طالَ غَدْوِي! 

 

(أُلقِيَت ذاتَ يَومٍ خِلالَ نَدوَةٍ عُقِدَت حَولَ دِيوانِي «فِي خِدْرِ الشَّمْس»)

 

عَبِقَتْ، مِنْ ضَوْعَةِ الطِّيْبِ، رِيَاحِي،      وشَدا القَلبُ على حَدِّ الجِراحِ

وزَهَت كَأْسِي فَفِي لَأْلَائِها        أَلَقُ الضَّوْءِ، وَوَمْضاتُ الصِّفاحِ(1)

فَرَشَفتُ الرَّاحَ مِنْ فِيْها، أَنا     ــــــــــ   العاشِقُ المُدْنَفُ بِالثَّغْرِ المُتاحِ

لم أَخُنْ عَهْدًا، لها، في القَلبِ، أَوْ        أَكُ، في لَيلَتِها النَّشْوَى، بِصاحِ

واغتَدَيْتُ، الحُلْمُ يَحدُونِي، وَمِنْ           فَيْئِهِ النَّدْيانِ، مُبتَلَّ الجَناحِ

أَيُّها الصَّحْبُ أَنا مِنْ أُنْسِكُمْ           رائِقُ البَسْمَةِ، هَفَّافُ الصُّداحِ

مِنْ نَداكُم يَنتَشِي القَلبُ،  ومِن          لَفْتَةِ الحُبِّ، ومِن كِبْرِ السَّماحِ

لَستُ أَدرِي هل قَضَى الهَمُّ، وهل    ضاعَ، في إِغْماءَةِ العِطْرِ، نُواحِي

وأَنا أَهْنَأُ في أَحْضانِ مَنْ          ضَفَرُوا، بالِغارِ، شِعْرِي، وكِفاحِي

أَينَهُ، الشَّاعِرُ، إِلَّا في لَظَى   ــــــ الأَسْطُرِ الأَسْهُمِ، في الرَّأْيِ الصِّراحِ

هو مَنْ ذابَ مِنَ الحِسِّ، ومَنْ          عافَ إِلَّا مَشْرَبَ الماءِ القَراحِ

يُنْكرُ القَوْمُ عَلَيهِ الرَّغْدَ، لا             يَشهُر الحِقْدَ عَلَيهِم، أَو يُلَاحِي

لا يُحابِي جانِبَ السُّلْطَانِ مَنْ            هُوَ فِي السِّرِّ سَواءٌ والبَواحِ

أَو يَنِي عَنْ قَوْلَةِ الحَقِّ ولو          عَربَدَت، حَمْراءَ، قاماتُ الرِّماحِ

إِنْ دَعا الدَّاعِي فَثارَتْ رِيْشَةٌ،            أَيُّ بَاغٍ لَمْ تَطَلْهُ، أَيُّ ساحِ؟!

إِيْهِ يا صَحْبُ… وَقَلبِي، بَينَكُم،         غامِرُ الفَرْحَةِ، غَضُّ الإِنشِراحِ

لَيتَ شِعرِي إِنْ غَزانِي الشَّيْبُ،  ــــــــــ  وانهَدَّ في الأَعْرُقِ شَدْوِي، وجَماحِي(2)

ودَهَتنِي كِبْرَةُ العُمْرِ وقد    ذَبُلَ الوَرْدُ على الوَجْهِ الصُّباحِ(3)

كَيفَ أُمسِي وأَنا، طِيْبُ الهَوَى،      ورَهِيْفُ الشِّعْرِ، قُوتِي وَسِلاحِي؟!

هل يَقُضُّ الهَمُّ شَوقِي لِلصِّبا،    وصُرُوفُ الدَّهْرِ زَهْوِي، وَمِرَاحِي

أَنا مَنْ عَشَّشْتُ في الحَرْفِ، وفِي   ــــــــــ  الغَزَلِ المُنْسالِ، شَهْدًا، كُلَّ ناحِ

أَسكُنُ اللَّفظَةَ، أَحياها، ومِنْ            دِفْئِها دِفْئِي بِنَكدِي، وفَلاحِي

يَرقُصُ الفَجرُ بِأَهدابِي، ومِن      مُخْمَلِ الصُّبْحِ دِثارِي، ووِشاحِي

أَبرَأُ القافِيَةَ العَذراءَ، يا            نُتَفَ الغَيْمِ على الصَّحْوِ اللَّياحِ(4)

يا اخضِلاَلَ الوَشْي في صَدْرِ الرُّبَى،   ولُهاثَ الفَجْرِ في خُضْرِ البِطاحِ

أَنا لِلحُسنِ هَوَى القَلبِ، وفي     عِشقِهِ الصَّافِي، لِشِعْرِي، خَيْرُ واحِي

وأَنا يُسكِرُنِي الحُسْنُ كما            تُسكِرُ النَّحْلَةَ أَكْمامُ الأَقاحِ

بَيْدَ أَنِّي إِنْ نَشَقْتُ الطِّيْبَ لا     تَرْهَبُ الوَردَةُ غَدْرِي، أَو جُناحِي!

***

أَفَلَ العُمْرُ… تُرَى هل يَنثَنِي     ذَلِكَ الخافِقُ عن وَجْدِ المِلاحِ؟!

شَهْرَيارَ الدَّهْرِ… كم مِنْ صَبْوَةٍ     زُهِقَتْ في خاطِرِ اللَّيلِ المُباحِ

أَينَ لِي مِنْ شَهْرَزادٍ كُلَّما            حُمَّ وَجْدِي أَدرَكَتْ فِيهِ صَباحِي

طالَ غَدْوِي صَوْبَ خِدْرِ الشَّمْسِ هل   آنَ، لِلمَغرِبِ، يا قَلبُ رَواحِي؟!

***

 (1): صِفاح: جَمْعُ صَفْح، وهو مِنَ السَّيْفِ عَرْضُهُ، وَمِنَ الوَجْهِ الخَدّ.

(2): جَمَحَ الرَّجُلُ جِماحًا: رَكِبَ هَواهُ فلم يُمكِنْ رَدُّهُ وأَسرَع.

(3): الصُّبَاح: شُعْلَةُ القِندِيلِ، والمَقصُودُ: الجَمِيل.

(4): اللَّياح: الصُّبْحُ أَو الأَبيَض مِن كُلِّ شَيْء. أَبيَض لَيَاح: ناصِع.

اترك رد