عمم إتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا)، ضمن الملف الثقافي، تقريرا لوكالة الأنباء الأردنية “بترا” أعده مجدي التل، عن المدن الاردنية في فضاءات الإبداع والاصالة جاء فيه:
يشهد عام 2022 إلتماعات مدن أردنية؛ إربد ومأدبا والسلط، في فضاءات الثقافة والحضارة بكل جماليات تجلياتها الإبداعية والتراثية والإنسانية؛ لتعكس عمق الهوية الأردنية المتكئة على ماض مكلل بالفخار وحاضر يحمل في طياته آفاق مستقبل واعد وزاخر بالإنجاز.
والأردن، الذي يمتطي صهوة المجد، يسجل بحروف من ذهب أنثيالات ثقافة وتاريخ وحضارة مدنه؛ إربد والسلط ومأدبا التي تتوج لعامي 2021- 2022 عربيا وعالميا؛ أيقونات تزخر بالإبداع الانساني المتأصل عبر التاريخ بوصفها موئلا للثقافة والفنون والتراث والحضارة والعيش المشترك وقبلة للسياحة، وتحمل هويته الثقافية والتراثية والحضارية.
ويسطع شعاع هذه المدن إلى العالم بحضورها المنتشي بعبق الأصالة على امتداد الحقب والعصور؛ بعد أن تم إختيار إربد عاصمة للثقافة العربية 2022، ومأدبا عاصمة السياحة العربية 2022، والسلط على قائمة التراث العالمي “مدينة التسامح والضيافة”2021 وهو العام الذي شهد احتفالات مئوية تأسيس الدولة الأردنية الحديثة.
إربد “أرابيلا”، الاقحوانة وعروس الشمال.. عاصمة للثقافة العربية 2022
مدينة إربد مركز المحافظة التي تحمل إسمها، تستعد للاحتفال بها عاصمة للثقافة العربية لعام 2022 بعد اختيارها من قِبل منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (اليونسكو)؛ بعد أن تم ترشيحها من قبل وزارة الثقافة، والموافقة عام 2016 على أن تكون إربد عاصمة للثقافة العربية عام 2021 وأُجلت للعام 2022 بسبب جائحة كورونا.
ومن المقرر أن تبدأ الاحتفالات بهذه المناسبة، بافتتاح رسمي يعقبه فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة تعبر عن هوية إربد الثقافية، يتخللها الاحتفاء بإبن المدينة شاعر الأردن “عرار” مصطفى وهبي التل كرمز للثقافة العربية لعام 2022، في سياق تسليط الضوء على الإرث الثقافي والتاريخي الكبير للأردن كدولة أو لإربد كجسر للحضارات.
وتقع مدينة إربد في شمالِ غربِي المملكة، في وادي وحوض نهر الأردن، تعتبر جزءاً من امتداد سهول حوران، ويعود تاريخها إلى العصر الحجري والبرونزي الأول نحو 3000 إلى 2500 قبل الميلاد، فكانت المدينة القديمة محاطة بسور ضخم بُني من حجارة سوداء بازلتية، ووجدت فيها مغائر من العصر الروماني وبركة ماء رومانية قديمة.
وخضعت إربد كأي مدينة مجاورة في المنطقة للحكومات المتعاقبة على بلاد الشام، فعاصرت دولة الأدوميين والعموريين، كما خضعت للحكم اليوناني بعد فتوحات الاسكندر سنة (333 ق.م) وقد ساعدت إعادة تعمير المدينة اليونانية على وضع أسس الحلف التجاري (الديكابوليس) الذي تكون من عمان (فيلادلفيا) وجرش (جيرازا) وبيسان وإربد (ارابيلا) وبيت راس (كابيتولياس) ودرعا (درعي) وبصرى وأم قيس (جدارا)، بالاضافة إلى مرحلة الغساسنة، وميزتها الحضارات الإغريقية والرومانية والإسلامية التي تركت كنوزا من الآثار والمواقع الأثرية والتاريخية، وتضم آثارا تدل على ذلك، وقد احتلها الآشوريون والفراعنة والبابليون والفرس والعثمانيون وغيرهم .
وبنيت إربد وكانت تسمى “أرابيلا” في العصر الروماني في موقع متوسط بين مُدن حلف الديكابولس العشرة التاريخية، وأصبحت فيما بعد مركزاً من مراكز الفتح الإسلامي، وتختلف الروايات عن تسمية المدينة “ارابيلا”، إذ ثمة رواية تقول بأن الاسم آشوري أُطلق على المدينة بعد احتلال الملك تغلات بلاصر الثالث لها.
وتقول دائرة المعارف الإسلامية: “ليس ببعيد أن تكون الأماكن المسماة أرابيلا وأربيل وإربد الواقعة خارج آشور قد ابتناها أهل أربلا الآشورية باسم مدينتهم”، وفي رواية أخرى فإن أصل اسم أرابيلا هو كلمة رومانية تعني (الأسوَد)، وقام الرومان بتبديل اسمها إلى “أربيلا”، وهو الإسم الذي يشبه تسمية اليونان لها، و”أرابيلا” تعني الأرض الخصبة، وفي رواية أخرى يقال أن اسمها الحالي ليس إلا تحريفًا لاسم البلدة الرومانية القديمة بيت أربل، أو أنه لفظ مشتق من كلمة (الرُبدة)؛ وذلك يعود إلى لون تربة الأرض الحمراء المصحوب بسواد الصخور البركانية المنتشرة في محيط المدينة.
وبحسب الروايات سميت بالأقحوانة؛ نسبة إلى زهرة الأقحوان، الزاهية رائعة الجمال، التي تنبت بكثرة فيها، وورد ذكر مدينة إربد في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي، وكان لها أهمية كبيرة في التاريخ الإسلامي والعربي، ودور كبير في معارك المسلمين الحاسمة في اليرموك وحطين.
وتتميز إربد في بيوتاتها ومعالمها التراثية القديمة ومواقعها الأثرية، علاوة على حضورها الثقافي والفني الذي يعود إلى أكثر من قرن؛ إذ شهدت المدينة في منتصف العشرينيات أولى دور السينما، ونشأ فيها العديد من المبدعين الرواد الذي خرجوا من رحم المدينة وأطرافها، ومنهم عرار، وأديب عباسي.
يقول عضو اللجنة الثقافية في الاحتفالية الروائي هاشم الغرايبة لوكالة الأنباء الاردنية (بترا): “إربد أرض القمح والزيتون تمتد هضابها ما بين حرمون وجبال عجلون، وتشير آثارها إلى حضارة امتدت من العصر الهلنستي إلى العصر الروماني ثم الإسلامي وصولا إلى يومنا هذا، وعلى عجل تحضر أسماء مثقفيها ابتداء من الشاعر أرابيوس إبن جدارا الرومانية مرورا بالشاعرة الصوفية عائشة الباعونية إبنة جبل عجلون في القرن الخامس عشر وصولا إلى الشاعر المشاغب المجدد عرار مطلع القرن العشرين”.
وبعد قيام الدولة الأردنية عام 1921، يضيف الغرايبة؛ اشتهرت إربد بأنها حاضرة الشمال وبرز من مثقفيها علي خلقي الشرايرة وعرار ومحمود المطلق وواصف الصليبي واديب عباسي والشاعر الشعبي إبراهيم الشلول المعروف بالدوقراني وغيرهم كثير.
ويشير إلى أنه في الجيل الثاني من عمر الدولة الأردنية، برز العديد من مثقفيها من أمثال عبد الكريم غرايبة أول حاصل على شهادة الدكتوراه في شرق الأردن، والأديب واصف الصليبي والتربوي والكاتب وحيد سليمان والشاعر الشعبي مصطفى السكران والصحفي والقاص محمد سعيد الجنيدي وغيرهم.
ويبين أن اللجنة الثقافية لاحتفالية إربد ستحتفي بهؤلاء الرواد وارثهم وإبداعاتهم، وإعادة دراسة نتاجهم في ندوات وكتب بهذه المناسبة، مبينا أن برنامج الاحتفالية يشمل أيضا مؤتمرات للنقد والرواية والقصة ومهرجانات للشعر، إلى جانب نشاطات أخرى للجامعات والهيئات الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني.
والاحتفالية التي ستتزامن مع احتفالات عيد استقلال المملكة، تسعى لتقديم إربد والأردن إلى العالم العربي كنقطة إشعاع حضاري وفكري تشكل ركيزة مستقبلية للجذب الثقافي، وتتضمن أسابيع ثقافية تشارك فيها دول عربية.
كما تشتمل الاحتفالية التي ستقام في 24 موقعا في محافظة إربد، على إقامة عدة فعاليات في مجالات الفنون الموسيقية، والأدائية، والشعر، والنقد، والفكر، والابتكار، وأدب المرأة، والطفل، والثقافة العلمية، والابتكار، وإقامة ورش ومعارض للفنون التشكيلية، والخط العربي والتصوير الفوتوغرافي ورسوم الكاريكاتور.
وتشمل الاحتفالية أيضا فعاليات تروي تاريخ إربد المكان والزمان والإنسان، وأخرى تستعرض تاريخ المدينة ونشأتها وجمالياتها، وسهرات وأمسيات موسيقية تراثية، ومهرجانات تحاكي مواسم الزيتون والرمان والقمح والمأكولات الشعبية، وعروض للحرف الشعبية واليدوية ومنتجاتها والأزياء التراثية والشعبية، وأخرى غنائية وموسيقية واستعراضية راقصة، بالاضافة إلى إقامة معارض للكتب وعروض لمسرحيات وأفلام ومسابقات فنية، ومؤتمر نوعي يحاكي دور إربد الثقافي والسياسي والتاريخي.
كما ستشتمل وبالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الالكسوا”، على مشاركات عربية في مجالات التراث الشعبي والأشغال اليدوية والحرفية والفنون الموسيقية والأدائية والادب والشعر والنقد وتناول الشؤون والقضايا المحلية والعربية، فيما سيتم خلال الاحتفالية توقيع توأمة بين إربد كعاصمة للثقافة العربية لعام 2022، والقدس كعاصمة دائمة للثقافة العربية.
مأدبا مدينة الزخارف واللوحات الفسيفسائية والكنائس عاصمة السياحة العربية لعام 2022
بعد تحقيقها للمعايير والشروط المرجعية التي أعدتها المنظمة العربية للسياحة؛ تم اختيار مأدبا “عاصمة السياحة العربية لعام 2022″، لما تتمتع به من معالم ثقافية وتراثية ودينية وأثرية وتاريخية فريدة.
ولعل أبرز ما يميز مأدبا، فن اللوحات الفسيفسائية؛ فتعد واحدة من أهم المدن الحرفيّة في العالم بهذا الفن، وبإرث خاص في أزقتها وكنائسها البيزنطيّة القديمة ومساجدها وعمارتها الفريدة، مثلما تحوي المعهد الوحيد في العالم لتعليم هذا الفن، حتى سُميت بمدينة الفسيفساء، وتُعد خارطة مادبا من أهم الآثار الفسيسفائية فيها.
وتشتهر مأدبا؛ مدينة الكنائس وينابيع الاستشفاء والمعالم الطبيعية الخلابة من وديان مميزة وإطلالات جبلية فريدة، بالفسيفساء البيزنطية والأموية، وتضم خارطة فسيفساء تعود إلى القرن السادس، وتظهر القدس والأراضي المقدسة، مثلما تزخر الخارطة بكم هائل من الأحجار المحلية ذات الألوان المشرقة، وتعرض رسوماً للتلال، والأودية، والقرى، والمدن التي تصل إلى دلتا النيل.
وتغطي خارطة الفسيفساء التي تعد أقدم الخرائط للأراضي المقدسة في مأدبا، أرض كنيسة القديس جورجيوس للروم الأورثوذكس في وسط المدينة، والتي بُنيت عام 1896 على أنقاض كنيسة بيزنطية قديمة تعود لمنتصف القرن السادس الميلادي.
ومدينة مأدبا، التي تقع على بعد نحو 35 كيلومترا جنوب غربي العاصمة عمان ويعود تاريخها إلى العصر الحديدي، أسسها المؤابيّون في القرن التاسع قبل الميلاد، وتوالت عليها العديد من الحضارات والممالك التي حكمت المنطقة، مثلما لعبت دورًا بارزًا بعد أن احتلها البيزنطيّون، حيث ضمّت عددًا من الكنائس التاريخيّة المهمّة لموقعها بموازاة طريق الملوك الذي يزيد عمره على 5000 سنة.
كما تتميز مدينة مأدبا؛ إلى جانب كونها رمزا للوئام والعيش المشترك، بالمواقع التاريخية والدينية على أطرافها؛ ومنها موقع المغطس وهو مكان تعميد السيد المسيح عليه السلام، وجبل نيبو، الذي يختص برحلة سيدنا موسى عليه السلام، ومدينة مكاور ومنطقة أم الرصاص وغيرها من المواقع المهمة.
ويقول الروائي جلال برجس لــ (بترا)؛ “عرفت مأدبا بزخمها الثقافي والابداعي والفكري منذ زمن، زخم كان وراؤه جملة من العوامل والظروف التاريخية والجغرافية والثقافية، إذ تعد الآن مثالا مهما على تنوعين واحد ثقافي، والآخر مرتبط بثقافة العيش المشترك التي دفعت البعض إلى تسميتها بمدينة الوئام، مثلما استحقت تسميتها بعاصمة السياحة العالمية، مرتبة أسس لها جانبان الأول ثقافي، والثاني تاريخي حضاري غني بنتائج تتابع الحضارات التي مرت عليها”.
ويلفت صاحب رواية “دفاتر الوراق” الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2021، إلى أن مأدبا من منظور ثقافي تعد المدينة التي انطلقت منها إشارات أولى لفعل مسرحي أردني بدايات القرن العشرين في شرقي الأردن، على يد العلامة روكس بن زائد العزيزي والراهب أنطون الحيحي حيث أنشئت أول جمعية في الأردن تُعنى بالمسرح وشؤونه عام 1914 وسميت “جمعية الناشئة الكاثوليكية العربية”، مثلما ولد وعاش فيها الروائي الكبير غالب هلسا الذي كان له دور مهم في تجاوز الرواية العربية بناها ورؤاها الكلاسيكية نحو رواية عربية حديثة، مثله مثل القاص والروائي سالم النحاس الذي ترك بصمة أدبية واضحة.
ويتابع أنه من يتأمل المدونة الإبداعية الأردنية والعربية على صعيد الحاضر سيجد أن مادبا شهدت ولادة أسماء إبداعية مهمة تجاوزت بنتاجاتها الحدود العربية نحو العالمية، هذا الحاضر الذي لا ينقطع عن الماضي.
ويختم برجس بأن هذه المدينة التي كانت تسمى قديما (ميدبا) (مدينة المياه والفاكهة) شهدت تطورات ثقافية مهمة جعلت منها على صعيد هذه المرحلة حاضنة إبداعية مهمة تفاصيلها ظاهرة في اليومي المعاش تماما مثل الماضي الذي أرخ له بعديد من النتاجات الإبداعية، والفكرية، والفنية، فقد أُثث الشارع المأدبي بالمقاهي والنوادي والملتقيات والمهرجانات الثقافية، التي ألقت بأثرها على وعي أناسها وميزتهم عن غيرهم.
ويعود اسم مدينة مأدبا، إلى روايات عدة ينسب بعضها إلى السريانية وتعني مكان الطين أو المياه الهادئة، ومنها ما يرجع إلى الآرامية “ميا” د “أيب”، وإلى أصل مؤابي “ميدبا”، ويعني مياه الراحة لكثرة عدد برك المياه التي كانت تحيط بالمدينة، فيما ورد أسمها في العديد من الكتابات التاريخيّة القديمة، والكتب السماوية، كالتوراة والإنجيل.
ومن أبرز معالم مأدبا، معهد مأدبا لترميم الفن والفسيفساء، والذي يعد مركزا إقليميا ووحيدا في المنطقة العربية لإنتاج وترميم الفسيفساء، والشارع السياحي، والقصر المحترق، وكنيسة الشهداء، والمتنزه الأثري، ومتحف الحكاية التراثي، وجبل نيبو، ومسار مأدبا التراثي، ومتحف أثار مأدبا، ودار السرايا العثمانية، وقلعة مكاور، وحمامات ماعين، وكنيسة يوحنا المعمدان – دير اللاتيين في مأدبا وكنيسة العذراء في مأدبا، وكنيسة الرسل، ومتحف آثار مأدبا الذي تأسس عام 1979.
ويتكون متحف آثار مأدبا من مجموعة من البيوتات القديمة وهي مستملكة لدائرة الآثار منذ عام 1966 على أثر إكتشاف عدد من الأرضيات الفسيفسائية فيها فكانت نواة له، ويتألف من جزئيين: متحف الآثار، والمتحف الشعبي وبيت مأدبا التقليدي، وتعرض المقتنيات الأثرية في المتحف حسب التسلسل الزمني والمواقع الأثرية في مأدبا وضواحيها، ويتكون المتحف من قاعتي عرض تحتوي على قطع أثرية من العصر البرونزي القديم وحتى العصور الإسلامية، وبلغ عدد القطع المعروضة فيه 400 قطعة أثرية.
السلط حاضرة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي
إستحقت مدينة السلط، قرار لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) في 27 تموز 2021، بضم المدينة إلى قائمة التراث العالمي بوصفها “مدينة التسامح وأصول الضيافة الحضرية في الأردن”.
ويأتي هذا الاستحقاق، لما تمتاز به المدينة من تنوع في الأطياف والمكونات التي سكنتها على مر التاريخ، وما امتازت به من عيش مشترك، في وقت تتقاطع فيه مآذن المساجد في المدينة مع أبراج الكنائس، وتتوسطها تجمعات سكنية ومباني وبيوتات مازالت متجاورة تتعانق بشرفاتها المعلقة، وتتلألأ بحجرها الاصفر وجماليات زخارف شبابيكها المشرعة.
وعلى إمتداد مئات السنوات، كانت المدينة محطة مهمة للتجار والحجاج في طريقهم إلى القدس أو دمشق أو بغداد أو مكة، وكان سكان المدينة يرحبون بالزوار ويقدمون لهم الطعام والسكن.
السلط، التي تشكل شاهدا لا مثيل له على التراث العمراني؛ تضم ما يزيد على 600 مبنى تراثي يتراوح تاريخها من 100 إلى 400 عام، وتشتهر بطراز تراثها المعماري المميز، وتمثل نموذجاً اجتماعياً ثقافياً رائعاً يجسد العيش المشترك بين الأردنيين من مسلمين ومسيحيين منذ مئات السنين يتشاركون التقاليد الراسخة في منطقة حضرية واحدة.
ويرجح أن اسم السلط، جاء من الكلمة اللاتينية (سالتوس) والتي تعني “وادي الأشجار” أو”الغابة الكثيفة” أو “أرض التين والعنب” لكثرة الأشجار في المنطقة، فيما تشير روايات إلى أن التسمية جاءت من السريانية (سالتا) والتي تعني الحجر الصلب أو حجر الصوان، وأخرى إلى “سالتوس” نسبة إلى القائد اليوناني الذي فتحها زمن الإسكندر المقدوني، وبني فيها معبدا للاله زيوس في منطقة زي التي نسبت إليه، فيما ذكر ابن عساكر الدمشقي اسم السلط بالطاء بينما يرد ذكرها عند أبي الفداء باسم الصلت.
وتقع السلط مركز محافظة البلقاء، على نحو 30 كيلومترا شمال غربي العاصمة عمّان، وتمتاز طبيعتها بخضرة خلابة، ومياه ينبوع “جاد/جادور” العذبة والصافية.
كما تحتوي المدينة على معالم تراثية ومواقع وأحياء وأدراج تاريخية وقديمة ومنها؛ الجدعة وحي السلط القديم وسوق السكافية؛ ولا سيما مبانيها التراثية التي تزيد على 600 مبنى تراثي، ومنها بيت أبو جابر أحد أبرز البيوتات التراثية في وسط مدينة السلط العتيقة والذي جرى تحويله إلى متحف، ويعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر والمبني من الحجر الجيري المحلي بأسقف جدارية إيطالية ونوافذ زجاجية ملونة على طراز فن “آرت نوفو” للزخرفة، والأعمدة المزخرفة والبلاط الخزفي الذي جلب من سوريا، بالاضافة إلى خربة زي وبلدتي صافوط وعين الباشا اللتين تتبعان لمحافظة البلقاء.
وعن النمط المعماري والضيافة الحضرية، تقول الباحثة واستاذة العمارة في جامعة الاسراء الأردنية الدكتور ديالا العطيات، إنه خلال السنوات الستين من اواخر العهد العثماني (1860-1920)، ازدهر وسط مدينة السلط مع وصول التجار اليها كونها رابطا تجاريا مهما بين الصحراء الشرقية والغرب، ومع توطين التجار من نابلس وسوريا ولبنان؛ ازدهر الاقتصاد الخاص بالمدينة مما أدى إلى اجتذاب العديد من البنائين والحرفيين المهرة الذين أسهموا في رفد المدينة بتصاميم مميزة تركت أثرها المعماري وميزتها عن غيرها بالحجر الجيري الاصفر المحلي، وبتنويع تصميم المساكن العائلية والمباني العامة التي تجمع بين التقاليد المحلية والفنون الحديثة في ذلك الوقت.
وطور المسلمون والمسيحيون جنبا إلى جنب، بحسب الدكتورة العطيات، تقاليد الضيافة السلطية في البيوت، فلا تخلو المدينة من حيز يسمى الديوان أو المضافة ونظام التكافل الاجتماعي والذي يعكس نمط اجتماعي مهم للسكان وفي ذلك مزج بين التقاليد الريفية وممارسات التجار في ذلك الوقت .
وتقول إن وسط مدينة السلط التراثي يتميز بكونه نواة حضرية تاريخية مؤلفة من شبكة من الأدراج والأزقة التي تنتهي بالساحات العامة والمساحات المفتوحة التي تربطها الشوارع، كل هذه العناصر تربط أحياء المدينة ببعضها، لتعكس هذه الخصائص الملموسة الثقافة الحضرية للمدينة والتسامح بين الناس مع اختلاف دياناتهم وثقافاتهم، لافتة إلى أن مجموعة من التقاليد تجمع المسلميين والمسيحيين في مدينة السلط مع عدم وجود أي فاصل مادي بين أحيائهم ومن أهمها تقاليد الضيافة والمضافات والتكافل الاجتماعي.
وتبين أن شارع الخضر الواقع في قلب المدينة والذي يعد من أقدم الشوارع نجده يجمع مختلف النشاطات التجارية والدينية والتعليمية والسكنية معا، ويمتد من ساحة العين بالقرب من الجامع الكبير صعودا حتى يصل إلى كنيسة الخضر والتي تعرف باسم كنيسة القديس جورجيوس، وتعد أقدم كنيسة في المدينة، وبنيت عام 1682 حول مغارة قيل إن القديس جورجيوس ظهر لراع فيها، وتمتلئ الكنيسة الحجرية المقببة من الداخل بالأيقونات والفسيفساء التي تصور القديس جورجيوس وهو يذبح التنانين.
ووفقا للدكتورة العطيات؛ يتميز هذا الشارع بتلاصق واجهته، بحيث لا يتخللها سوى دخلات فرعية تؤدي إلى شوارع أو مناطق أخرى مثل: كنيسة الراعي الصالح، وحارة العطيات ومنطقة القلعة وشارع الحمام، ويتفرع من شارع الخضر قبل الوصول إلى كنيسة الروم الارثوذكس شارع فرعي يوجد فيه عدد من المباني ذات القيمة التراثية والمعمارية المهمة ومنها البيوتات ذات الفناء المفتوح والموزع الداخلي والبيت ذي الثلاثة بحور.
وأشارت إلى أنه من أشهر شوارعها شارع الحمام في وسط المدينة، والذي سُمي نسبة إلى حمام تركي فيه، وشارع الميدان حيث كان فيه ميدان لسباق الخيل، وشارع الخضر نسبه لمقام الخضر، وشارع الدير وهو آخر امتداد شارع الخضر.
وفي السلط أقدم متحف في الأردن (المتحف الأثري)، ويمثل تاريخ السلط ويحتوي على عدة أركان منها؛ ركن الآثار القديمة والحلى والملابس والأدوات المنزلية القديمة، والعملة النقدية القديمة لعدة أزمنة وحضارات وغيرها.
ويشار إلى أن المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي في الأردن هي: البترا، وقصر عمرة، وأم الرصاص، ووادي رم، والمغطس.