انطلق مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” الذي ينظمه مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي-سيدني ، منتدى لقاء – لبنان، بستان الإبداع – سيدني. يصدر عن المؤتمر كتاب من جزءين او ثلاثة، يضم جميع الأوراق المشاركة، وترسل نسخ منه إلى المشاركين والمكتبات والكبرى. يعقد المؤتمر حضوريا في جلسة واحدة، فور انتهاء الأزمة الصحية، وتقرأ مختصرات الأوراق بالنيابة عن المشاركين المقيمين خارج أستراليا.
في ما يلي الورقة التاسعة عشرة: الشاعرة مريم شاهين رزق الله – ملبورن: “تجربتي مع الأدب المهجريّ”.
من قرية هانئة هادية ترتاح على سفوح جبال الشيخ… أتيتُ، طفلة تحلم بالجمال، تعشق الكلمة… تمجد الله في وجه الإنسان، بساطة العيش وطبيعة ساحرة تحيطان بي من كل الجوانب، هدّأت في داخلي عواصف الألم وملأتْ كاس السعادة بتفاؤل لا ينتهِي.
كوجه ابي تسكنني الكلمات، ومشاعري بحر عاطفة ونبع ذكريات، من صوت امي وترتيلة وجودها تعلمت الصدق والوفاء.
من ثلوج الجبل الشامخ، ومن مياهه المترقرقة على صخر النقاء، استمددت عطاءاتي ، ولفظت كلماتي، على وقع خطوات شمس المحبة ودفء النسمات المتسابقة إلى نبضٍ ينغرس في داخلي، على لحن الطفولة، ووجع الشباب لأوقات خلدتها في خلايا الروح.
همساتي أصداءٌ لصوتي الذي لو ارتطم بجدار الوحدة، عاد محلّقاً، متخطّياً جدار المجهول، ليزهر الفرح في مواسم العطاء.
دربي زينته بمصابيح البقاء، ولو ان الحياة بقسوتها قد جارت، وتثاقلت على كاهلي صلبانها ، الا انني ما فقدت نفسي ولا أضعت طريقي، أتقمّص زهرة، اختبي في ظلّ فكرة، وأغمس اقلامي بحبر الشوق ومتعة اللهفة لدفء التلاقي.
في بلاد الاغتراب، لم تتوقف قطاراتي، ولا جفّت مواسمي… كانت امتداداً حالماً لكل فصول حياتي… أستقي من بحر قلبي ودفء مبادئي. تجدّدت الأماكن وبقي الوطن حقيبة سفر أطلّ من خلالها على صور وخيالات سرمدية لن تندثر… مداداً لقلمي ومواسم لفكري ونتاجي الأدبي.
في أستراليا سكن القمر حاراتنا، شارك معنا سهراتنا… أحبة وأوفياء… نتقاسم لقمة الفرح ونبرّد وجع الجراح… نخلق من الدمعة بسمة دائمة… ونحوِّل المواسم إلى فصول الخير وسنا المعرفة.
لم يكن اللقاء صدفة… بل في مواكب الفكر ومجالس الأدب كان! كلمة واحدة، أحاسيس مشتركة، همٌّ واحد… ومبدأ لا ثاني له… الإنسان – الإنسانية… وأوراق ناصعة على سطورها يتربع الوطن بترابه وتاريخه وتأريخه… وذكريات ما انسلخت عن الذاكرة.
د. جميل ميلاد الدويهي… إنسان يعيش الحقيقة ويعشق الحقّ…كاتب، شاعر وأديب، يكتب من مكان الروح ليصل إلى أعماق القلب. أرزة تعانق السماء… تقف في مهب الريح، ثابتة الجذور، تعطي لكل الفصول، وتثمر في كل المواسم… أديب مهجري يثمّن العمل، يقيّم الموهبة وداعم للفكر.
يحمل رسالة ويسعى إلى تحقيقها بكل فخر واعتزاز، وعنفوان لا يتراجع عنه، يحاور، يعطي ويأخذ من دون صدّ، الوطن والانسان هدف لا ينزاح عنه.
د . جميل ميلاد الدويهي صديق للجميع وأخ لم تلده أمك، ابتسامة على وجهه تبعث التفاؤل والأمل، وتشد العزيمة، وتدعو إلى المثابرة وبإتقان، لا تهمّه العقبات لو تماثلت في طريقه، ولا يعود من حقل المعرفة إلا وسلاله فائضة بالخير والعطاء والإنتاج… لاتخذله الكلمات ولا تثني عزيمته العقبات… وما أكثرها في بلاد كثُر كتّأبها وتنوع فيها العطاء! يقف على جدار مرتفع شامخ الرأس ثابت العزم والعزيمة.
عطاء… محبة لا تجف ولا تخف، شلالٌ للخير، للإنسان، وصدق المشاعر ، لا يضمر الا الإخاء والإحترام والتضحية.
التقيته في ملبورن في حفل توقيع لمجموعة من كتبه يخصصها مجاناً لكل من حضر، بسمته عنوانه الدائم ويده ممدودة للجميع، للبناء والعطاء.
“أفكار اغترابية” جمعتنا لحب الوطن، وصياغته أيقونة أبدية في ذواتنا، تقينا همّ البعد، ووجع الغربة، ووسيلة تنقلنا من مكاننا عبر القارات للقاء أحبة لنا وغوالٍ على متن الكلمة الصادقة، الهادفة، الدافئة نلتقي .
بعدها بدأت المشاركات الأدبية عبر نشاطات شهرية في مجلة “أفكار اغترابية – أدب وثقافة” تصل إليها من أماكن كثيرة… نلتقي مع رواد الكلمة ومبدعيها في قصائد ومواضيع تغني مداركنا وتسعد قلوبنا البعيدة عن مكان الروح، وأرض الأجداد الخالدين.
د. جميل يطلق عليّ القاباً أعتز وافتخر بها… تشبهني وتعيش في ذاتي: ياسمينة الشعر … شاعرة الياسمين… بخور مريم القصيدة… يثلج صدري وتبقى كلماتي غير كافية في محراب ذوقه وأدبه ولباقته.
في عام ٢٠١٨ وبعد العديد من اللقاءات الأدبية والاجتماعية في ملبورن، وسدني حصلت على جائزة الأديب المهجري د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية”، حيث كنت إحدى زهرات هذا المهرجان الممتع الذي أضاف اليّ عبقأ، وشرفني بمعرفة العديد من الزملاء والادباء، في جو من الألفة والأناقة، جمع اهل الفكر والادب على محبة صافية ونقاء متبادل.
ستبقى حروفنا وكلماتنا فراشات حب وأمل وتعاون ومحبة، ترفرف في سماء الغربة… واصواتنا بالحق مدوية… وأيدينا للبناء مرفوعة لتصل إلى كل ارجاء الأرض… وتبقى خالدة إرثاً وقيمة أدبية للنهضة والرقي، وحديثاً للضمير الحي وصرخة للحق.
جميل ميلاد الدويهي ، كلمة لن تصمت، رفيق العشاق… صديق المشتاق… وتأشيرة دخوله إلى كل القلوب الكلمة التي كانت متذ البدء ولن تزول، المحبة…
لنشرب من يده كأس الفرح، ونهتف عالياً، يداً بيد نحو عمل مثمر فعّال لأجيال قادمة قد تعي الهدف وتسعى لتحقيق الحلم.
تحية مودة ميسمنة لراعي المؤتمر د. جميل ميلاد الدويهي… ولكل الاحبة المشاركين والمشاركات الكرام… والسلام والوفاء سبيلنا إلى التلاقي.
***
*غداً 29-1-2022 ورقة الشاعرة أمال معوض فرنجيه – لبنان