بقلم: الأديب مازن ح. عبّود
طحشت “رورو” لتناول القرابين في كنيسة الحارة التحتا من “كفرنسيان”. ضاع الخوري “جريس” لمّا صادفها. فقد كان يضيف على كل اسم متقدم للقربان “أوس” ويتلو الاسم جهارًا، إلا أسماء النساء. ومعه مثلا جورج يصبح جاورجيوس ونجيب نجيباوس. أما النوس فيصبح نوساوس. وذلك كي تكون الأسماء أكثر تلائمًا مع لغة الليتورجيا الكنسية. كيف لا، والناس تصبح مقدسة حين تدخل الكنيسة!!! فللقداسة لغتها التي يتقنها أهل القداسة والورع. كان الدين بالنسبة إلى أهل “كفرنسيان” طقوسًا.
عدم إضافة “أوس” إلى أسماء النساء، مهما علا شأنهنّ، أحزن “رورو” وجعلها تفكر مليّا في يونانية الخوري “جريس”، وفي النساء وأدوارهنّ في الكنيسة. لعنة اللغات، وما أكثرها وأغناها في “كفرنسيان”!! وقد راج العصفوري الذي شيّعته هي ويوناني الخوري “جريس” بالإضافة إلى “البيروتي”. فلكل مقام مقال في تلك الضيعة المغمورة، ولكل حيّ من أحياء “كفرنسيان” المحفوظة من الله لكنة وشفيع وكنيسة. وقد كان كهنة تلك القرية يتحابون في العلن، ويقبلون لحى بعضهم البعض من دون أن يعني ذلك شيئًا. حتى إنّ بعض أمهاتهم كنّ يتسابقن على إرضاء رؤساء الكهنة، إذا ما شعرن أنّ الدنيا قد مالت إلى الانتخابات في المجمع المقدس. فالناس تنسى وجهة المسير غالب الأحيان.
راح “برهوم” يتأمل في كل ذلك. وقد تألم لأنّ في قريته وعظًا كثيرًا، وكلامًا كبيرًا، وزغلاً مخيفًا. كان الرجل يهيم باحثًا عن نماذج حية لأناس قررت أن تتقدس كي يقتدي بها، لكنه لم يجد إلا قلة. وذلك على الرغم من أنه قد عاش في كفرنسيان كهنة ورؤساء كهنة كثر.
سرّ “برهوم” كثيرًا لمّا تذكر الخوري “يوئيل” الذي ما امتلك إلا شبه جبة واحدة وصليبًا خشبيًا. وقد عرف عنه أنه، في سنواته الأخيرة، كان يسأل ربه دومًا الرحيل من غربة “كفرنسيان” إلى الديار. وقد نقل عنه، أيضًا، أنه كان في كل مرة يقف أمام أبواب الفردوس، ويقرع. كان يسأل عن اسمه. فكان يجيب: “أنا الحقير في الخوارنة يوئيل، خوري الحي الفوقاني في “كفرنسيان”. “يا رب افتح لي”. ويقال إنه كان يطلب إليه أن يعود إلى “كفرنسيان” كي يستكمل مشوار الارتقاء. حتى أجاب يومًا البوّاب، قائلا: “أنا أنت، يا ربي وإلهي”. ففتحت له البوابات، ودخل إلى حيث الكل يشتهي أن يقيم. فالبشر لا يقيمون مع الله، الا عندما يصبحون آلهة. فيصيرون هم هو، وهو هم.
كان الخوري “يوئيل” ومضة ما عاد يتذكرها الكثير في “كفرنسيان” الذين تشاجروا حول الأساقفة وكهنتهم. إلا أنه كان ذاك الطارق من “كفرنسيان” الذي فتحت له أبواب الفردوس.