مؤتمر النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان مشروع أفكار اغترابية/ كلمة الختام: مؤسس مشروع أفكار اغترابية د. جميل الدويهي: المنصّة 5 – دور أفكار اغترابية والنهضة الاغترابية الثانية – تعدّد الأنواع

 

 

اختتمت أعمال  مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” الذي ينظمه  مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي-سيدني،  منتدى لقاء – لبنان، بستان الإبداع – سيدني.

يصدر عن المؤتمر كتاب من جزءين او ثلاثة، يضم جميع الأوراق المشاركة، وترسل نسخ منه إلى المشاركين والمكتبات والكبرى. يعقد المؤتمر حضوريا في جلسة واحدة، فور انتهاء الأزمة الصحية، وتقرأ مختصرات الأوراق بالنيابة عن المشاركين المقيمين خارج أستراليا.

في القسم الأول من المؤتمر تم نشر عشرين ورقة لأدباء ومفكرين من لبنان وأنحاء العالم.

في القسم الثاني تم نشر  16 ورقة، في ما يلي كلمة الختام: مؤسس مشروع أفكار اغترابية د. جميل الدويهي: المنصّة 5 – دور أفكار اغترابية والنهضة الاغترابية الثانية – تعدّد الأنواع.

 

 

مؤتمر لنهضة اغترابيّة ثانية، ولمَ لا؟

هذا السؤال طرحته في بداية مقابلة مع الأديبة كلود ناصيف حرب، مؤسّسة بستان الإبداع، الشريكة في المؤتمر، فمن غير المألوف ولا من باب الشجاعة أن يقف الإنسان مكتوف اليدين وهو يعمل، وينتج، ويتلقّى الصدمات يوميّاً، باعتبار أنّه لا يفعل شيئاً.

كلّ يوم تقريباً، أتذكرّ مقطعاً من مسرحيّة “جسر القمر” للأخوين رحباني، عندما يكون “مخّول” صاعداً على الدرج ومعه كيس كبير فيه طنّ من الأغراض، فيسأله “سبع” : شو هيدا اللي عا ضهرك؟ فيجيب مخّول: هيدا؟ ما شي.

مخّول يشبهني،  ولكن لو وضعت كتبي، وإنجازاتي، ومجلّتي، ومهرجاناتي، وجلسات أفكار اغترابية الحوارية، ودوري، وأنواعي الأدبيّة، ومركزي الأدبي والإعلامي والأكاديمي، ورعايتي للكتب والمبدعين، وجهودي لمدّ جسور التلاقي بين أستراليا والعالم… فإنني أرى أنها شيء مهم، وأخذ سنوات من عمري، ومن صحتي، وليس من داع لتحييد الأنظار عن الإبداع تحت مسميات أخرى لا حقيقة لها.

لو لم يقدم أفكار اغترابية سوى رعاية الكتب لأدباء آخرين من أستراليا كل أصقاع الارض، لكان هذا يكفي لأن يدل على تواضعه ومحبته. ونقطة على السطر.

لقد أفلح أفكار اغترابية، مشروعي الذي أطلقته في عام 2014 أن يقدم في أستراليا وحدها أضعاف أضعاف أضعاف ما قدمه اللائمون، ولكنه لم يتمكن من خلق حالة نقدية تواكب إنجازاته، بسبب الجدران التي تحيط به من كل جانب، وقد عوّض عن هذا الفشل أساتذة كبار حول العام، عجز الحصار في الوصول إلى ضمائرهم الحية، فارتفعنا بهم ومعهم. وقد صدر حتى الآن 20 كتاباً تتناول بالدراسة مشروعي وأعمالي شخصياً، وهذا اعتبره انتصاراً غير عاديّ، بل هو كانتصار هنيبعل على جبال الألب في شهر كانون الأول. وهناك كتابان الآن، حسب علمي، قيد الإعداد، واحد عن كتابي “في معبد الروح”، وآخر عن رواياتي الأربع.

هذا النجاح غير العادي، كتب عنه العديد من الأساتذة الذين قدموا أوراقاً إلى هذا المؤتمر الرفيع، بشراكة مع منتدى لقاء في لبنان، وبستان الإبداع. فليتني أجد لغة أعمق من البحار، وأرقّ من صَبا الشرق لأشكرهم، وكم أغبطني الحضور الإعلامي للدكتور عماد يونس فغالي والدكتورة سحر نبيه حيدر في لبنان، والأديبة كلود ناصيف حرب في أستراليا، والإعلامية كلود أبو شقرا، والدكتور جوزيف ياغي الجميل، والاستاذ سليمان يوسف ابراهيم، والدكتور كلوفيس كرم… وهم رسل، وجميع الذين شاركوا رسل أيضاً، كل بحسب المساحة التي عمل فيها. فما أعظمكم وما أكبر عطاءكم! أما الذين صمتوا، أو اعتبروا المؤتمر غير موجود، فإن الموجود هو موجود أيضاً، ولولا ذلك لما قيل إنه غير موجود.

لماذا المحبّة لأفكار اغترابية؟

كلمة محبّة هي الحبّة التي بذرها الفلاح في الأرض، فزاد عليها “ميم” المعاناة، وارتفعت سنابل وفيرة في الفضاء. ومن أين تأتي المحبة؟ هل هي عدوى؟ أم تحدث بفعل جاذبية الفرد، وجمال هيئته؟ لا. إنّها تحدث بناء على معطيات ووقائع، وقد نجح أفكار اغترابية في تقديم هذه المعطيات والوقائع، وكانت المقارنة تشع كما الشمس، فأهل الأدب والثقافة في كل العالم يعرفون أفكار اغترابية، وتعدد أنواعه، وجهوده التي لا تتوقف عند حد من أجل الحضارة والإنسان. وتعدد الأنواع هو ما يميّزنا، فلو قطعنا آلاف الكيلومترات لنقول شعراً فقط، لسألنا أنفسنا: ماذا نزيد على أحمد شوقي، وإيليا أبي ماضي، ونزار قباني، وسعيد عقل، والسياب؟ إن شعراً لا يقدّم أجمل من هؤلاء هو شعر، لكنّه عاديّ. أما الأدب الذي يحلّق بأجنحة التنوع، من كل لون وطعم، هو الادب الذي تعنيه كلمة “النهضة الاغترابية”، وقد أُطلقتْ أصلاً علينا، ولم تكن معروفة في أوساط الأدب إلا عندما أرسلها إلينا تحديداً، الدكتور كلوفيس كرم، والأستاذ محمد العمري، في أمسية قدّمنا فيها 4 كتب (2016) (كنّا نعتقد أن هذا الرقم خيالي في سنة واحدة، فإذا بنا نقدم 18 كتاباً في عام 2021.) كان الناس في تلك الأمسية – المهرجان مندهشين من العمل الدؤوب والجهد الذي بُذل لإنتاج 4 كتب، أي كتاب كل ثلاثة أشهر، ولم يكن في ذهننا قط أننا سنصل إلى معدل 3 كتب كل شهرين. وفي عام 2022 لدينا 12 كتاباً للطباعة، وقد يكون العدد أكبر… هذه هي طاقة النهضة الاغترابية الثانية، التي لم ندّعِ يوماً أننا نستأثر بها، لكنها هدية قُدمت لنا من رجلَي علم وثقافة، ونحن اضطررنا مؤخراً لتغيير هذه التسمية إلى “النهضة الاغترابية الثانية – تعدّد الأنواع” لأنها تعبّر حقيقة عنا، وتميزنا عن كثير من المؤسّسات. ولعلها المرة الأولى التي أكشِف فيها عن أن هذا المؤتمر بالذات كان ينبغي أن يحدث خارج أسترليا في عام 2017 أو 2018، تحت اسم “مؤتمر النهضة الاغترابية الثانية”، ويكون موضوعه دور أفكار اغترابية في هذه النهضة، لكن الظروف منعت إقامة المؤتمر، فأقمناه نحن، ونجحنا أيّما نجاح، وننتظر انتهاء الإقفال ليكون مؤتمراً حضورياً.

لقد قسمنا الكتب التي صدرت عنا إلى قسمين: قسم قبل أفكار اغترابية، أي عندما كنت لا أنتمي إلى أي مجموعة ثقافية، ومرحلة أفكار اغترابية بعد عام 2014، عام التأسيس. وتجاوزَ عدد الكتب المنشورة 92 كتاباًـ، منها حوالي 43 كتاباً من أعمالي شعراً، وقصّة قصيرة، ورواية، وتأريخاً، ودراسات، وباللغتين العربية والإنكليزية.

ولم يكن أفكار اغترابية أنانياً، ولا متعجرفاً، ولا مغروراً، والدليل القاطع هو أنه نشر العديد من الكتب برعايته وعنايته، كان أولها للأديبة كلود ناصيف حرب “كلمات من أعماق الحبّ”، وقد رعينا لها 9 كتب حتى الآن، الأديبة مريم رعيدي الدويهي (8 كتب)، الفنان أليكس حدشيتي (كتاب)، الشاعر أحمد الحسيني (كتابان)، الشاعر طوني رزق (كتاب)، الدكتورة عائدة قزحيا (كتاب)، الدكتور عماد يونس فغالي (كتاب مشترك معي)، الدكتور جوزيف ياغي الجميل (كتابان مشتركان معي)، الأديب سليمان يوسف ابراهيم (كتابان مشتركان معي)، الناقد نبيل عودة (كتاب مشترك معي)، وكتاب لأديبة لبنانية خارج أستراليا، إضافة إلى كتب عن جلسات حوارية ومناقشات (حوالي 7 كتب)…

ليس شرطاً أن يعترف كل الناس بهذه الكتب، بل الشرط أن يعرفوا عنها. وقد يعتبرنا أحد خارج المعادلة أو الدائرة النقدية، ونحن قدمنا ظاهرة غير مسبوقة في التعدّد، وسيستمر الخلق والإبداع طالما في العروق دم وفي القلوب نبض، وهذا ما يحدث الآن حتى تحقيق الغاية، والوصول إلى أدب مهجريّ رفيع تتحدث عنه الأجيال. نقول “رفيع”، لأننا نرفض السطحية، والتهشيم، والتجريح، والكلام النابي والسوقي. ففي دستورنا أن اللغة مرآة صاحبها، والأدب صورة عن نفسيته.

هل حقق الأدب الاغترابي نهضته الثانية؟

بالطبع لا، فهناك طريق طويل، وما فعلناه يؤسس لمرحلة جديدة، فنحن نجاهد بعد حوالي 100 سنة من توقف الرابطة القلمية، وكنا نسأل دائماً: لماذا لم تتشكل رابطة أخرى عظيمة الشأن في المهاجر خلال المئة سنة ؟ولو كانت النهضة الاغترابية الثانية تحققت معنا، لما كنا هنا في هذا المؤتمر نبحث عن وسيلة، ونسأل أهل الاختصاص والعلم أسئلة عن الحاضر والمستقبل، لكن حوالي 80 بالمئة من الأوراق المقدمة إلى المؤتمر أشارت إلى أن أفكار اغتربية قدّم الكثير من أجل تلك النهضة، على الرغم من أن المنصات الخمس لم ترد فيها لفظة “أفكار اغترابية”، ولا كان المطلوب البحث في ما حقّقه. ونحن نعتبر أن المحبة هي التي تكلمت عن نفسها، وأن المحبين أرادوا أن يبرهنوا عن تقديرهم للمشروع ودوره، فهو مشروع مختلف، شئنا أم أبينا، وإنجازاته ساطعة، وكل يوم يفاجئ بابتكار جديد، وربما هذا ما قربه من قلوب الناس. وإذا كان هناك من لا يرون هذه الحقائق، فهذا أمر طبيعي، إذ ليس هناك من مُثل ولا مثالية، ولا شيء في الوجود محل إجماع، فما يراه البعض كثرة، قد يراه البعض الآخر قلّة أو انعداماً. وللدلالة على أن كلمة “أفكار اغترابية” لم تُذكر في المنصات، ها نحن نعرضها كما يلي:

1- للأدباء والمبدعين في المغتربات (تجربتي مع الأدب المهجريّ)

2- للأدباء والمبدعين في لبنان والعالم العربيّ (رؤية لنهضة اغترابيّة)

3- للأساتذة الأكاديميّين (الأدب المهجريّ – صورة الحاضر المتوهّج)

4- للإعلاميّين (دور الأدب المهجريّ في إغناء الثقافة العربيّة)

5- للمؤسّسات الثقافيّة في أستراليا والعالم (المسيرة بين المرتجى والواقع).

هذا كل شيء، ويدحض أي قول بأن المؤتمر كان له وجه دعائي فقط، علماً أن كل المؤتمرات لها وجه دعائيّ من ناحية ما). أما إثبات الوجود، فنعم والف نعم، إذ لا نرضى بأن يغيّبنا أحد، أو أن يشطبنا أحد من المعادلة، أو أن يضع أحدهم إصبعه في عيوننا ليطفئها، فهذا ممنوع. كما أن مساواة “الحشر” لا تعنينا، فنحن نضع الأعمال في الميزان ونقيّمها، فهناك كتب تصلح لتأسيس مدن ومجتمعات فاضلة، مثل كتاب النبي لجبران، وكتاب مرداد لنعيمه، وإذا كان مذهبنا يصرّ على تقدير هذا النوع من الكتب، فهذا رأينا النقديّ، وليس انتقاصاً من أهمية أحد، فالنقد يقوم على القياس، مثل الرياضيات والفيزياء والهندسة…

وقد لفتنا أساتذة أكاديميون في أوراقهم التي وضعوا فيها اقتراحات مهمة، سنأخذ منها ما أمكن، وسيكون هناك مؤتمر حضوري هو النسخة الثانية التي ننتظر أن ترى النور، لنضع فيها توصيات، من قبل لجنةمتخصصين أكاديميين. وكنا أشرنا إلى أهداف المؤتمر، وهي:

1- استطلاع المشاركين حول إمكانيّة تأسيس نهضة اغترابية ثانية، بعد الرابطة القلمية (1916-1931)

2- إشراك اكبر عدد ممكن من الدارسين والأكاديميين والأدباء والإعلاميين في منصات لتأريخ رؤيتهم حول أدب المهاجر والمنجزات التي قدموها، هم أيضاً، من أجل الحضارة والإنسان.

3- عرض تجارب أدباء في المهاجر المختلفة، ورحلتهم مع الإبداع، في جوانبها الإيجابية والسلبية. ومن خلال ذلك، التزامهم بقضايا الوطن وهموم ناسه، وهم بعيدون آلاف الأميال عن بلادهم.

4- دور مشروع أفكار اغترابية، أو أي مشروع آخر، في نهضة اغترابية مأمولة، والصعوبات التي تكتنف أي مسيرة من هذا النوع ، خصوصاً في بلاد الانتشار.

5-الوصول إلى ورقة حواريّة مشتركة، يمكن البناء عليها، ومعرفة عوامل القوّة الضعف، أو أخطاء تحتاج إلى تصحيح، قبل تحقيق أي نهضة اغترابية ثانية، تقوم على الفرادة والتنوّع والخروج من نمطية النوع، كتلك التي حققها المهاجرون في القرنين التاسع عشر والعشرين، في الأميركتين.

يلاحظ أن بعض هذه الأهداف رؤيوية، وتأسيسية، وبعضها الآخر تأريخية أرشيفية، ولأن المنصات مختلفة كان لكل ورقة طعمها ونكهتها وغايتها، لكنها كلها انصبت في إطار العمل الجاد، سواء ماضياً أم حاضراً أم مستقبلاً، من أجل التأسيس والمتابعة، فلا أحد قدم ورقته ثم انعزل عن العالم وقرر أن يكسر قلمه، وهذا ما يشعرنا بأن الأمل معقود علينا جميعاً للمضي قدماً في نهضة من أجل الحضارة والإنسان، تواجه السقوط المدوي في السياسة والحروب والطائفية والنزاعات الصغيرة الي يدفع ثمنها الأبرياء. فللأديان دورها، ونحن لنا دورنا في توحيد الأديان معاً ديناً واحداً هو دين الله. وكل واحد منا هو كاهن المعبد الذي يضيء الشموع ويصلي من أجل خير البشرية.

ولم نعد بحاجة إلى ورقة مشتركة، فكلنا شركاء، وأوراقنا متكاملة، تشكل جميعاً كتاب الإنسان، وسنصدره في جزءين أو ثلاثة أجزاء، ليكون مرجعاً للأجيال، ومادة علمية في المكتبات. وفي رأيي المتواضع أن هذا الكتاب هو من أهم إنجازات المؤتمر وليس أهمها، فكل كلمة كتبتموها تساوي كتاباً عندي.

وكم أرجو أن تنتهي أزمة الوباء، لنلتقي في مؤتمرنا، ونجمع آراء اللجنة التي ستشكل لوضع توصيات المؤتمر، ويكون لقاء جامع لأبناء الجالية الذين عودونا على حضور احتفالياتنا بالمئات، لا بالعشرات. وهذا دليل أيضاً على أن المسيرة التي بدأناها لم تكن لتستمر وتثمر، لولا محبة الناس لنا ومواكبتهم لأعمالنا.

من سيدني إلى ملبورن إلى كانبرا فإلى لبنان، وصولاً إلى إنسانيّة خالدة، نبني جميعاً، ولا مكان للعثرات في طريقنا، لأننا لا ننظر إلى تحت، بل إلى حيث الشمس، وأجنحتنا تطير ولا تصطدم بالارض. وكم يغبطنا أن أساتذة وأكاديميين وأدباء يعربون عن سعادتهم بأنهم “معنا”، ومشروعنا ليس فيه انتساب، إنما هو فكرة عالمية انطلقت من سيدني، وعبرت البحار وأصبحت على كل لسان.

ألف شكر لكم جميعاً، أساتذة كباراً، ومؤسسات، ومتابعين. كما أشكر مؤسسات الإعلام والأصدقاء الذين نشروا ولو كلمة عن المؤتمر، وقد نوهت بالأسماء عدة مرات على صفحتي، راجياً لكم جميعاً التوفيق والنجاح وإلى اللقاء.

اترك رد