جميل الدويهي: لا أحد يخذلكم

 

 

من الكتاب الفكري العاشر “على ضفاف الروح” – يصدر قريبا من مشروع “أفكار اغترابية” للأدب الراقي.

 

لا تقولوا عن أحد إنّه خذلكم. فأنتم تخذلون أنفسكم عندما تضعفون أمام الخيبة.

صدّقوا أن لا أحد يضمر لكم الشرّ، لكنّ البشر يترجمون مشاعرهم بطرق مختلفة، فالذي يترككم في وسط الطريق، يؤمن بأنّكم تستطيعون أن تكملوا السير بمفردكم، وأنّه قويّ كفاية لكي يتابع الطريق وحده. والذي يمنع عنكم قطرة ماء أو كسرة خبز، ليس بخيلاً كما يتراءى لكم، بل هو مقتنع بأنّكم لا تحتاجون إليهما، ولعلّه يفضّل أن يعطيهما لنفسه فيشبع ولا يجوع بعد ذلك. وصدقاً أقول لكم إنّه سيجوع في كلّ يوم ولو شبع. أمّا الذي لا يحفظ جميلكم، فيعتقد أنّ العطاء يكون منكم وليس منه، فهو سيّد الأخذ، وأنتم عبيد غضبكم ونقمتكم عليه، فلا تكونوا تابعين في مملكة أنفسكم، بل كونوا ملوكاً فيها.

كان رجل يعطي الآخرين من كرْمة له، فإذا جاع لم يجد من يقدّم له رغيفاً. بيد أنّه كان يفرح بما يُغدق به، ولا يحزن لأنّ الناس لا يكافئونه، وفي قرارة نفسه كان يدرك أنّ الخير يكون أخذاً وعطاء… فاشفِقوا على الذين يأخذون ولا يعطون، وعاملوهم بالعطف، لأنّهم ليسوا مجرمبن ولا قتَلة، فالمجرم والقاتل يستحقّان العقاب لأنّهما يخرّبان المجتمع، أمّا الذين أصابتهم عاهة، فيحتاجون إلى رعاية منكم. وعندما تغتبطون بالخير الذي تفعلونه لمَن يجهل قيمة الخير، فلن تشعروا بأنّ أحداً ينكر فضلكم عليه، أو أنّكم تبغضونه. وما أجمل العالم الذي تعيشون فيه إذا كنتم راضين عنه، ومتصالحين مع أهله، حيث لا فرقة ولا أحقاد!

***

*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية” للأدب الراقي، النهضة الاغترابية الثانية – تعدد الأنواع

اترك رد