“الغراب” لجميل الدويهي

 

كان أناسٌ في قرية وراء الجبال يعبدون غراباً أسود، وقد حنّطوه وجعلوا له مقاماً في وسط القرية، يزورونه ويتباركون به. فالرجال كانوا يسجدون أمامه ويبتهلون إليه بأن يغدق عليهم بالخير وعلى أراضيهم بالغلال، والنساء كنّ يصلّينَ بتضرّع لكي يشفق الإله الغراب عليهنّ، فينجبنَ أطفالاً يشبهونه في وسامته وجلاله. والأولاد الصغار كانوا يطلبون منه أن يكون لهم في كلّ يوم عطلة وعِيد لكي لا يذهبوا إلى مدارسهم.

وكانت تسهر على ذلك الغراب سادنة عجوز، تتقن السحر والشعوذة.

وذات ليلة مرضت السادنة فلزمت بيتها، ولم تحرس الغراب المحنّط، فمرّ في المكان رجل غريب، ورأى الطائر الأسود، فانزعج من هيئته، وانتزعه من مكانه، ثمّ جاء بحمامة ناصعة البياض وجعلها في الموقع، حتّى جاء الصباح، وخرج الناس من بيوتهم. وكان أوّل ما فعلوه أن ذهبوا ليلقوا نظرة على غرابهم، فلم يجدوه، بل وجدوا الحمامة تقف مكانه وتهدل بصوت عذب. فما كان منهم إلاّ أن هجموا على الحمامة وأمسكوا بها، فنتفوا ريشها، وقطّعوها إرباً إرباً، ورموا بها في بئر عميقة، وقالوا بعضهم لبعض: لقد استقامت العدالة، وتخلّصنا من الشرّ الذي أحاط بنا من غير أن ندري، وليس علينا الآن سوى أن نبحث عن غرابنا الحبيب، أو نجد أيّ غراب من طينته، فيعود النور إلى قلوبنا، ويزول الشؤم الذي جاءت به هذه الحمامة إلى قريتنا، ويُمحى يوم أسود من تاريخنا المجيد.

***

*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية – سيدني

اترك رد