أراد القنديل المشتعل أن يتباهى أمام القنديل المنطفئ، فقال: أنظر إليّ يا أخي العزيز، فإنّني أجمل من عروس في ليلة زفافها، ولولا أنواري لتاه السائرون في الطريق، وغرقتْ المدينة في ظلام. أنا ابن الله والله يعرفني، ومن أنواره العظيمة اقتبستُ شعلة أبديّة، ولذلك لا يأخذني نوم، ولا تنظفئ شعلتي. أنا النار المقدّسة التي تحدّثتْ عنها الكتب، واعتنقتها الديانات.
قال القنديل المنطفئ: وأنا مثلك يا أخي، ولدنا معاً من أمّ واحدة وأب واحد، والله يعرفني أيضاً، فكما أنت تضيء الآن في العتمة كنت أضيء فيما مضى، لكنّ الزمان أقعدني، فأصبحتُ أثراً بعد عين. وها أنذا، على مقربة منك، أتذكّر أيّام الصبا، عندما كانت شعلتي لا تنطفئ، وكنت أظنّ أنّها شعلة خالدة لا يقوى عليها الموت.
في منتصف تلك الليلة، ارتعش النور على صفحة الليل، وهبّت رياح قويّة، فأسقطت القنديل المشتعل من مكانه فتناثر إرباً، وتحوّل نوره إلى عتمة حالكة، أمّا القنديل المنطفئ فقد نجا من غضب الطبيعة، وظلّ وحيداً في الفضاء لا يجاوره أحد سوى ظلامه.
***
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي النهضة الاغترابيّة الثانية – تعدّد الأنواع