انطلق مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” الذي ينظمه مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي-سيدني ، منتدى لقاء – لبنان، بستان الإبداع – سيدني. يصدر عن المؤتمر كتاب من جزءين او ثلاثة، يضم جميع الأوراق المشاركة، وترسل نسخ منه إلى المشاركين والمكتبات والكبرى. يعقد المؤتمر حضوريا في جلسة واحدة، فور انتهاء الأزمة الصحية، وتقرأ مختصرات الأوراق بالنيابة عن المشاركين المقيمين خارج أستراليا.
في ما يلي الورقة الثامنة عشرة: البروفسور رياض عثمان – لبنان: “رحلة البحث عن جميل الدويهي – إلى أين يا جميل؟”
في رحلة البحث عن شاعر العصر لا بد من الاستعانة بأدوات العصر الجاهلي وعناصر صدر الإسلام ومزايا الغزلين: العذري والإباحي الجميلي والعمري وان يخوص في عمق الصورة الشعرية العباسية الغارقة في التفاعل الحضاري بفعل الترجمات وينصح بأن يدخل الدارس عتبات الأندلس بما فيها من تجديد: شكلي ومعنوي، لفظي وصوري ومزج حضاري بين جسرين عريقين، بين شعبين عربي وغربي، لكي يمر بالمملوكي وما يحمل من تدوير وزني وتنقيب لفظي أو وعناء كتابي.
وأما من يريد البحث عن شاعر الاغتراب فلا بد من ان يخترق جدار الذات وان يكون بسبعة ارواح: ففي الروح الأولى يحمل معه عشق الانتماء، من ناي ومحراث وقلم وعصا، وثقافة فلاح وصبر راع، ومعارف أكاديمي، وزاد ناقد، لينقلها معه إلى الروح الثانية التي تحتاج إلى كل مكونات العناصر الأدبية وأنواعها من نثر وقصة وأقصوصة وشعر كلاسيكي عمودي وحديث ونثيرة وشعر عامّيّ تكون مشكاته إلى الروح الثالثة التي يبحث فيها عن أصدقاء سابقين ومعاصرين خالدين وبائدين وأحياء اموات، واموات أحياء، فيتخيّر بعضهم ولا سيما الذين يتفلّتون من عقال الخوف وحب التقوقع خشية المغامرة، فيتعمشق بأجنحة من المعاني: من العادي الى اللا عادي ومن العابرة الى الغابرة، ومن المغبّرة إلى المعبّرة، ناهيك عن اجتراح ما هو خصب في عالم الصورة او محاولة الوصول.
لكنه آثر أن تكون الروح الرابعة للشواعر من بنات جنسه فيستحضر منهن عشيقات امرئ القيس وجميل وقيس وابن ابي ربيعة ونزار وجبران. لتتمادى شاعريته في الروح الخامسة التي يحسبها اصبحت عملاقة في متاهات الأنواع الأدبية التي يصطفيها لنفسه في لحظة ودّ وتأمّل لا يمكن ان يلتفت فيها إلى الوراء هاربا من صورته التي تشبهه وطفولته التي تكبر براءتها، وتصفو كلما حلّق في لا متناهيها، فيعتصر الشعر شوقا والشوق شعرا، فتسلس له قياد الرؤى فيجنّد نفسه مرميّا في الروح السادسة منهكا لا يجرؤ على التطلّع إلى الوراء او إلى الفضاء ولا يمنة ويسرة، فيخبئ رأسه تحت أجنحة روحه السادسة إذ تختلس عيناه بريقا طوباويا علويا جعله يتصبّب عرقا ويتلّوى حيرة في بحر من الاوزان والمعاني والأصوات التي يجد لها تسمية ولا يجد صفة… ولا يمكن ان يطلق عليها تسمية، فلا يجرؤ على تصنيفها في ارواح الشعراء ولا الروائيين ولا الزجاليين، عندها وجد نفسه غريبا بين كل ما سمع وما قد يسمع فتزداد أنات عذاباتهم ووطأة آلامهم أمام كبير آمالهم، فتتعثر به الخطى لكي يصل إلى الروح السابعة التي تتطلب مسيرة دهر، وقارورة عطر، وشهقة قهر…
يريد الوصول إلى اللاوصول، فيتلاشى عندما ترميه القصيدة من بين يديها إلى أعلى، متّكئا على قلم يحسبه الرائي ناياً والظمآن صنبور ماء او عصا قائد الأوركسترا في معزوفة واحدة امام الكورال ولا كورال، إلا روحه المتعددة، في سبعة، فلا بد من الوحدة التي توصله إلى منتهاه إلى الروح السابعة حيث الوحدة والابداع والبحث عن لقب يناسبه، يتفرّد به لنفسه بين عالم الاغتراب والأدب المهجري، فلم يجد إلا لقب جميل الدويهي، الباحث عن قصيدة لمّا تولد بعد… ينتظر ولادتها في أية لحظة، لأنه الظامئ إلى الإحاطة بالنبل الإنساني والوطني والذاتي، فلن يستطيع الصعود إلى عالمه الرّوحي الثامن، لأن وفاءه يجعله يتجول في كل روح من أرواحه السبعة، فلذا يشق على الدارس أن يبحث عنه في رحلته او يحط رحاله في محطة واحدة منها او زاوية من زواياها.
فهل من الضروري ان يلبس الدارسون الباحثون عن جميل الدويهي ثوب الأدب الاغترابي او المهجري؟ وهل ثمة مقارنة بين الاغتراب القديم والحديث؟ وما هو تعريف الاغتراب في ظل الوسائل المتطورة المتاحة؟ وما الانواع الأدبية التي اجترحها الدويهي في إبداعه لطرق مواضيعه؟ ولماذا التنوع بين العامية والفصحى والشعر والنثر والنثيرة؟ ولماذا هذا الدفق الأدبي؟ ولمن يكتب الشاعر؟ وإلى أين رحلته؟
***
*غداً 28-1-2022 ورقة الشاعرة مريم شاهين رزق الله – ملبورن