أحبّوا الإله الذي يحبُّكم، لا الإله الذي يرعبكم.
واذهبوا مع إلهكم في مسالك النور، ولا تدعوا إلهاً أعمى يقودكم، لأنّ الهاوية ليست بعيدة.
صدقاً أقول لكم إنّ فيكم آلهة كثيرة، بعضها للغضب، وبعضها للشهوة، وبعضها للفضيلة، وبعضها للحبِّ والسلام، فاعلموا أنّ الآلهة التي تأخذكم إلى الشرّ هي آلهة مزيّفة قد صنعتموها بأنفسكم، أمَّا الإله الذي يقودكم إلى الخير فهو الإله الحقيقيّ الذي وجد نفسه بنفسه، فلا يتعب ولا يموت. وأنتم لن تحزنوا وأنتم تمجّدون الإله الذي يعطيكم الأمان.
وكلّما رأيتم إلهاً يخرج منكم ولا يعود، فلا تتبعوه إلى الغابات والبراري لكي ترجعوه، فالإله الذي يحبّكم لا يغادركم، والإله الذي جاء لكي يضع أمامكم عثرات هو الذي يغضب من عدم استجابتكم له، فيرحل عنكم وهو يُولوِل ويلطم وجهه.
ليس من إله يضطهدكم، كما ليس من إله تضطهدونه، فاحملوا إلهكم في قلوبكم وأرواحكم، ولن يأخذه منكم مجد ولا سلطان.
وإيّاكم أن تدافعوا عن إلهكم إذا تعرَّض للقسوة، فإنَّه لا يحتاج إليكم، لأنّه يتكلّم بلغات كثيرة، ويسمع بآذان، ويرى بعيون، وإنَّ كثيرين ممّن يُرافعون في المحاكم لا آذان لهم ولا عيون.
وقد تطلبون إلهكم أحياناً فلا تجدونه، فلا تقولوا: لماذا هو غائب عنّا؟ بل اسألوا أنفسكم لماذا أنتم غائبون عنه؟ وعندما يكون إلهكم قريباً منكم، اغتبطوا وافرحوا، وادعوا المرنّمين إلى منازلكم. وصدقاً أقول لكم إنَّ الإله لا يأتي إليكم لو لم تفتحوا أبوابكم، وتنفضوا الغبار عن موائدكم، ولو لم تكسروا من خبزكم لتعطوا الجياع والمحرومين.
وعندما تصلّون لإلهكم، فاعلموا أنَّه يسمعكم ولو كانت أصواتكم لا تصل إلى البعيد، فإنّ الذين لا يتكلَّمون يبتهلون بصمت، كما تبتهل الأودية والمروج والأشجار العالية. إنّ الكلام لا يصنع لكم صلاة، بل إنّ الصلاة هي ما يصنع لكم كلاماً تتمجّدون به ، وتفرح به السماء.
وإنّ كثيراً من الناس يتظاهرون بأنَّهم يحبّون إلههم، ولكنّ إلههم لا يشبههم، ولا يتحدّث عنهم. أمّا الذين يحبّون إلههم بصدق، فكلَّما ذهبوا إليه، فتح لهم أبوابه، واستقبلهم بوجه بشوش، وخاطبهم برفق كما يخاطب الأب أبناءه. ولكن لا تيأسوا إذا أقفل الإله بابه ولم يستقبلكم، بل عودوا إليه مرّة أخرى. فإنّ أكبر خطيئة لم تتحدّث بها الكتب هي أن تقولوا: إنّ الله لا يحبّنا.
ومنكم أناس يحبّون إلههم في كلّ يوم، فهؤلاء هم المختارون. ومنكم مَن يحبّونه في بعض الأوقات، فهؤلاء يتبعون نزواتهم إلى حين، وعندما يتعبون منها يبحثون عن إله يريحهم ويسامحهم. وهناك من لا يحبّون إلههم إلاّ عندما يحتاجون إليه، فأولئك هم المخادعون الذين يدخلون إلى السوق ومعهم بضاعة يبيعونها، ويطلبون من الله أن يبيع معهم، فإذا استجاب لهم
وربحوا في تجارتهم أحبّوه، وإذا لم يستجب قالوا له: أنت لسنا منّا ولا نريدك بيننا.
وكم هو صعب، أيُّها الأحبّةُ، أن يطلب الإنسان شيئاً من الله ولا يجده، ولكنَّ الله ليس على صورتنا ومثالنا، بل نحن على صورته ومثاله، والله ليس بائعاً متجوّلاً ولذلك لا يمكنه أن يكون كما نريد ونشتهي، كما لا يمكننا أن نتخيَّل إلهاً يأتمر بأوامرنا، ونقول له: إفعل فيفعل.
وكما أنَّ الله لا يعرف الحقد والضغينة، فكونوا أنتم كذلك، ولا تكتفوا بأن تعطوا المحبَة للناس، بل كونوا المحبّة التي تسير على الأرض، وتعصر من عناقيدها للعطاش. وما أتعس الذين يسيرون بينكم والشرُّ في قلوبهم، فالله يعرفكم ويعرفهم، ومهما اختبأوا وراء الأقنعة، فإنّ وجوههم ظاهرة للعيون… وحين يقول الأشرار والمخادعون والجبابرة: نحن في أمان، ولا أحد يستطيع أن يرانا، يكونون عراة أمام الحقيقة، والحقيقة لا يستطيع أحد أن يخدعها.
***
*جميل الدويهي – مشروع أفكار اغترابيّة للأدب الراقي النهضة الاغترابية الثانية – تعدّد الأنواع