مجلة “خطابات” العدد الرابع

يقدم العدد الرابع من مجلة خطابات مجموعة من الدراسات والترجمات المتنوعة التي تتسع اهتماماتها لتشمل الثورة، والمواطنة، ونقد الخطاب السياسي، وسرديات الوباء. بالإضافة إلى سياسات تعليم اللغات، ومقاربة السرد من منظور إدراكي (عرفاني). وتأتي إشكاليات الواقع العربي المعيش على رأس اهتمامات مؤلفي الدراسات، الذين سعوا إلى فهم تلك الإشكاليات ورؤيتها وفق أطر تفسيرية كاشفة. كذلك حرص المترجمون على تقديم إضافة إلى المكتبة العربية من خلال ترجمة أعمال يجدر بالباحث العربي أن يكون على دراية بها، وبما تعكسه من تطور معرفي في مجالات الدرس اللغوي والأدبي.

يتضمن العدد ست دراسات وترجمتين. عُنيت الدراسة الأولى بمفهوم “الجسد” وكيف يمكن له أن يكون “ساحة للصراع الأيديولوجي”. اهتمت الدراسة – التي ألفها أشرف عبد الحي وإيمان الصديق وشادية شرفي – بذلك السجال الذي نشأ حول تعيين امرأتين في منصب الوالي في السودان بعد ثورة 19 ديسمبر 2018. تفحص الدراسة “طبيعة الخطاب المناهض لتعيين المرأة في هذا المنصب السياسي الرفيع بالمقارنة مع المواقف المؤيدة؛ من خلال التركيز على التصورات الاجتماعية التي يعبّر عنها، والتبريرات الأيديولوجية التي يستند إليها، وطبيعة المعجمية الثقافية التي يستخدمها”. تتناول الدراسة مفاهيم مثل “السردية الذكورية” و “سوسيولسانيات الجسد” وتطرح تساؤلا حول دور “الجسد” في تشكيل الهوية. تقدم الدراسة تحليلات معمقا للآليات اللغوية والخطابية التي استخدمها كل من الخطابين المؤيد والمعارض لتعيين المراة في منصب الوالي بالسودان.

ومن الحراك السوداني إلى الواقع اللبناني، ينتقل بنا أحمد مفلح في دراسته لمفهوم “المواطنة” في خيال النشء اللبناني. ويعالج مفلح مدونة خطابية طالما حظيت باهتمام التربويين لكنها نادرا ما تحظى باهتمام باحثي اللسانيات وتحليل الخطاب؛ أعني النصوص الأدبية المدرسية. يحلل الباحث 178 نصا أدبيا في خمسة كتب مدرسية، تُدرّس أربعة منها في مدارس خاصة (غير رسمية)؛ وهي مدارس مختلفة التوجهات، منها السني والشيعي والمسيحي. أما الكتاب الخامس فهو الكتاب الرسمي المعتمد من وزارة التربية اللبنانية. ويتوجه الباحث إلى تلك المدونة بسؤال: “إلى أي مدى أسهمت المناهج التربوية في لبنان في تعزيز صورة الدولة ومفهوم المواطنة لدى النشء؟”

أما الواقع المغربي فكان حاضرا، في هذا العدد، في دراستين. الأولى “بناء المعنى في ملصق الدعاية الانتخابية: مقاربة سيميائية” لـ عادل بن زين. والثانية “وظيفة الاستعارة في الخطاب السياسي: نموذج من الخطاب السياسي المغربي” لـ ياسين معنان. في الأولى يقدم بن زين قراءة لغوية بصرية لملصق الدعاية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية المغربي، متوسلا بالسيميائيات إطارا نظريا وإجرائيا. ويسأل الباحث: “ما البنيات المسئولة عن إنتاج المعنى في ملصق الدعاية الانتخابية وكيف تعمل؟”. أما في الثانية، يدرس معنان الاستعارات الواردة في خطبة ألقتها الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد في المغرب، ويستثمر الباحث المنجز المعرفي المؤثر لجورج لايكوف ومارك جونسون حول الاستعارة المفاهيمية (في كتابهما “الاستعارات التي نحيا بها”) ويتتبع استعارة “السياسة حرب” وما ينتج عنها من استعارات فرعية ويكشف كيف وُظِّفت تلك الاستعارات في الخطاب. ولم يغب الخطاب السياسي الغربي عن عدد “خطابات” الرابع. ففي دراسته “التحليل النقدي للخطاب السياسي الأمريكي: خطاب دونالد ترامب إلى العالم الإسلامي نموذجا”، يقدم حميد الزيتوني شرحا مفصلا لعدد من الاستراتيجيات الخطابية التي اعتمدها ترامب في خطابه إلى العالم الإسلامي مثل استراتيجيات: التقاطب، الضرورة، اللعب بالأرقام، التضميات، وإجماع الرأي. ويكشف الزيتوني – كما هو الحال في دراسات التحليل النقدي للخطاب – تقاطعات الخطاب والسلطة، والآليات الخطابية المستخدمة لتكريس الهيمنة.

ومع استمرار المعاناة في عالم يرزح تحت أثقال جائحة كورونا، تمدنا نادية غضبان باستبصارات حول المرض، والأزمة، والذاكرة في دراستها المعنونة بـ “الأوبئة في خطاب الأزمة: الذاكرة والاستعارة العابرة للثقافة”. والدراسة ذات مبحثين: الأول يتناول الأوبئة بوصفها أزمة ترتبط بفكرة النهاية وتثير سؤال المصير، والثاني يرصد علاقة الأوبئة بالذاكرة والخطاب الاستعاري. مادة المبحث الاول معاصرة وهي عظات وخطب صدرت عن مؤسسات دينية كبرى إبان ظهور الجائحة، ومادة المبحث الثاني تراثية وهي كتاب “بذل الماعون في فضل الطاعون” للحافظ ابن حجر العسقلاني. بالإضافة إلى رصد للأنماط الاستعارية المتنوعة في التعبير عن الوباء في نص سردي هو “حديث عيسى بن هشام” لمحمد المويلحي.

أما المقالين المترجمين، فالأول هو “الأعرف اللغوية: تعلمها وقياسها” لـ Carsten Roever، وترجمة وليد العناتي. والثاني هو “المركز الإشاري: نظرية للمشيرات في السرد” لـ David A. Zubin و Lynne E. Hewitt، وترجمة أحمد نتوف ونوارة عقيلة. في المقال الأول يبرر العناتي اختياره للمقال بندرة الدراسات العربية التي تعالج موضوع “الكفاية التداولية” رغم أهيمته للمشتغلين في مجال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، بالإضافة إلى انفتاح موضوع المقال على العديد من القضايا التي تهم اللسانيين التطبيقيين ومعلمي اللغات المحترفين مثل قضية المفاضلة بين أسلوب التعليم الضمني وأسلوب التعليم الصريح ومدى انتفاع المتعلم بهما في بناء كفايته التداولية وقضية الفشل التداولي ومسبباتها. ويصدّر العناتي ترجمته بمقدمة يعرّف فيها بأهم المصطلحات الواردة في الترجمة. أما المقال الثاني فيقدم مقاربة نظرية للسرد من منظور العلوم العرفانية cognitive science تربط بين الفعل الإدراكي البشري والطبيعة الإشارية للغة ويعرض الجزء الأول من المقال نظرية للمكوّنات الأساسية للتمركز الإشاري في التخييل، ويشرح الجزء الثاني العمليات التي تؤثّر في بناء المركز الإشاري وتعديله باعتباره مظهرًا للقصة.

مدير التحرير: ضياء عبد المبدي

 

اترك رد