جميل الدويهي يكتب عن نصّ للأديبة مريم رعيدي الدويهي “جبينو عالي” من مجموعتها الجديدة “معزوفات عالقصب للشارع الغريب”

 

1-النصّ

جبينو عالي

متل خيام الحور

عا تلال التلج والعاصفه…

يمكن شي مرّه ينحني

تا يهْمس لشبابيك الحلوين…

وتا ياخدني من إيدي عالطريق

ويعلّمني القرايه

 بكتاب عتيق

من إيّام الحرب والخيل…

والحبر متل الليل

وصبايا عم يغنّو مع الحصّادين

وقمر تشرين…

بتْطّلع بعيونو

وبْخاف يزعل

وتصير قصّتنا غياب

ويتخزّق الكتاب…

***

ضلّك معي…

وأنا وإنت منرسم عالسما غيمه

ومنحكي تا يخلص الوقت…

 وشو الوقت إلاّ أنا وإنت

والقنديل اللي بيضْوي

عالساحه…

هون كانو ولاد عم يلعبو…

 ليش كبرو؟

 ما عرفنا…

 سألنا النهر، قال:

أنا عم إكبر كمان

 وكلما بعدت صوب البحر الكبير…

 بزعل كتير…

يا ريت فيّي إرجع

صوب المعموديّه

صوب الشتي

وكانت الأرض يابسه…

متل المرا الحزينه

عا باب المدينه…

وسألنا جارتنا الختياره

شلحت العصا وقالت:

 بعدني صبيّه

 والوقت نسي يمرق عليّي…

 وناطره عريس

 تا حطّو بالكيس

وما يفلت من بين إيديّي…

***

… وبعدو جبينو عالي…

 ولو كانو عيونو مجرّحين تجريح…

أغمق من الوقت والريح

 ومن قدّام عيوني ما بيزيح…

 

2- قراءة جميل الدويهي: “جبينو عالي”  لمريم رعيدي الدويهي

نهج “أفكار اغترابية”… البساطة والعمق وشغف الحرف

مَن هو الذي “جبينو عالي”؟ أهو الحبيب أم الوطن؟

لعلّه الاثنان معاً… أو واحد هو في اثنين… وتخبر عنه أشياء الطبيعة: خيام الحور، تلال الثلج والعاصفة. ولا ينحني كما يبدو، ولكن “يمكن شي مرّه ينحني”. وتعلّل المريمة لماذا ينحني ذات مرّة، لكي يهمس على شبابيك الحلوين، أو يأخذها بيدها على الطريق ليعلّمها القراءة. معلّم هو من أيام قدموس وبيروت أم الشرائع…  ومعلّمها في أفكارها الاغترابيّة، وهي سيّدة الأفكار المتوّجة بتاج العطر والحنين.  وكم يبدو رائعاً هذا الحبيب، وتخاف أن تنتهي القصة معه… وللخوف ما يبرّره في قلق الغربة، والتشظّي على شواطئ السفر. لذلك تدعوه إلى البقاء: “ضلّك معي” بلهجة آمرة، لا مجال للانفلات منها. ثمّ تزيّن له جمال البقاء معها، حيث يرسمان معاً غيمة، والغيمة رمز للنقاء، والعطاء، وانهمار المطر على الأرض، وهما – المؤنث والمذكر- ينجبان من الحبر غيمة، ويمثّلان الخلود والضوء من قنديل الإبداع.

وكما عرفنا مريم وألفنا كتاباتها، يبقى هاجس الوقت يشدّها من يدها، ويطغى على نصوصها، بيْد أنّ الوقت لا شيء إذا لم تكن معه… وتتّخذ من الأطفال وسيلة لمعاتبة الزمن الذي يجري ولا ينتظر: “ليش ما كبرتو إنتو؟” عند الرحابنة، و”ليش كبرو؟” عند المريمة.  وببساطة تجيب: ما عرفنا. والتجاهل هنا إنّما هو هروب من الحقيقة المرّة. وتسأل النهر، فيجيب بفلسفة عميقة: أنا أكبر أيضاً وليتني لا أكبر، بل أعود إلى الوراء لألتصق بجرن المعموديّة وساعة الولادة. النهر حزين لأنّه يمضي إلى المحيط الكبير، النهاية المحتومة، حيث يتحلّل ويصير من غير أثر وعين.

وكأنّ مريم تريد أن تثبت، بصورة كوميديّة، أنّ شرّ البليّة ما يُضحك، تستخدم المرأة العجوز، لتؤكّد شغف الإنسان في البقاء صغيراً:

“وسألنا جارتنا الختياره

شلحت العصا وقالت:

بعدْني صبيّه

والوقت نسي يمرق عليّي…

وناطره عريس

تا حطّو بالكيس

وما يفلت من بين إيديّي”…

من الواضح أن الذي “نادى الناس تا يكبرو الناس، راح ونسي الختياره”، فبقيت صبيّة، تبحث عن عريس، لتضعه في الكيس ولا يفرّ منها.

وفي قمة النصّ الساخرة، والممتعة، والمضحكة، تعود مريم إلى  العنوان، لتكرّر أنّ جبينه عال، ولو كان حزيناً، فهو الأعمق خلوداً، والأكثر استحقاقاً لحبّ حقيقيّ، لا زيف فيه ولا تمثيل… حبيب لا يغيب عن عينيها… فمَن هو، وما هو يا ترى؟

اترك رد