الأديبة كلود ناصيف حرب تختم كتابها الموضوعيّ حول أدب جميل الدويهي الروائيّ:  أدعو النقّاد والدارسين وأساتذة الجامعات إلى الالتفات إلى المشروع الدويهي

 

 

 

 

*أدب الدويهي نقيّ، صاف، تنصهر فيه القيَم

*قصصه في موقع وسط بين المدرستين الواقعيّة والرمزيّة

*يحقّ لمشروعه المضيء “أفكار اغترابيّة” أن يكون نسخة مكمّلة لما بدأه المهجريّون من قبل

 

 

(خاتمة، ص ١٠٠- ١٠٢)

تبيّن لي من خلال قراءاتي لروايات الأديب د. جميل الدويهي الأربع أنّه أديب ملتزم بالواقعيّة القصصيّة، على الرغم من اختلاف رواياته نهجاً وموضوعاً. فهناك عامل مشترك فيها جميعاً، هو التعاطف مع القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة، والانحياز إلى جانب البسطاء والمقهورين. وتختلف بين الفينة والأخرى حرارة العاطفة في النصوص الدويهيّة، فمَن يقرأ مثلاً “الإبحار إلى حافّة الزمن” يجد فيها انحيازاً إلى التاريخ والرحلة، بينما في “طائر الهامة”، و”حدث في أيّام الجوع” ، و”الذئب والبحيرة” هناك عمق في النظرة الفلسفيّة والرؤية الاجتماعيّة، والدعوة إلى العدل والحرّيّة والسلام.

الدويهي لا يوافق على أدب فارغ، يثرثر، يقول كثيراً ولا يقول. والقصّة عنده ليست مكاناً للشعر المنثور، حيث تتراكم الصفحات، وتضيع المعاني، تتبلبل الأفكار. كما لا نجد في قصصه لفظة مبتذلة، فالالتفات إلى الجنس لا يعنيه، ولا تهمّه الإثارة لاجتذاب الجمهور، كما يفعل العديد من القصصيّين اليوم، فتكاد قصصهم تصنّف تحت عنوان “ممنوع القراءة لمن هم دون الثامنة عشرة من العمر”، فأدب الدويهي نقيّ، صاف، تنصهر فيه القيَم، وتشرق من سطوره دعوة إلى الإصلاح، والثورة على كلّ ما هو فاسد.

لقد ناقشت في قصص الدويهي المضامين والرؤى، وما شاهدتُه فيها من انحياز إلى الضعفاء، وثورة عارمة على الظالمين والمستبدّين. وفي رأيي أنّ الدويهي غارق في روائيّته نحو أعماق الواقع، يستمدّ منه مواضيعه، ويكتبه بأسلوب لا يخلو من الرمزيّة المحبّبة التي لا تفلت من يد المتلقّي. فنرى قصصه في موقع وسط بين المدرستين الواقعيّة والرمزيّة، خصوصاً في “طائر الهامة”، بينما تنحسر الرمزيّة في “الإبحار إلى حافّة الزمن” لصالح التأريخ والرحلة، ولا يبقى منها سوى نزر ضئيل من الرمز قد نقع عليه بين الفينة والفينة.

وحاولت أن أضيء قدر المستطاع على أفكار أديبنا، ومواكبته لما يحدث على الأرض، وخرجت بانطباع مفاده أنّ تسميات “النهضة الاغترابيّة الثانية”، و”تعدّد الأنواع”، و”الريادة” تليق بالعميد. وقد حدثت العمادة بميرون الإبداع الجميل، في تجاوز للشعر. وقد يكون أديبنا هو الوحيد في المهاجر الذي التقط المجد من أطرافه، فليس من نوع أدبيّ معروف حتّى الآن، لا يكتب فيه، وباللغتين. والرواية التي هي أصعب الفنون، تثبت أنّه يحلّق خـارج سربه، ويرتفع بعيداً في فضاء الغربة. ويحقّ لمشروعه المضيء “أفكار اغترابيّة” أن يكون نسخة مكمّلة لما بدأه المهجريّون من قبل. تقول الباحثة ميرنا ريمون شويري: “هذا الجهد والتنويع يدلّان على أنه يحاول أن يكون جسراً  ثقافياً بين الغرب والشرق، مثلما فعل  أدباء المهجر الأميركيّ من قبل، إضافة إلى أنّ  ملامح قلمه تعكس القيم العالميّة التي  تمهد لإنسانيّة جديدة. ولعلّ دوره الآن بات أصعب من الدور الذي قام به أدباء المهجر الأوائل”. (شويري، ميرنا ريمون: جميل الدويهي في نثره- النهضة الاغترابيّة الثانية، سيدني، مشروع أفكار اغترابيّة، 2022، ص 18)

وكلّ صاحب ضمير ورؤية صادقة، وكلّ المؤسّسات الثقافيّة في المهاجر، عليهم مسؤوليّة الترويج للأدب الدويهي والاحتفاء به، كبارقة إنسانيّة تطلّ من المهجر البعيد، حاملة روح الحضارة، متجاوزة أبعاد الشعر الذي يعتبره أديبنا عاجزاً وحده عن تحقيق أيّ نهضة أدبيّة.  كما أدعو النقّاد والدارسين وأساتذة الجامعات إلى الالتفات إلى المشروع الدويهي، الغنيّ بكثير من المواضيع والقضايا التي يمكن تحليلها والبحث فيها. وقد يكون كتابي هذا في الرواية الدويهيّة، حافزاً ومقدّمة لدراسات أخرى في المستقبل.

 والله وليّ التوفيق

***

*من كتاب: جميل الدويهي والنهضة الاغترابيّة الثانية (في الرواية)

يصدر قريباً من مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي 2022

اترك رد