بقلم: الباحثة ضحى عبدالرؤوف المل
يحقق الفنان ” فائق عويس” الوحدة الفنية في جمالية الحرف العربي المنبثق من كتل متوازنة حسيا، كما يحافظ على قيمة الحركة للأشكال التي يرسمها من حروف ذات قياسات، تتضمن الأطر الفنية المرتبطة بحروفيات تجذب النظر إليها، لدقتها الهندسية المبنية على علاقة الخط مع الاتجاه، والمسار المعاكس للعناصر الفنية الأخرى، وللتنظيم التكراري لإيقاعات نغمية لها رقتها وانسجامها مع الفراغات.
وكأن الشكل له كينونته الكونية التي تدور في فضاءات اللوحة الانتقالية التي تجعلنا نتبصر في حركة الحروف، والأشكال المنسجمة إيقاعياً مع حركة الكون، كما في لوحة “وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا” حيث ينتقل النظر من الخطوط المستقيمة والزوايا في شكل مستطيل ذات نقطة أساسية مشتركة مع الدائرة، وكأنه يتوافق معها في الشكل ويتناقض معها في المضمون، إلا أن الحرف يجمع بينهما. لينصهروا بصرياً في نقطة جاذبة تثير الحواس وتترك الذهن في حالة تفكر وتبصر واستقراء.
تتنوع لوحات الفنان ” فائق عويس” بين أساليب مختلفة. إلا انها لم تخلُ من بنائية او تفكيكية او فلسفية بموضوعيتها والتزامها بالقواعد الأساسية للخطوط. إلا أنه منح اللون توازنات باردة وحارة تلائم مرونة الدائرة، إلا أنها متحركة بصرياً، كما في لوحة “عدالة” التي حدد فيها العدد والفراغ بما يتناسب مع حجم الدائرة، وقوة تماسكها في حين أن الانفصال فيها له قوة أبعاده، إن فلسفياً أو سيمترياً أو حتى جيومترياً، فكل خط من خطوط هذه اللوحة هو بمثابة كينونة ذاتية وضعها “فائق عويس”، وفق حسابات حركية لها جمالياتها المتعددة التي تنقلنا من طور الحرف إلى طور الشكل وبالعكس، وهذا ما يمنح أعمال “فائق عويس” ميزة، خاصة لأن الحرف هو كينونة اللوحة وأساسها، والحركة هي العنصر الفعال في تحريك البصر وإثارة الذهن. ليتأمل كل خط بفلسفة لها ميزتها الخاصة.
تحريك ساكن أو مضموم أو حتى مكسور، له شدّة ذات تعرجات إيقاعية، وانحناءات منسجمة مع ليونة، تؤثر على الانطباعات التي تتولد عند المتلقي من المعادلات الفراغية التي وزعها بين حرف وحرف أو بين خط وخط. لتنسجم الحركة مع الحروف التي تتميز بليونتها، في خط وازن على الحس الجمالي الذي انبثق من كلمة “مودة” والتفافها المزخرف، والمتناقض بانورامياً مع الخلفية، وما نثره فيها من حروف هي بمثابة سرديات متحررة من الشكل، لكنها موضوعة ضمن خلفية تخضع لقانون حركي ينعكس عليه ظل كل حرف، هو ضمن المودة التي تجمع فنياً جمال المفهوم مع حركية الشكل المتوازن والمتناغم مع جاذبية العناصر بكاملها.
تنبعث موسيقى الألوان من لوحة طرب، وكأنه صممها بحواسه، قبل أن يعزف على اللون بكل حرف اتخذ من نغمته الخاصة هندسة توزعت برصانة فنية، وحركة فيزيائية مبنية على قيمة اللون وأبعاده وتقنيته، وعلى اندماج الأحرف وانصهارها مع الألوان الباردة والحارة ، ومع إشراقة الضوء المتغلغل داخل دائرة تتضمن نقطة شبيهة ببؤرة ضوء ينجذب اليها البصر، وكأن الدائرة شبيهة برقصة صوفية لها موسيقاها السريعة والمتباطئة، والساكنة ذات الأبعاد الزمنية والاتجاهات النغمية المتعددة، فما بين صغير وكبير تكرار موسيقي إيهامي، له تردداته وذبذباته البصرية المنبعثة من كثافة كل لون وشفافيته النسبية، وكأن لكل حرف حركة خاصة، ولكل لون اتجاهاته الزمنبة المتأثرة بضوء الشمس أو بالأحرى الدائرة اللونية بمفهومها الحركي، المتجدد انفعالياً، عند إعادة النظر، في كل مرة، إلى لوحة تبث بمفهومها الطرب الفني.
تحتلف الأحرف بين كلمة وكلمة. إلا أن الشكل يتخد أبعاده من رؤية الفنان الخاصة، ومن مفهومه الجمالي للأبعاد التصويرية الناشطة، والمتحركة في فضاءات كل مخيلة تتعمق في الخط والشكل، والفراغ، واللون، والحركة، والضوء، والظل، كونه يجمع الأزمنة الذهنية، والحسية مع الإدراك الواقعي والتخيلي، والقدرة على خلق انفعالات لونية متناقضة، كالأحمر والأسود، والنقطة مع الألف واللام ، وتوزيعات عددية بتوازن له حسابات دقيقة تعتمد على إيحاءات الزوايا الذهبية، وإيهامات العدد، ولكن ضمن معطيات فنية نستمتع بها جمالياً ولا ندركها على أرض الواقع، إلا من خلال الكلمة التي بدأ بها لوحته بنقطة وهي “الجمال” واضعاً الضوء في بؤرة حرف تشكل بسكون تام ، وهو منسجم بليونته مع الأحرف الأخرى . ليتجدد الزمن الضوئي مع ازمنة الحرف العربي، ومع الشكل المرافق له، تبعاً لعدد احرف الكلمة التي اختارها الفنان ” فائق عويس” لتتناقض مع قياس النقطة وابعادها، ليمنح الفكر تيقظاً دينامياً يتضمن الامتداد اللانهائي، لحرف يتخذ من شكل الألف نقطة قياس جوهرية التزم بها عويس، كما التزم بمدارس خطوط منعددة منها لوحة “بسملة” ذات المثلثات الظاهرة، والدوائر الإيهامية والحرف المرافق لإيحاءات الألوان المتعاكسة، وكأنه يتلاعب بمحيط اللوحة البصري وخارجها الحسي، ليترك بصمة خاصة على الحرف واللون، وعلى مفهوم الحركة للخطوط، وأنواعها في اللوحة الناطقة باللغة العربية وعلى ابعادها الجمالية .
1- عدالة
2- الحب
3- أمل
4- الله
(أعمال الفنان فائق عويس من مجموعة متحف فرحات)