كلمة تكتب : متحف موسى طيبا للفن المعاصر
مع مسار التاريخ ولدت كما ولد الانسان وبدأ يكتشف مشقة أنانياته ويفكر جاهداً بما حوى: فملك وحاور وكأنه ملك ولكنه لم يملك ولم يهتد ليبقى (سر ذكرى مع الأجيال) : لسؤال وجواب بين الذات والذات بكل ما أوتيا أو أتى أمام مرآة الفن “الطبيعة الإنسانية” لتستمر الحياة بالعمل والفلاح وتضىء بالألوان.
“موسى طيبا”
موسى طيبا رجل في الفضاء الكائن بين الصمت والتحول ولد في قرية تربيخا الفلسطينية عام 1939 وكبر في بلدة قانا الجنوبية وانتسب إلى الأكاديميّة اللبنانيّة للفنون الجميلة في بيروت، حيث تعلّم تقنيّات الرسم المختلفة بإشراف أساتذة فرنسيين وأستاذ إيطالي.
تعرض الفنان الراحل مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، لنكبة احتراق مسكنه ومحترفه والعديد من لوحاته، ما اضطره بعد 13 سنة من التدريس في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانيّة، إلى مغادرة بيروت نحو أوروبا، فعرض في روما وميونيخ أعمالاً من بينها لوحة «المجزرة» التي يزيد طولها عن تسعة أمتار، إلى أن استقرّ في مدينة شارتر في فرنسا عام 1986.
واستمرت هجرته 15 سنة، عاد بعدها إلى بلدته قانا، حيث حوّل منزل والده إلى معرض دائم للوحاته، فبلغ عدد أعماله نحو 250 عملاً فنياً موزعة بين منحوتة ومجسّمة وأكواريل ومائية تم إنجازها ما بين 1962 و2002.
وشارك في العديد من المعارض الدولية والوطنية، إضافة إلى معارضه الخاصة.
وإقامة هذا المعرض الدائم كان جهداً فردياً، يقول عنه في أحد الحوارات:
هذه الأعمال ليست سوى تراث لأجيال قادمة.
وإذا كنا قادرين يجب أن نحفظ هذا التراث.
وإن كنا عاجزين عن وضع هذا التراث في مكان ما، فهناك الطامة الكبرى.
كل إنسان فنان.
وكل إنسان هو صاحب خير وشر.
وكل إنسان هو نقيض نفسه.
ولكن تبقى الصورة الأولى والأخيرة أن الإنسانية واحدة.
الإنسانية التي يتمثل فيها الفنان هو عمله الفني.
ولا شيء من دون فن.
أما كيف كان هذا المتحف؟ كإنسان وفنان مررت في حروب كثيرة.
ولدت في الحرب العالمية الثانية.
ويضيف: «شهدتُ على مدار الزمن حروباً حتى يومنا هذا من اغتصاب فلسطين، إلى فيتنام، غزة، العراق وغيرها من حروب محلية وإقليمية.
هي حروب كثيرة مرّت على لبنان والعالم.
فليس لي القول بأني مواطن من لبنان أو فلسطين أو كردستان فقط.
فالعالم واحد، والإنسان واحد.
لهذا قلت في نفسي يجب أن أجمع تراثي الذي هو لا شيء وهو كل شيء.
جربت جمعه في فرنسا، ومن ثم في بيروت، ولم أتمكن.
فعدت إلى بيتنا العتيق الذي هو أصيل ويقع في قانا بلدي، أضع فيه لوحاتي حتى يفرجها الله علينا.
جاهدت لسنوات حتى وصل هذا المتحف إلى ما نراه اليوم».
وعن أحلامه الفنية، كان يقول: «حلمي أن تكون لي لوحة. فأفكار مجتمعي كثيرة والفنان مرآة مجتمعه، ومرآة العالم جميعه وكذلك الكون.
أفكاري، والوهم الذي أعيشه مصدره نفسي.
لكن شكراً للموجودات التي بقربي.
نفسي لن تعطيني إذا لم أشاهد ولم أتفاعل.
الأوهام والانفعالات في مخيلتي لا تنتهي، فالإنسان لا ينتهي.
منذ آدم حتى اللحظة، الإنسان واحد، وكذلك الكون.
حتى ولو أصيب هذا الكون بخراب أو دمار، وقنابل وصواريخ.
ولو أصيبت المجرات بهموم الحرب والاعتلاء على الأشياء، يبقى الإنسان والكون والأرض الطيبة الخصبة واحدة»
ما زال متحف موسى طيبا رغم أهميته يعيش عزلة وطنية وفي طريق متعرج ضيق تسلكه لتصل إلى واحد من أهم المتاحف التشكيلية التجريدية في لبنان. تستقبلك الرسومات الواقعية عند مدخل ارتفعت فوق بوابته لوحة رخامية عملاقة تخبر الزائر عن قيمة الفنان الذي ذاع صيته محلياً وعربياً ودولياً، ودخل الشهرة من بوابة الأفكار الإبداعية التي مزج فيها الواقع بالظلم القائم في كل الوطن العربي فنتج عنها لوحات غاية في الجمال الفني.
في العام ٢٠١٤ رحل الفنان موسى طيبا، ولم يكمل بعد مشروعه الكبير الذي بدأه عام 2000 حين حوّل منزل والده في قانا إلى متحف يرصد متغيرات الحياة بأبعادها الإنسانية. جمع الخيال بالواقع فتحول الحجر بين يديه إلى ناطق بالظلم أخرجه طيبا بشيء من الخيال الفني الذي أعطاه هوية مغايرة عن فناني عصره، هذا التمييز فتح له الباب على العالمية.
متحف موسى طيبا الذي يقع في ثلاث طبقات موقعاً فنياً رائداً، لكل لوحة في متحفه حكاية وقصة عاشها طيبا.
غلبت الواقعية اللامتناهية على أعماله حاكى الأم والطفل والأرض والوطن والتشرد.. وخصوصاً في لوحتي «الرصيف اللامتناهي» «والمرآة الكبرى» اللتين شكلتا الشرارة الفنية الأولى له، فيما كانت «الكوركيدا» التي تجسد الصراع البشري المحطة الأهم في مشوراه الذي أصر أن يحفظه في متحف يحكي للمستقبل قصة فنان آمن بالإنسانية، هذا ما دفعه ليخصص الطابق الثاني من متحفه لمجسم «تراب الدم» صنعه من حديد وخشب وأشرطة توحي للمشاهد أنه ينزف من الجراح التي أنهكت المواطن التائه، الصامد، العنيد.
تقول ارملته السيدة اسمى قباني «موسى طيبا كان يسيطر سيطرة جيدة على مسطحه التصويري وهو يرسم ما يتسنى له من إسقاطات الذاكرة. لم يكن فناناً تعبيرياً بقدر ما كان فناناً تجريدياً، لا يميل إلى الغنائية بل يميل إلى قدر من الترميز. لقد عشنا زمناً ونحن نتجاور قبل 40 عاماً في ضيعة قريبة من بيروت، حتى أكلت الحرب بيوتنا، وعدنا لنرسم من جديد».
تضيف السيدة اسمى : «لم ييأس موسى طيبا؛ بل كان يبتسم دائماً. أذكر أحلامه الكبيرة والصغيرة، لم أستنكر يوماً عليه حلمه، بل كنت أرى فيه جزءاً من كينونة أتمنى أن تتلبس الجميع وتجعلهم جزءاً من هذا الحلم الكبير. نذر بيته لكي يكون متحفاً»، لافتة إلى أنه «في فرنسا حاول أن يستعيد قانا، وفي قانا حاول أن يرسم هدوء فرنسا؛ لذلك هو رجل في الفضاء الكائن بين الصمت والتحول».
يحوي متحف موسى طيبا، في قانا نحو 250 عملاً فنياً موزعاً بين منحوتة ومجسّمة تم إنجازها ما بين عامي 1962 و2002، في الطابق الأول خمس قاعات وثلاثة ممرات وحديقة استقبال. تحمل القاعة الأولى اسم «قاعة الوالد» تضم أعمالاً تعود إلى الأرض الأم، الإنسان التائه، المشرّد.
القاعة الثانية وهي «قاعة السفير»:
تعتبر الأكبر لتكون قاعة محاضرات ولقاءات وحوارات وجزءاً من أرشيف حياة الفنان. هذا بالإضافة إلى احتوائها العديد من المجسّمات الفنية المتنوعة والمشغولة من الحديد والرخام والخشب.
القاعة الثالثة هي «قاعة تربيخا» على اسم ضيعة الفنان موسى طيبا.
القاعة الرابعة تحمل اسم «قاعة القباني»، وهو محافظ مدينة بيروت في عهد الأتراك وأول مؤسّس لمجلة «ثمارات الفنون» الصادرة باللغة العربية.
أما القاعة الخامسة فهي «قاعة جبران» وتمتاز بمنحوتتين ل«دمعة وابتسامة» للشاعر جبران خليل جبران ويطغى عليها اللون الأزرق.
في الطابق الثاني مجسّم ل «تراب الدم» فضلاً عن مجموعة من 60 لوحة زيتية.