من الكتاب الفكري العاشر – يصدر قريبا من مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي
لا يغيظني شيء في العلاقات بين الدول، أكثر من هذا الانحدار الجنوني الى الحرب، والانهيار الاخلاقي الذي يسميه أتباع الحروب انتصارا.
على من الانتصار؟ ونحن مهزومون جميعا في صراعنا مع الطبيعة، ومع الحياة أيضا، وكوكبنا الصغير الذي لا يعادل حجمه رأس إبرة في الكون الشاسع، هو في علم الحساب صفر مربع. وإن جميع القادة العظام، الذين احتفلت بهم الشعوب والتاريخ، حصدوا الانكسار في النهاية، فالى اي مدى استطاع الاسكندر المقدوني أن يخضع الأمم في عصره؟ وهل توج هنيبعل القرطاجي مغامراته وقوته وخططه الحربية الجريئة إلا بسقوط عظيم؟ وهل تمكن نابوليون النابغة، وأدولف هتلر الطموح، من تحقيق أحلام التوسع والهيمنة على أوطان بعيدة؟
نحن في القرن الحادي والعشرين، ولسنا في العصور البدائية، وما زالت فينا نزعة غريزية إلى التهام الآخر، وكأن زواله يعني بقاءنا على قيد الحياة، والواقع أننا نلتهم أنفسنا، فكيف نفسر أن دولا تمتلك مساحات شاسعة غير مأهولة بالسكان، وتسعى إلى احتلال أرض صغيرة في دولة أخرى؟
وتصدق الجيوش ان من يقودونها إلى ساحات الوغى هم مبصرون فعلا، وما هم مبصرون، فكيف يرى الأعمى الطريق ليقود إلى الخير والفضائل؟
عندما يرسل من يرتدون ربطات العنق، ومن وراء مكاتبهم الفخمة، الآلاف لكي يموتوا من اجل قضية، فليعلموا أن ما من قضية أرفع من قضية السلام، وما من قيمة أعظم من قيمة المحبة الانسانية. وإن التستر وراء المظاهر العصرية لا يلغي حيوانية النفس وتعطشها الهمجي الى الدماء، فالذئب يبقى ذئبا ولا يغير في طبيعته أن يرفل بالخز والحرير، اما عظمة الانسان فهي ان يكون انسانا، ويخرج من روحه كل عتمة وظلام ووحشية.