هوية

 

  سمر دوغان

 

اغار من قلمي… من صورتي، من تعبي، من ذكرياتي، من ترّهات العمر تجافي عينيّ وقد ذبلتا قليلا. فهي تحمل في خطوطها عذاباتي كلها، الماضية والحاضرة وأحلام صبا توزعت يمينا وشمالا.

غرقت في يمّ حياتي اليومية، رسمت لي دربا لا يعجبني ولكنني قنعت بما وهبني الله إياه، فأنا حامدة شكورة لا أبتغي سوى بعض الرضى. مللت التذمر على قارعة طريق خالية لا تروي عطشا، لا تشبع جوعا، وتعلمت… نعم تعلمت… مع سنوات قهر مضت، أن أحيا وبالرغم من أنفهم الطويل، ورائحتهم النتنة وغرابهم الذي ينعق في ليلي ووحل أقدامهم المبتورة من الجليد… أن أكون أنا دون سواي… ففي بيتي لمساتي لن يمحوها زمن، وفي غرفتي عطري.. خالج بأريجه الجدران وبات جزءا من حبيبات الهواء والهوى، وفي ركني منفضتي وسجائري ودخاني وفنجاني، وأنا أضحك من صفحات مرض السرطان وانتصر لجنوني في الرماد.

وفي مطبخي أغلي أناملي وهي تستنفذ شوقي (أكلة جديدة من عالم ثان) أعجن طحين العمر بزبدة تجربتي وعطر الأوريغانو والحبق ولون البندورة الحمراء تزين الصواني… آهٍ من ألحاني… أزغرد كالكومبارس في أفلام الماضي الجميل، أرقص التانغو مع فريد أستير، ووقع الأقدام يهز الأرض ويعلن عن هويتي، وقطتي تفرد جسدها فوق سطح عملي، تراودني، بعينها الخضراوين تموء لوعتها، علّني أحن وأطعمها من زادي.

وطأت قدماي الأرض. ما عدت محلقة في غيم يغزو سمائي برهة ويرحل. ما عدت أطيق الغبار فوق الرفوف، أريدها كبريق البلور في يوم صيف دافئ، يغمرك بلون بحر أزرق فيروزي يعانق بعض ما تبقى من الأنفاس.

أرسم في زاويتي الآن لوحتي، صبية شقية… سأبقى ولو جردني الزمان من ثوبي الفاني. حرة سأبقى، لن ألعن الحكام فما عاد لوقتي المتبقي سوى قصص، لوحات وأغانٍ ومشوار تطأ به أصابع قدميّ رمال شطآني.

 

اترك رد