَن يعذّبونه ويصلبونه من أجل الحقّ، فلا تطلبوا من الغراب أن يحبّ الأقحوان، ولا من السارقين أن يفرحوا بأنوار المصابيح التي تضيء في الدروب.
***
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – سيدني ٢٠٢٣