استخلص الفنان التشكيلي «محيي الدين الحمصي» المولود في دمشق عام 1971 من تجربته الفنية رؤية حياتية دمجها مع الأبيض والتفصيلات اللونية الأخرى، بأسلوب مؤثّر بصريا جمع فيه ما هو تعبيري في تجريد يبحر البصر معه، وتتغلغل فيه الحواس بديناميكية حداثية تتجسّد فيها المرأة المتحررة من بوتقة الألوان الأخرى. وضمن الانتماءات الجمالية التي يشكّلها مع الأبيض والصفاء والفراغات، لخلق حميمية عن تصوراته الإنسانية في حياة يرسمها وفق مساحات الأبيض متمسّكاً بموروثاته الثقافية ورؤيته الجمالية ضمن التشكيل. ومع الفنان الدمشقي محيي الدين الحمصي أجريت هذا الحوار.
{ هل تعيد إنتاج رؤية المشهد الطبيعي أو الحياتي بتجريد لا يخلو من تعبيرات حسّية؟ أم انك تتجاوز الواقع بالفن من خلال هذا الأسلوب؟
-لا شك أن للمدرسة الواقعية أثرها على الفنان المتمكّن من أدواته. ومع الكثير من التجارب اللونية يحاول الفنان أن يجد له بصمة من خلال الكتلة والخط واللون، إضافة للمنظور ويحاول أن يبسّط الأشكال من حيث رؤيته البصرية ومن خلال البحث والتجريب لمنتج فني حديث يرتقي به ويشارك له من خلال المتلقي من قبل أن يضع توقيعه على العمل المنجز.
{ هل العلاقة بين الحاضر والمستقبل في لوحاتك هي لون أبيض؟ وما الذي يربطك باللون الأبيض تحديداً؟
-أما الحديث عن اللون الأبيض فهو طويل ولكنني أبسّطه بقليل من الجمل، اللون الأبيض هو حياة وهو الفراغ والسلام. كل ما حولنا هو أبيض قبل البدء في العمل. له خاصية متفرّدة في أعمالي وهي تميّزني عن أعمال أصدقائي من حيث المواد المستخدمة والتقنية لمنتج بصري مختلف يحمل الجمال والصفاء والنقاء.
{ هل تحاول إبتكار ثيمة حداثية أو الأحرى ثيمة ما بعد الحداثة في الفن حيث تختلط المدارس في بصمة واحدة؟
-أما عن الحداثة في أعمالي، أرى أن الفنان عليه واجب من خلال تقديم عرض بصري مختلف عن الآخرين من خلال بصمته واختيار المواضيع والتي تحاكي ذات الفنان وعنفوانه ومشاعره من غير أن يخاف لإرضاء نفسه ومن ثم الآخرين لأنه بهذا الشكل يمكن أن يغيّر للأفضل من خلال التجديد اللوني والتجريد لإحداث عمل فني جميل وحديث يواكب التطور من الواقعية الى التعبير ومن ثم التجريد اللوني.
{ الصفاء البصري هو إحساس يصيب المتأمل للوحاتك، هل تأخذ ريشتك نحو أهداف اللون الأبيض بصريا؟ أم أن لكل تكوين يلامسه الأبيض معنى في نفسك؟
-اللون الأبيض ما يميّز أعمالي.. فهو أساسي ومبتكر لأن للون الأبيض كيمياء مختلفة ومتفرّدة وأنا ألوّنه وأعمل على نسج الخيال والمتعة فيه. فهو ضرب من الخيال وبالنسبة للفنان هو سهل ممتنع. فإخراج شيء من لا شيء إبداع وللمتلقي الحكم على أعمالي. الأبيض لا يشعر المتلقي بالملل خاصة إذا كان مدروساً وشاملا. أما عن العمل الفني فيجب أن يكون مرتاحا بعض الشيء. الأبيض بالنسبة لي هو الفراغ الممتلئ بالدهشة.
{ خطوات فنية وإيماءات تجريدية وتعبيرية مأخوذة من الحياة، ماذا يعني لك هذا؟
-الحياة هي أم المدارس، فهي الموجّه الأول والأخير. يتعرّف الفنان على تجارب الآخرين ويغني عينه وفكره بصرياً ويخلق لنفسه أسلوباً متجدداً ومتفرّداً ومختلفاً عن الآخرين.
{ الفنان محيي الدين الحمصي وفن ما بعد الحداثة، هل اعتبر اللون الأبيض هو خط لما بعد الحداثة؟
-ماذا يوجد ما بعد الحداثة!… الجواب لا شيء ولكن الحداثة مراحل متجددة ومختلفة بعض الشيء. المكان والزمان هما اللذان يحددان شخصية وفكر الفنان والذي بدوره يقدّم لنا عرضاً بصريا مختلفاً عن غيره وعن نفسه. لا يمكن للفنان أن يقف عند تجربة واحدة فهذا يبقيه في آخر الطابور.. أتمنى أن تقدم للحياة التشكيلية رؤى مختلفة تواكب تطور النفس البشرية لأن الفنان هو وليد الطبيعة والطبيعة هي مدرسته الأولى والأخيرة.
***
(*) اللوحات من مجموعة متحف فرحات