انطلق مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” الذي ينظمه مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي-سيدني ، منتدى لقاء – لبنان، بستان الإبداع – سيدني. يصدر عن المؤتمر كتاب من جزءين او ثلاثة، يضم جميع الأوراق المشاركة، وترسل نسخ منه إلى المشاركين والمكتبات والكبرى. يعقد المؤتمر حضوريا في جلسة واحدة، فور انتهاء الأزمة الصحية، وتقرأ مختصرات الأوراق بالنيابة عن المشاركين المقيمين خارج أستراليا.
في القسم الأول من المؤتمر تم نشر عشرين ورقة لأدباء ومفكرين من لبنان وأنحاء العالم.
القسم الثاني يضم 12 ورقة، في ما يلي الورقة 25- الدكتور جوزيف ياغي الجميل – لبنان : دور مجلة أفكار اغترابية في النهضة المهجرية الثانية
النهضة الاغترابية الثانية عنوان المؤتمر الذي ينعقد في سيدني أستراليا، مطلع شهر شباط، ٢٠٢٢. وهو مؤتمر غني بالمواد التي سيبحثها المشاركون، في مختلف المجالات الإبداعية والفكرية. وقد اخترت في ورقتي البحثية هذه عنوانا رأيته مفيدا في الإضاءة على الحركة الإبداعية النهضوية: دور مجلة أفكار اغترابية في النهضة الاغترابية الثانية. عسى أن يكون في عملي ما يضيء على أهمية هذه المجلة الإلكترونية، في نشر الثقافة وشحذ الهمم الإبداعية، في لبنان وأستراليا وكندا والولايات المتحدة الأميركية، وذلك بفضل غناها الثقافي، وتنوع مقالاتها المعرفية.
تمهيد:
قبل مباشرة البحث ينبغي التعريف بالمجلة، وتأطيرها، تسهيلا للدراسة.
صدر العدد الأول من المجلة الإلكترونية الشهرية “أفكار اغترابية”، في سيدني، بتاريخ 15 آب 2021.
يصف الدكتور جميل الدويهي المجلّة، في مقدّمة العدد الأوّل منها، إنها “تحمل مشعل الأدب والفكر والثقافة”،1 ومن أبرز أهدافها :
1-“إظهار أدب اغترابيّ صحيح، جاد، وفاعل، في الحياة.”2
2- إخراج العالم من الظلام، وإنقاذه “من درب الجلجلة”3
وهكذا أصبحت الأعداد الخمسة الأولى التي اتخذناها موضوع بحثنا، صلة الوصل بين الضفتين، مورداً خصباً للفكر النورانيّ المبدع.
أوّلاً: غلاف المجلة في الأعداد الخمسة ودلالاته:
يحمل غلاف العدد الأول، إلى يمين المشاهد، صورة مدينة سيدني، وشعارها الرمز السياحي الشهير دار سيدني للأوبرا، وهو على شكل أشرعة. وقد اختاره الأديب الدويهي كي يبرز الدور الثقافي للعاصمة الأسترالية التي احتضنت إبداعه، وكانت الشراع الموجّه لمركبه الإبداعي، في رحلاته بين ضفتي الوطن والمهجر. أما في يسار الصورة فتظهر باخرة ضخمة لعلها رمز للهجرة الكبرى، من لبنان إلى أستراليا. وفي وسط البحر منارة صغيرة تهدي السفن، إلى شاطئ الأمان. وهذه المنارة هي الدويهي نفسه الذي غدا، عبر مشروعه الثقافي”للأدب المهجري الراقي”، منارة هداية للأدباء والمثقفين، في لبنان وأستراليا، على السواء.
أما اللون الأحمر الذي تتصف به الغيوم، في الأفق، فهو إشارة إلى الصعوبات، أو المعاكسات التي واجهت المغتربين، بشكل عام، والدويهيّ بشكل خاص.
أمّا غلاف العدد الثاني فيظهر فيه رجل قروي وزوجته، وقربهما فتاة صغيرة تهتم بسرب من الحمام، تحت عريشة وإلى البعيد جبال لبنان الشاهقة. وهي إشارة واضحة إلى الحنين إلى الوطن، وطن الشموخ والسلام، وراحة البال.
ويكشف غلاف العدد الثالث من المجلة صورة لشارع الملك داود، في القدس، ما يوحي التزام المجلّة قضيّة الشعب الفلسطيني.
وفي صورة غلاف العدد الرابع صورة لبيروت العمران والحضارة. وهذا يظهر إيمان الدويهي والمجلّة بعودة بيروت إلى عزها القديم.
وظهرت صورة الساحل الجبيلي، في غلاف العدد الخامس. وهذه إشارة إلى دور مدينة جبيل، في نشر الأبجدية والحضارة.
وبذلك، يكون لصور الغلاف دور في الربط بين المهجر والوطن، عبر تعزيز الروابط الحضاريّة بين الضفتين، انطلاقاً من وحدة الإبداع الإنساني.
ثانياً: عنوان المجلّة
بين الفكر والثقافة، بين الغربة والوطن، اتخذ الدويهي عنوان مجلّته: “أفكار اغترابيّة”، نكرة موصوفة تبرز شموليّة الأفكار، ومدى اتساعها لتضمّ حملة الأقلام، في أستراليا والعالم. أمّا كلمة أفكار فهي من الفكر الذي هو أكثر شموليّة من الأدب، ليغطّي مجالات الفلسفة والفن والتاريخ والنقد والآداب العربية، في نثرها والشعر، فضلاً عن الترجمة، ومراجعات الكتب. وأطلقت صفة اغترابيّة على الأفكار، بغض النطر عن مكان صدوره، في الوطن أم في الغربة. وكأن الدويهي يؤكّد اغتراب هذه الأفكار، وتغريد أصحابها خارج السرب، في بحثهم عن القيم الإنسانيّة، في عالم الماديّة المتوحشة.
ثالثاً: موضوعات المجلات
1- الأبواب الثابتة والمتبدّلة
لم يكن في مجلّة “أفكاراغترابيّة” محاور ثابتة، في كل عدد. ولعلّ هذا الأمر منحها ميزة التنوّع والغنى الفكريّ، في مختلف الميادين. ولكننا لاحظنا أنها ترتكز إلى أبواب عامة ثابتة، تبدأ بالمقدّمة التي تعرض رأي صاحب المجلّة، وتكشف مبادئها العامة، والأهداف المرجوة منها. يلي المقدّمة نص شعري مترجم، من الأدب العالمي، مثل غيوم أبولينير( Guillaume Apollinaire 1880-1918 )4 ، وتريستان تزارا( Tristan Tzara-1896-1963)5 ومختارات من أعمال أرثر كرافان(Arther Cravan 1887-1918)6 وعرض لقصص من الأدب الأسترالي القديم والحديث. 7
وإننا، إذ نراجع عناوين هذه القصص وأهميتها، نجد أنها أتت لتحقيق مجموعة من الأهداف أبرزها:
- تأكيد الوفاء للأرض التي احتضنت الفكر الدويهيّ، ومنحته الرعاية والاهتمام.
- تأكيد اندماج الدويهي في صميم الحركة الفكرية الأستراليّة.
- تحقيق ربط حضاري بين الضفتين: أستراليا ولبنان، من أجل إحياء نهضة اغترابيّة جناحاها الوطن والمهجر.
- مواجهة حملات عدم القبول، في المجتمع الأسترالي، والتي ارتكبت بحق رواد النهضة الاغترابيّة العرب عموما، والدويهيّ بشكل خاص. وهذا ما أظهرته، بشكل جليّ، مقالتان نُشرتا في المجلة، تعبّران عن واقع الإنسان المهاجر، إلى أستراليا. المقالة الأولى بعنوان: “مهرين فاروقي تفضح تصرّفات عنصرية”، تقول فيها الكاتبة: “خدمت أستراليا لمدّة ثماني سنوات… ولا تزال الكراهية العنصريّة والإساءة المقيتة تسحقانني”8 والمقالة الثانية بعنوان: “مهاجرون إلى أستراليا: عمق الفوارق والاختلافات الثقافيّة” يقول فيها الكاتب:” ليس لديك اتصال بجارك…الباب مغلق دائماً، وبوابات الحدائق مغلقة.” 9
فكان عمل الدويهي، عبر مجلته، فتح هذه الأبواب المغلقة، والدفاع عن وجوده، في أرض الفرص.
باب ثالث يمكن الإشارة إليه وهو المقالات حول شخصيات أدبية أو سياسيّة من أستراليا (دايفيد أونيبون 1872-196710، ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون11)، أو أدبيّة وفنّية، من الغرب أمثال: إدغار ألان بو (Edgar Alain Poe-1809-1849)12 والرسام بيكاسو(Pablo Picasso-1881-1973)13، والفنّان فان غوخ(Vincent William Van Gogh-1853- 1890)، وذكر معلومات عن سر آخر لوحة رسمها، قبل انتحاره، 14 والأديب الفرنسي المعروف فيكتور هوغو (Victor hugo-1802-1868) 15، ولامرتين(Alphonse de Lamartine-1790-1869 ) 16، والشاعر الفرنسي شارل بودلير،(Charles Baudelaire-1821-1867) “أبو الرمزية وثورة ” 1948 17، والفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه Freidrik Nietche-1844-1900، في وجهه الآخر: لو سالومي.18 وهي شخصيات كان لها دور بارز في النهضة الفكرية الغربيّة، في القرن التاسع عشر، ولا تزال آثارها تشهد لها، إلى الآن.
في المقابل، عرضت مجلة “أفكار اغترابية” قراءات، ودراسات، في الأدب العربي القديم، من خلال مقالات عن الشاعر العباسي أبي الطيّب المتنبي19، والشعراء المقنّعين أمثال “وضاح اليمن، أبوزبيد الطائي، والشاعرالكندي” 20، ودراستين عن امرئ القيس، الأولى حول بيت شعريّ له 21، والثانية عن قصيدته ” تعلّق قلبي طفلة عربيّة”22. وتحدّث الدكتور الدويهي، في المجلة عن موضوع النرجسيّة عند الشعراء العرب، ودورها في تعزيز الإبداع الأدبي، باعتبارها ” أمّ الإبداع”.23 كما تطرّقت المجلّة، في أعدادها الخمسة الأولى، إلى موضوعات متفرّقة عن الأدباء المهجريين، في النهضة الاغترابيّة الأولى، أمثال جبران خليل جبران، من خلال المؤتمر الذي أقامته له رابطة المبدعين في العالم24، أو من خلال دراسة مصادر كتاباته واقتباساته الفكريّة،25 أو من خلال مقابلة مع نسيب له يروي بعض التفاصيل الشخصية عنه،26( وهي شهادات ذات أهمّية كبيرة، في الإضاءة على الشخصية الجبرانية) وميخائيل نعيمة،27 وإيليا أبي ماضي، في ديوانه الطلاسم،28 وأمين الريحاني القائل إنّ ” هجرة الجسد لا تكفي إن لم ترافقها هجرة العقل”،29
أما الأهداف الجامعة بين هذه المقالات فيمكن اختصارها بما يلي:
- إبراز دور الأدب المهجري الذي يوازي الأدب العالمي في مكانته والإبداع.
- تأكيد التلازم الحتمي بين الأدب الحديث وجذوره التراثيّة؛ فالأدب ليس انقطاعا، بل شجرة تعلو في السماء، بقدر عمق جذورها، في التربة .
- تحقيق مقارنة أدبية بين الأدبين العربي والغربي اللذين يصبّان جميعا، في خدمة الإنسان، والقيم.
- المقارنة بين الأدب القديم، في المهجر، وفي الوطن، والأدب الحالي، من ناحية التزام القديم والمهجري قيم الانفتاح والحوار، وانغلاق الثاني، على الأقل، في قسم كبير منه، في قيود الطائفيّة والمذهبيّة والإقليميّة البغيضة. وفي هذا الإطار تصف مقالة في المجلّة الأديب اللبناني أمين نخلة فتقول: “والواقع أن كل شعراء لبنان في الداخل والمهجر اتسموا بهذه الخاصية[ الانفتاح] كجبران ونعيمة وجورج صيدح والياس فرحات- على الرغم من أن نخلة ليس مهجريّاً- وهذا يدلّ على مبلغ التقبّل والتآلف بين العرب، في القرن المنصرم، بين المسيحيين والمسلمين، على خلاف هذه الأيام…”30
ومن الأبواب التي ظهرت في المجلّة مراجعات الكتب الأجنبيّة والعربيّة. ومن أبرز هذه الكتب كتاب عن “القوّات المارقة” وهو يسلّط الضوء على جرائم الحرب في أفغانستان31، وكتاب عن أدولف هتلر 32وكتاب ” كوكب من الطين” للكاتبة السورية الدكتورة سمر يزبك المقيمة في باريس 33، وكتاب ميشا والذئاب 34وكتاب التنبؤات لنوستراداموس 35 وكتاب كندا للكاتب الأميركي ريتشارد فورد، مترجم إلى العربيّة36 ومراجعة كتاب العدميّة المشرقة عند نيتشه للكاتبة ويندي سيفرت37 وكتاب ميلاني وأنا، لستيفاني غريشام38، ومراجعة كتاب عن الأطباق الطائرة في أستراليا للصحافي روس كولثارت39، وكتاب عن عمر الشريف40، وعن القذافي للكاتبة الأردنيّة دعد شرعب41، ورواية “حالة رعب” لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ولويز بيني 42، وكتاب “أشباح ميلانو” لمحمد زيّان43، وكتاب من تأليف باراك أوباما وبروس سبرينغستين 44ومراجعة كتاب “الذين قتلوا مي” للناقد شعبان يوسف45، وكتاب “الآلهةالعرضّية”الذي يضيء على معتقدات بعض الشعوب بألوهية الإنسان46 وقصص “سوريا حبيبتي” لزياد عبد الله47.
ومن الأبواب الثابتة أيضا باب السيرة الذاتية “من أنا؟” لشخصيات فكريّة، لها مشاركات في المجلّة، تتحدث في شكل موجز عن حياتها الشخصيّة وأبرز أعمالها.48
وتظهر قيمة هذه الأبواب، في موضوعاتها المتعدّدة، في الأمور الآتية:
- تنوّع الموضوعات وغناها، في المجالات الأدبيّة والتاريخيّة والفلسفيّة. وهذا ما يجعل المجلّة موسوعة ثقافيّة تغني عقل القارئ، وتعرّفه إلى الثقافتين العربيّة والغربيّة.
- سعي المجلّة إلى مقاربة الكتب، شرقاً وغرباً، انطلاقا من روح نقديّة موضوعيّة، تلقي أضواء على الحياة الثقافية المعاصرة.
- إحياء الروح النقدية في القارئ، وجعله شريكا في العمليّة الإبداعية العالمية.
- تعزيز واقع الأدب المقارن، من خلال الترجمات، ومراجعات الكتب الأجنبيّة والمترجمة.
- الربط بين النهضة الغربيّة في القرن التاسع عشر، والنهضتين الاغترابيّتين الأولى والثانية.
- الإعلان بشكل غير مباشر أن الإبداع الحقيقي لا تحدّه ضوابط إلا الدفاع عن الإنسان، وقيمه الحضارية الشاملة.
2- الأنواع الأدبيّة في المجلّة
يمكن الإشارة إلى أنواع أدبيّة متنوّعة ظهرت في أعداد المجلّة الخمسة، بشكل رئيس وهي الشعر والقصة والنقد والمقالات الأدبيّة، ذات الطابع النثري الفنّي، والمقالات الدينيّة واللغوية.
أ: الشعر
يمكن الإشارة في موضوع الشعر، في الأعداد الخمسة من مجلّة ” أفكار اغترابية”، إلى أربعة أنواع من هذا الشعر: الشعر الحر، وشعر التفعيلة، والشعر العمودي، والشعر العاميّ.
ونقصد بالشعر الحر الشعر الخالي من الأوزان. أما شعر التفعيلة فهو الشعر الموزون ولكنه لا يخضع لنطام الشطرين. أما الشعر العمودي فهو الذي يلتزم البحور الخليليّة، ونظام الشطرين. وهو شعر مكتوب باللغة الفصحى. في حين أنّ الشعر العامّيّ هو الذي كتب بالعامية اللبنانيّة.
وقد أجرينا نوعاً من الإحصاء، حول هذه الأنواع الأربعة، فأتت النتيجة كما في الجدول الآتي:
العدد الأول: مجموع القصائد 14: الشعر الحر 9- شعر التفعيلة 1 – الشعر العمودي صفر – الشعر العامي 4
العدد الثاني: مجموع القصائد 21: الشعر الحر 11- شعر التفعيلة 3 – الشعر العمودي 1 – الشعر العامي 6
العدد الثالث: مجموع القصائد 14: الشعر الحر 6- شعر التفعيلة 3 – الشعر العمودي 1 – الشعر العامي 4
العدد الرابع: مجموع القصائد 17: الشعر الحر 9- شعر التفعيلة 4 – الشعر العمودي صفر – الشعر العامي 4
العدد الخامس: مجموع القصائد 15: الشعر الحر 8- شعر التفعيلة 2- الشعر العمودي 3 – الشعر العامي 2
المجموع 81 قصيدة: 43 شعر حر، 13 شعر تفعيلة، 5 شعر عمودي و20 شعر عامي.
النسبة المئويّة: شعر حر 53 %، التفعيلة 16%، عمودي 6 %، عامي 25 %
وفي قراءة سريعة لهذه المعطيات نستنتج أنّ الشعر أخذ الشعر حيزاً مهما، بين الأنواع الأدبيّة التي ضمّتها أعداد المجلّة. وهذا ما يبرزه الإحصاء الآتي:
العدد 1: مجموع المقالات34 – مجموع الشعر 14، النسبة المئوية 41 %
العدد 2: مجموع المقالات 41 – مجموع الشعر 21، النسبة المئوية 51 %
العدد 3: مجموع المقالات 42- مجموع الشعر 14، النسبة المئوية 33%
العدد 4: مجموع المقالات 48- مجموع الشعر 17، النسبة المئوية 35%
العدد 5: مجموع المقالات 44- مجموع الشعر 15، النسبة المئوية 34%
يكشف لنا هذا الجدول أنّه في بداية إصدار المجلّة كانت نسبة القصائد مرتفعة بحيث شكّلت في العددين الأول والثاني 41% و 51% من مجموع المقالات. وهذا أمر طبيعيّ في الأعداد الأولى من المجلة. وقد تغيّرت النسبة في الأعداد 3، 4، 5. وهذا يعود، في رأينا، ليس إلى تدنّي الاهتمام بالشعر، الذي حافظ على العدد نفسه تقريبا، في الأعداد الخمسة، ما عدا العدد الثاني، الذي كانت نسبة القصائد مرتفعة جداً، بل إلى زيادة حجم المجلّة التي تغيّرت وفقاً للجدول الآتي:
العدد 1 – عدد الصفحات 77
العدد 2 – عدد الصفحات 88
العدد 3 – عدد الصفحات97*
العدد 4 – عدد الصفحات 98*
العدد 5 – عدد الصفحات 97*
*لم نحسب ضمن الصفحات صفحة الإعلانات، في آخر العدد.
وقد يكون في انخفاض نسبة الشعر، في الأعداد 3، 4، 5، ما له علاقة بسياسة المجلّة التي بدأت تهتم أكثر بالمقالات الثقافيّة، ومراجعة الكتب، وزيادة بابين ثابتين، إلى المجلّة، هما “مرايا مضيئة”، و”معلّمو الفكر” ما يضفي غنى على المجلة، وإرضاء لجميع الأذواق.
وفي مراجعة سريعة للقصائد الشعرية، الفصيحة والعاميّة، من حيث موضوعاتها وسماتها العامة، رأينا أنها تنقسم إلى قسمين: القصائد الوجدانيّة، والقصائد الوطنيّة. ونشير إلى أننا قد أدخلنا في القسم الوجداني ما له علاقة بالحب والغزل والحنين والذكريات. وهذا جدول بتوزيع القصائد، بحسب قسميها الوجداني والوطني:
العدد 1: عدد القصائد 14: الوجدانيات 11، الوطنيات 3
العدد 2: عدد القصائد 21: الوجدانيات 17، الوطنيات 4
العدد 3: عدد القصائد 14: الوجدانيات 13، الوطنيات 1
العدد 4: عدد القصائد 17: الوجدانيات 13، الوطنيات 4
العدد 5: عدد القصائد 15: الوجدانيات 14، الوطنيات 1
وتشير هذه الإحصاءات إلى أمور نختصرها بما يأتي:
1- اكتفاء الشعر المنشور، في المجلّة، بالتعبير الوجداني عن هموم الشاعر الشخصيّة من حب وحزن، متجنّبا الدخول في قضايا تثير حساسيات سياسيّة، أو طائفيّة.
2- تعبير الشعر الصادر في المهجر عن نزعتي الحنين والشوق إلى الوطن، في اتجاهين متوازيين: الشعور بالغربة بعيداً من الوطن، ووصف الذكريات التي بقيت في أذهانهم والضمائر في وطنهم الأم، حيث العرزال والقرية والجنة التي يتوقون إلى العودة إليها.
3- في الموضوع الوطني تحدّثت القصائد عن محنة بيروت، بعد انفجار المرفأ، في آب 2020، وعبّرت عن إيمان الشعراء بأن العاصمة اللبنانية ستنهض من بين الرماد، كطائر الفينيق.
4- انسجام الشعر المنشور في المجلّة وسياستها الداعية إلى الحوار الحضاري بين الأديان والجماعات، بعيدا من المصالح السياسية الآنيّة التي تعمّق الخلاف، بين أطياف الوطن.
5- سعي الشعراء الذين ينشرون قصائدهم في مجلة” أفكار اغترابيّة”، إلى السير في ركب الشعر الحديث الذي بدأ يتحرر من الوزن والقافية، أو هرباً من ” القيود” التي يزعمون أنها تقيّد حرية تعبيرهم عن الذات الإنسانيّة.
6- إعلان غير مباشر عن ثورة دفينة لدى الشعراء، في مواجهة ماضٍ من المعاناتين الاجتماعيّة والسياسيّة انعكستا بشكل غير مباشر في الشكل الشعري، وفي موضوعات الشعر. وبذلك أصبحت النزعة الوجدانيّة في القصائد أشبه بالورقة البيضاء، في صندوق الانتخاب.
ب: القصة:
لم يكن للقصة حيّز كبير في الأنواع الأدبيّة المنشورة، في أعداد مجلّة “أفكار اغترابيّة” الخمسة؛ إذ بلغ عدد القصص ثلاثا، في العدد الأوّل، وقصّة واحدة في العدد الثاني، وخمس قصص في العدد الثالث، وثلاث قصص، في العدد الرابع، وقصّة واحدة، في العدد الخامس.
فما الذي تكشفه هذه الحقائق؟ وما أسبابها والخلفيّات؟
لم نجد تفسيراً لهذه الندرة إلا اكتفاء المشاركين بالشعر والمقالات ذات الطابع الاجتماعي. وقد يعود السبب إلى نظرة خاطئة في ربط الإبداع بالشعر، أو إلى اهتمام الأدباء المشاركين بالشعر، دون القصة. وقد تنوّعت موضوعات القصص المنشورة بين القصص الاجتماعيّة ( 8 قصص) والقصص التاريخيّة الأستراليّة( 5 قصص).
ج: النقد الأدبي
ندر النقد الأدبي في مجلّة “أفكار اغترابيّة”، في الأعداد الخمسة الأولى، إذ بلغ عدد المقالات النقديّة في العدد الأوّل أربع مقالات، وغاب النقد في العدد الثاني، وظهرت مقالتان نقديتان، في العدد الثالث، وثلاث مقالات في العدد الرابع، فضلاً عن مقالة واحدة في العدد الخامس، أي ما مجموعه عشر مقالات نقديّة. وهذا النقد نوعان:
- دراسة قصائد أو كتب منشورة، في مقاربات نقديّة منهجية (تسع مقالات).
- آراء في الأدب الاغترابي في مقارنة بينه وبين الأدب، في لبنان والعالم.(مقالة واحدة)
وهذه المقالات النقديّة يمكنها أن تُشكّل نواة لدراسات نقديّة لاحقة تعزّز الجوانب الأكاديمية للمجلة، وتمنحها الرصانة المطلوبة، خصوصا وإن مؤلفيها من الأدباء والباحثين المشهود لهم بالكفاءة.
مع الإشارة إلى ظهور آراء نقديّة مستقلّة عن المقالات النقديّة تدعو إلى فهم أعمق للشعر لأنّه “ليس صحيحا أنّ للشعر قوالب وشروطا يفرضها جوّ معيّن… القصيدة المفهومة هي التي تعيش..”49، ولأنّ ” القارئ هو المعيار الصحيح للأدب الجيّد”50.
د:المقالات النثرية الفنّية
تضمّنت الأعداد الخمسة نصوصاً نثريّة فنّية، ذات بعدين اجتماعيّ وجماليّ. ومن أبرز سماتها غلبة الطابع الوجداني الذاتي. فقد ورد في العدد الأوّل خمسة نصوص، وفي العدد الثاني نصّ واحد، وفي العدد الثالث نصّان اثنان، وفي العدد الرابع ثلاثة نصوص، وفي العدد الخامس نصان اثنان، أي ما مجموعه ثلاثة عشر نصّاً. فتساوى بذلك عدد النصوص وعدد القصص. أتكون هذه الظاهرة دليلا على رفض معين لواقع، أم سعياً غير مباشر لإنقاذ الذات من الإحباطات السياسية والاقتصادية التي يتخبّط بها الإنسان العربي في لبنان والعالم؟
ه: المقالات الدينية
وتعنى هذه المقالات بشأن الحوار بين الأديان، أو ما أطلق عليه مؤلّفها الدكتور كلوفيس كرم “علم الأديان المقارن”. وأهميّة هذه المقالات أنها تؤسس عمليّا للحوار بين الأديان، في أستراليا، أوروبا، وفي لبنان والعالم العربي. ومن أبرز الأفكار التي طرحتها هذه المقالات:
- البحث عن روابط مشتركة بين هذه الأديان، عندما نريد تعليمها، في بلد كلبنان، متعدد الأديان.51
- عدم الاستسلام للرأي الغربي في نظرته إلى الأديان، وذلك لأن الباحث الشرقي أولى من غيره بفهم حقائق دينه وحضارته وتاريخه من الغربي لأنه يعطي بحثه الجانب الروحي المنشود52.
- أثر الأساطير البابليّة مثل ملحمة جلجامش، والديانات الهندوسیة والهندیة والصینیة والبوذیة في إغناء علم الأديان المقارنة. كذلك لا يمكن إغفال دور الجامعات الأجنبيّة، في تعزيز دراسة الأديان.
- كما ظهرت آراء دينيّة، خارج هذه المقالات، تدعو إلى تغليب العقل على النقل، لأنه من مستلزمات الحداثة، والحضارة الإنسانيّة المعاصرة. وذلك لأنّ المشكلة، في الشرق، ” تحوّلنا إلى مجتمع استهلاكي ينفي العقل ويحلّ محلّه النقل، يرفض الإبداع ويستبدله بالاتباع، يرفض الديمقراطيّة ليحل مكانها استبداد سياسي وديني…”53 ولعلّ هذه المقالات هي في صميم دور مشروع جميل الدويهي المرتكز على الحوار بين الأديان والحضارات، في القرن الحادي والعشرين.
و: المقالات اللغوية
تمّ نشر مقالتين لغويّتين تتناول الأولى موضوع الفارق بين اللكنة واللهجة واللغة، فيظهر الكاتب أن اللهجة أوسع من اللكنة، وحين تصبح اللهجة منتشرة نصرا وشعراً يمكن الحديث عن اللغة. ويدعو في نهاية مقالته إلى الحفاظ على اللغة العربيّة، وتجنّب الوقوع في تأخطاء الشائعة.54
أمّا المقالة الثانية فتتحدّث عن اللغة العربية من منظار الواقع السياسي-الاجتماعي، مشيرة إلى أمور متعددة أبرزها:
- ارتباط التجديد أو التقليد في اللغة بالواقع السياسي الاجتماعي .55
- قداسة اللغة العربيّة لأنها لغة الجنّة ولغة القرآن. ولكنها لا تُعبد، ولا يُركع لها.56
- أهمّية البحث عن “طرح فكري جديد ينقذ اللغة من الجمود والتحجر ورؤية متنورة حول اهمية ملاءمة اللغة للمناخ الثقافي العام”57
- أهمية إزالة “القطيعة الآخذة بالاتساع بين واقعنا اللغوي والثقافي عامة ومستوى الحالة الثقافية–الاجتماعية واللغوية السائدة في المجتمعات غيرالعربية”.58
- أهمّيّة ربط اللغة العربيّة بالتطوّر الاقتصادي العلمي لأنّ ” الانغلاق ستكون له إسقاطات سلبية قد تحوّل اللغة العربية الى لغة في طريق الاندثار”.59
رابعاً: توصيات:
بقي أن نشير إلى بعض التوصيات المرتبطة بمجلّة ” فكار اغترابيّة”، من باب السعي إلى تطويرها، وجعلها أفضل تصميما وإخراجا وغنى فكريّاً. وهي:
- أهميّة تبويب المقالات وفقا لمحاورها الموضوعاتيّة
- وضع محور أساس في كلّ عدد، يضاف إلى الأبواب الثابتة فيها.
- الاهتمام بموضوعات النقد الأدبي والفنّي في المجلّة.
- السعي إلى تنويع أشكال الأدب، في المجلة، من قصّة ومسرح ومقالات فنّية متنوّعة( رسم- نحت-..)
- ربط فهرس المحتويات بأرقام الصفحات تسهيلاً لمراجعة المقالات.
- زيادة فهرس سنوي لمقالات المجلة، يكون ملحقاً بالعدد الثاني عشر، وفيه ثبت بالموضوعات والكتّاب، والكتب المراجعة، في الأعداد السابقة، على أن يكون هذا الملحق سنوياً، يشارك في إعداده أصدقاء المجلّة.
خاتمة
هذا غيض من فيض مما تحمله مجلّة أفكار اغترابيّة – أدب وثقافة من غنى وإبداعات وتنوّع في الموضوعات ما جعلها تتجاوز طابع المجلة العادية إلى موسوعة ثقافيّة. وهي، في أعدادها الخمسة الأولى بيدر واسع من العطاءات التي تصل ما بين الضفتين، الوطن والمهجر. وإننا لو أردنا دراسة مضمونها الفكري لاحتجنا إلى مجلّدات. وهذا ما يجعلها مادة دسمة لأية رسالة جامعيّة، أو أي عمل توثيقي أكاديمي.
***
1- أفكار اغترابيّة-مقدّمة العدد الأوّل، ص 1
2- م.ن.، ص 1
3- م.ن.-مقدّمة العدد الثاني، ص 3
4-أفكار اغترابيّة، العدد الأوّل، ترجمة قصيدة ليل الراين، ص 2
5-م.ن.، العدد الثالث، ص 3
6- م.ن.، العدد الثاني، ص 4
7- م. ن.، العدد الأوّل، ص 36 – العدد الثاني، ص 44- العدد الثالث، ص 52- العدد الرابع، ص 49- العدد الخامس، ص 43
8- أفكار اغترابيّة.، العدد الأوّل، ص 28
9- م.ن.، العدد الثالث، ص 5
10-م.ن.، العدد الأوّل، ص 3
11- م.ن.، العدد الرابع، ص 78
12- م.ن.، العدد الأوّل، ص
13-م.ن.، العدد الثالث، ص 11
14- م.ن.، العدد الخامس، ص 6
15-م.ن.، العدد الأوّل، ص 6
16-م.ن.، العدد الثالث، ص 89
17 – م.ن.، العدد الخامس،ص 8
18 -م.ن.، العدد الرابع، ص 41
19- م.ن.، العدد الأوّل، ص 43 – العدد الرابع، ص 36
20- م.ن.، العدد الرابع، ص 37
21-م.ن.، ص 36
22- م.ن.، العدد الخامس، ص 83
23-م.ن.، العدد الرابع، ص 21
24- أفكار اغترابيّة.، العدد الأوّل، ص 75
25 – م.ن.، العدد الثاني، ص 50
26 – م.ن.، العدد الثالث، ص 59
27- م.ن.، العدد الثاني، ص 15
28- م.ن.، العدد الثالث، ص 26
29-م.ن.، العدد الرابع، ص 13
30- م.ن.، العدد الثالث، ص 68
31- م.ن.، العدد الثاني، ص 6
32- م.ن.، ص 9
33-م.ن.، ص 23
34 – م.ن.، ص 36
35- م.ن.، ص 38
36- م.ن.، ص 63
37 – م.ن.، ص 76
38-م.ن.، العدد الثالث، ص 30
39 -م.ن.، ص 47
40- م.ن.، العدد الرابع، ص 5
41-م.ن.، ص 63
42-م.ن.، ص
43-م.ن.، ص 56
44- أفكار اغترابيّة.، العدد الخامس، ص 50
45 – م.ن.، ص 68
46- م.ن.، ص 75
47 – م.ن.، ص 89
48- من أبرز هذه الشخصيّات الأديب الدكتور عماد يونس فغالي( عدد 1)، الأديب الدكتور جوزاف ياغي الجميّل( عدد 2)، الأديب سليمان يوسف ابراهيم( عدد 3) الأديب الدكتور رياض عثمان( عدد 4) والدكتور حسان العكره، كدير عام المكتبة الوطنيّة، في بيروت( عدد 5)
49- أفكار اغترابيّة.، العدد الثاني، ص 27
50- م.ن.، العدد الأوّل، ص 65
51- م.ن.، العدد الثالث، ص 93
52- م.ن.، العدد الرابع، ص 91
53 – م.ن.، العدد الثالث، ص 38
54-أفكار اغترابيّة.، العدد الثالث، ص 70، 71
55- م.ن.، العدد الرابع، ص 28
56- م.ن.، ص 28
57- م.ن.، ص 28
58- م.ن.، ص 29
59- م.ن.، ص 33
***
*غداً 9- 2- 2022 ورقة الأستاذ سامي مظلوم – ملبورن